حكاية اعفاء طلاب دارفور من الرسوم في الجامعات الحكومية، واحدة من «فقاقيع»، أو قل ألاعيب اتفاق ابوجا، وهو اتفاق ظللنا نقول انه أتى بورقة نصوص لاتفاق السلام ولم يأت بالسلام، لان مفاوضاته منيت بقدر كبير من «الكروتة» و«الكلفتة» و«بيع السمك في البحر». وقلنا انها «طبخة نية» اشرف عليها المبعوث الامريكي آنذاك «روبرت زوليك». كان اللوبي في امريكا يضغط الرئيس السابق بوش لوقف التشظي في دارفور، وعلى طريقة»سيدي بسيدو»، كان الاخير يضغط على زوليك، الذي اعطى، هو الآخر، ولم يستبق شيئا من «الطبيخ الني»، و«الني» للنار ، على رأي المثل. فقد نصت ابوجا بحروف واضحة، على اعفاء طلاب دارفور من الرسوم في الجامعات الحكومية، ومع التنفيذ بدأت «الفقاعة»تنفقع، واحرف النص بدات «تنماص» في ماء التنفيذ . فوجئ الطلاب بذلك في الجامعات، ووقعت احتجاجات وخرجت مظاهرات، على الاثر جلس المعنيون بهشاشة ابوجا، قالوا ان الجامعات تعفي الطلاب ، وتحصي العدد ، ووزارة المالية تدفع للجامعات، ولكن المالية لاتدفع. صدرت توجيهات رئاسية حول الامر، ولم تحرك التوجيهات اي ساكن، وصلت متأخرات الجامعات على المالية حتى الآن « 9» مليارات جنيه بالقديم، وأخيراً قالت الجامعات انها لن تعفي اي طالب من الرسوم، وهذا قرار عادي بشأن بند في الاساس هش و»اميبي»، اما ما هو غير عادي ان يدفع الطلاب الثمن. اغلب الطلاب الذين سجلوا هذا العام، لم يعفوا من الرسوم، وهذا امر عادي ناتج من بند «فقاعة»، ولكن ما هو غير العادي ان يتم حبس شهادة الطلاب الخريجين من ابناء دارفور في الجامعات، لانهم لم يقوموا بتسديد ما عليهم من متأخرات الرسوم. قدر كم تبلغ هذه المتأخرات؟ انها ملايين الجنيهات، ان لم يسددها هؤلاء الطلاب ستظل شهاداتهم محبوسة في الجامعات تحت بند «عدم اخلاء الطرف» لدى مسجل الكلية. محمد بدر الدين الخير احمد مكي ، واثنين من زملائه ، هم ضحايا اتفاق ابوجا الهش، وبنده الهش الخاص باعفاء طلاب دارفور من الرسوم في الجامعات الحكومية. الضحايا الثلاث تخرجوا في جامعة السودان«هندسة نفط» بدرجة الدبلوم، هذا العام، وعندما أتوا لاستخراج شهاداتهم استطاعوا ان يخلوا طرفهم من الاشراف الطلابي، ومن امين المكتبة، ولكن مسجل الكلية قال لهم «لن يتم اخلاء طرفكم اذا لم تسددوا رسوم الدراسة باثر رجعي، لمدة عامين»، ما يعني ان الشهادة ستظل محبوسة في الجامعة الى ما شاء الله ، اذا لم يسددوا ما عليهم من رسوم. لجأ احدهم الى الادارة، وهي في الاصل صاحبة «البضاعة»،حاججهم بمنطق الضعف، ومنطق الضحية، فحصل من نائب العميد على تخفيض قدره «مائة جنيه»، ومع ذلك ظلت «الملايين بالقديم»عهدة لم تسو، وعقبة امام مستقبل محمد بدر الدين.هو الآن يدفع ثمنا غاليا لبند في اتفاق ابوجا الهش ينص على اعفاء طلاب دارفور من الرسوم لم يلتزم به احد. هناك بنود في الاتفاق الهش لها صلة التوزير والتعيين وتولي مناصب، واخرى تتحدث عن دمج تاهيل، وثالثة تتحدث عن التعمير والتنمية، رزمة من صنف هذا الحديث «السايل» في كتاب الاتفاق الهش، اذا لم تنفذ، لا يتوقع حدوث اضرارا كبيرة ومدمرة ، ولكن عندما تضع في الاتفاق بنداً يمس مباشرة مستقبل الآلاف من الشباب الواعد، هم الطلاب، ولا تلتزم به، فانك بذلك كمن يرفع جداراً عالياً بين الطلاب ومستقبلهم، او انك تقوم بتدميرهم عبر نص صريح في اتفاق. هناك خياران: اما ان يلغى النص، بجرة قلم من كتاب الاتفاق، وتنفض السيرة،«وكأننا لارحنا ولا جئنا»، او الجلوس معاً، عاجلاً، لمعالجة هذا التلاعب الشنيع بمستقبل طلاب دارفور.