في عتمة المعاناة لمعت ومضة نفير , ثم أومضت (مروة) . مبادرات تعزي النفس في أوقات الشدائد و المحن , و تبعث الأمل مؤكدة أن هذا الشعب سيظل بخير . لكن العجيب أن هذه المبادرات التي لا يوحي ظاهرها إلاّ بالخير , (اجتهد) البعض كثيراً للغوص في (باطنها) علهم يجدون شراً يخبئه هؤلاء المتظاهرون بالخير و الاهتمام بالمنكوبين .. جهود كثيفة تهدر لإثبات ظنون بدلاً عن توجيه الجهود لتتضافر مع جهود المبادرين ليكون المردود أعظم و الإسعاف أسرع في أمر لا يحتمل التأجيل و إضاعة الزمن في المغالطة حول الدوافع الحقيقية لمن يقدم الغذاء و الكساء و الدواء .. أضاع البعض جهداً كبيراً في معرفة الانتماء السياسي للمشاركين في مبادرة نفير , و لما عرفوا أن بعضهم ينتمي لأحزاب معارضة فجروا ما اعتبروه قنبلة داوية , لكنهم فجروا في الحقيقة فرقعة صغيرة لأن الانتماء الحزبي لا يتعارض مع النشاط الطوعي في الجوانب الإنسانية و الاجتماعية . لذا لم تجد (المفاجآت) التي فجرها البعض حول شيوعية هذا النفير أو بعثية ذاك أصداء تذكر , بل كشفت فهماً قاصراً أضاع فرصة للتعاون بين فرقاء سياسيين في ميدان لا يحتاج للسياسة , و ربما قاد هذا العمل الخيّر إلى إذابة بعض الحواجز , و فتح آفاقاً لتقارب سياسي ما دامت كل البرامج تهدف في جوهرها لنفع الناس . و ثمة ظاهرة أخرى تابعتها عند معلقين على مبادرة مروة التي شارك فيها الفنان شريف الفحيل و زميله وليد زاكي الدين حيث سخر البعض من مشاركة الفنانين متسائلين عن جدوى وجودهم وسط الجوعى الذين فقدوا مساكنهم , بل و بعض ذويهم , و لم يتردد آخرون في ابتسار كل هذه المبادرة الطيبة في بحث هؤلاء الفنانين عن الأضواء و عن المزيد من الشهرة على حساب معاناة المساكين .. هي ظاهرة خطيرة يجتهد أصحابها في تبخيس أي جهد يقوم به الآخرون بل و تحقير المبادرين و نعتهم بأقذع الأوصاف , فلا يكتفي هؤلاء القاعدون بسلبيتهم بل يضيفون إليها تسخيف الفعل الإيجابي و تسفيه المبادرة بالعمل الطيب , ألا يستدعي الأمر إشفاقاً و خوفاً ؟ و مثلما صحبت مأساة السيول و الأمطار مبادرات خففت الآلام , صحبت المبادرات سلبيات أضعفت الفرحة , فلا بد من دراسة ظاهرتي تسييس كل فعل إنساني و تبخيس أي جهد .. ترتبط الظاهرة الأولى بالساسة الحاكمين , وهي الأقل خطراً , و ترتبط الثانية بالمجتمع , لذلك هي الأشد خطراً .