مريم أبشر: قالت وزارة الخارجية إنها ستشرع ابتداءً من اليوم في إجراء التحركات اللازمة لإطلاع الاطراف الدولية والإقليمية كافة بالملابسات التي دفعت حكومة السودان بوقف عمليات تصدير نفط الجنوب والاتفاقيات الأخرى كافة, وقال السفير أبو بكر الصديق الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية ل (الرأي العام) أمس، إنّ الوزارة ستقدم اليوم لسفراء الدول المعنية بمتابعة مسار تنفيذ اتفاق السلام بين السودان ودولة الجنوب المتواجدين في الخرطوم تنويراً بشأن الأسباب التي دفعت الحكومة لاتخاذ القرار مضيفاً انّ التنوير سيشمل كل السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدين في السودان، اضافةً لإبلاغ كل المنظمات الاقليمية والدولية المعنية بالأمر ولم يستبعد كذلك قيام بعض المسؤولين فى الدولة بتحركات خارجية للدول ذات الصلة بملف السلام وابلاغهم بالأدلة الدامغة تورط دولة جنوب السودان في تقديم الدعم للجبهة الثورية، غير ان الاستاذ قبريال دينق الناطق الرسمي باسم سفارة جنوب السودان بالخرطوم اكد ل (الرأي العام) تمسك بلاده باتفاق السلام الشامل، لافتاً الى ان حكومة الجنوب لم تتسلم حتى مساء امس اي إخطار رسمي من حكومة السودان بقرارها القاضي بوقف عمليات تصدير نفط الجنوب، قبريال اكد كذلك احترامه لقرار الرئيس البشير باعتبار انه من حقه ان يتخذ القرار، لكنه نبه الى ان هنالك شركاءً دوليين شهوداً على اتفاق الدولتين يحق لهم أن يكونوا على علم بالقرار، بجانب الشركات التي اسهمت في استخراج النفط، مشيراً الى ان بلاده وبعد تسلمها للقرار ستجرى التحركات اللازمة مع الوسطاء الدوليين، مجدداً ما ظلت تقول به جوبا بأنها فكت ارتباطها بالفرقتين التاسعة والعاشرة منذ التاسع من يوليو العام 2011م. ويعتبر السفير الطريفي كرمنو الخبير في الشأن الدبلوماسي، قرار الرئيس البشير صائباً بنسبة 100%، مضيفاً: (لا يمكن ان نعطي العدو المال والطعام ليقاتلك به). ويقول: اذا سمح السودان لبترول الجنوب بأن يعبر عبر أراضيه للتصدير يكون قد أضر نفسه، خاصةً وان كل ما يتحصله عبارة عن ايجار للانبوب. وقال كرمنو ل (الرأي العام) ان الحكومة السودانية مسؤولة عن حماية ارض وشعب السودان وان دولة الجنوب لم تلتزم بالاتفاقات ولم تراع مصالح شعبها ورهنت امرها لمالك عقار والحلو وعرمان، ويرى ان وزارة الخارجية والجهات ذات الصلة يمكن أن تقوم بتحركات خارجية لتوضيح الموقف رغم تأكيده أن كل الأطراف الدولية ذات الصلة والعلاقة بدولة الجنوب على علم بما تقوم به جوبا ومتهماً بشكل صريح اسرائيل بأنها وراء تنفيذ المُخطط. لكن خبيرا دبلوماسيا تحدث ل (الرأي العام) أشار الى ان (القرار كبير ويحتاج لتحرك دبلوماسي وسياسي موازٍ حتى لا يفهم غلط)، ويرى ان قرار وقف عمليات تصدير نفط الجنوب اعتبارا من امس يعد خطوة تتطلب خطوات عديدة اقليمياً ودولياً لقطع الطريق أمام بعض الدول والمنظمات التي يمكن ان تستغله للضغط على السودان وتأليب دوائر الضغط عليه. وتوقع الخبير ان تقود الحكومة السودانية تحركات كثيفة دبلوماسية وسياسية خلال الأيام المقبلة توضح بالدلائل والأدلة الدامغة حجم التورط والدعم الذي تقدمه دولة جنوب السودان للجبهة الثورية في عدوانها المتواصل على ولايتي جنوب وشمال كردفان واستمرارها في الدعم برغم التحذيرات والمهلة التي منحتها لها الحكومة. فيما أبدى بعض المراقبين تخوفهم من ان يلقي القرار بظلال سالبة على علاقات الخرطومببكين والتي تعد حليفاً استراتيجياً للسودان اقليمياً ودولياً، ويرى الدكتور مهدي دهب المحلل السياسي ان الصين دولة محايدة تربطها المصالح مع كل من الخرطوموجوبا وان تأثرها بقرار وقف ضخ النفط يأتى من خلال الأثر الذي يمكن ان يطال مصالحها الخاصة، مشيراً الى أن ردة فعل بكين ستكون بقدر حجم الضرر الذي سيطالها، لكن بعض المراقبين يرون ان القرار في حد ذاته يعد احد وسائل الصراع بين الدولتين، والذي وفقاً لرؤيتهم اتخذ عدداً من الأشكال منذ إعلان انفصال دولة جنوب السودان منذ أكثر من عامين ووصل في أقصى حد له الصراع المسلح. ويشير خبراء في العلاقات الدولية الى أنّ العلاقات السياسية بين الدول تقوم على المصالح (لا صداقات دائمة ولا عداء دائم)، وأنّ العلاقات تؤطرها المصالح، واعتبروا انّ ما يحدث حالياً بين الحكومة السودانية وحكومة الجنوب يمثل كذلك نوعاً آخر من أنواع الصراع وهو الصراع القائم على الاختلاف في الرؤى الفكرية، حيث كان الصراع قبل الانفصال صراع قيم واصبح بعد الانفصال صراع وجود، حيث يسعى كل طرف لإقصاء الآخر. فيما قال مصدر دبلوماسي آخر، إنّ الحكومة سبق وان مهدت للقرار سياسياً من خلال لقاء الرئيس الاخير بأديس أبابا برئيس دولة الجنوب ومن خلال الرسالة التي نقلها وزير الخارجية ورئيس جهاز المخابرات لسلفا كير، وإعلامياً عبر ما أثاره البشير فى الاحتفال باستعادة «أبو كرشولا» وما خرج من جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، إضافةً الى ما صرّح به وزير الاعلام الناطق باسم الحكومة ويرجح المصدر أن تشرع أطراف دولية وإقليمية معنية بالاتفاق في إجراء اتصالات ومشاورات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وخاصة وأن جوبا سعت لتأخير انعقاد اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة مما أعطى إشارة سالبة بعدم الجدية. على كلِّ، القرار الذي اتخذ بوقف تصدير النفط يأتي والدولتين في أشد الحاجة للمال، غير ان وضع جوبا يعد الأصعب مقارنةً مع الخرطوم، مما يرجح احتمالات ان تنشط مساعي الدول ذات الصلة بملف السلام في إجراء تحركات لتلافي إنفاذ القرار بشكل نهائي وممارسة مزيد من الضغوط على جوبا لإثبات جديتها في الالتزام بالاتفاقات والمواثيق.