الضجة التي أثارتها مبارة مصر والجزائر في القاهرة تتواصل في الخرطوم. فقد كان الجو العام (مكهرباً) ولذلك كان الخوف أن تنتقل هذه (الكهربة) من القاهرة إلى الخرطوم. بسبب هذا التوقع حشدت الصحافة الإقليمية والعالمية كل إمكاناتها وتجمعت في الخرطوم لترصد الحدث. من حيث هي مباراة في كرة القدم فقد كانت شهادات كثير من متابعي المباراة ونقاد القنوات الفضائية بأن المباراة فوق الوسط، وأن الفريقين أديا أداء معقولا، وأن النتيجة كانت عادلة بالنسبة للفريق الجزائري. بعد ذلك تدخلت تقاليد العالم الثالث الذي لا ترضى بالهزيمة. المغلوب لا يرضى بالنتيجة مهما كان مستوى أدائه ومستوى أداء الفريق الآخر. السودان يعتبر نفسه الشقيق الأصغر لمصر، ولكنه ليس صورة منها. ومصر نفسها لا تقبل أن يظل هذا الشقيق الأصغر صغيرا إلى الأبد. فالصغير يكبر كما نعرف وكما نشاهد في حياتنا الواقعية، لكنه مهما كبر يبقى الشقيق الأصغر. السودان شقيق لمصر .. نعم. ولكن أن يبقى صغيرا (على طول) .. فلا. فالدنيا من حولنا تقول إن الصغير يكبر ليصبح سندا قويا لشقيقته بدل أن يبقى صغيرا إلى الأبد ويبقى عالة عليها إلى الأبد. هذه مقدمة لا بد منها. ما حدث في الخرطوم مساء الأربعاء الماضي ليس فيه استثناء لما يحدث في منافسات كرة القدم. في كرة القدم يظل فضاء النصر والهزيمة مشرعا على مصراعيه إلى أن تنهي صافرة الحكم المباراة. هذا أمر يعرفه الفريقان. ومباراة الأربعاء كانت مرصودة بدقة من الاتحاد الدولي لكرة القدم، وإذا قال ذلك الاتحاد كلمته بصحة النتيجة فلا مجال لنقضها. أما الجزء الآخر من المعادلة الذي أثار غضب جزء من الإعلام المصري فهو الشعور بأن الشارع السوداني خذلهم بتعاطفه مع الجزائر. وفي تقديري أن الشارع السوداني كان منقسماً: نصفه الأكبر كان متعاطفا مع الفريق المصري ونصفه النشط كان متعاطفاً مع المنتخب الجزائري. ولكن لا بأس. فالمنتخب الجزائري لم يأتنا من وراء البحار فهو منتخب عربي أصيل. وبعد .. مصر والسودان شقيقان وصديقان وجاران، وسيبقيان هكذا بعد المباراة كما كانا قبلها. ولا أتمنى أن تبعدنا هذه المنحنيات الصغيرة عن هذه المفاهيم الثابتة بحيث نزعزع هذه القناعات التي بنتها علاقة وصداقة وجوار لآلاف السنين. وأقول كما قلت بالأمس لا هزيمة بين مصر والجزائر .. ولا تخريب للعلاقات المصرية السودانية وستبقى مصر والسودان شقيقين إلى الأبد.