مختصر ما ورد في الحلقة السابقة ، أن بروس الذي عاصر الحرب الإثيوبية / السنارية في عام (1735م) اعطانا فكرة عن ما كتبه الراحل الذي سبقه د. جارلس بونسيه الذي غادر القاهرة في عام 1698 متوجها إلى سنار ، ومما شاع يومها أن حكومة الفونج ، كانت تضطهد المسيحيين ، وأن المسيحيين بفعل الضغط السناري يوشكون أن ينقلبوا مسلمين ، وروج لتلك الدعاية البابا حتى يقوم ملك فرنسا لويس الرابع عشر بتجهيز حملة كنسية إلى سنار ، وعلى عكس ما شاع استقبل أهل سلطنة الفونج الحملة أحسن استقبال في مشو ، ودنقلة وقري وأربجي وسنار ، وبدأت الصعاب تجابههم في إثيوبيا ذاتها حيث مات رئيس البعثة وواصل بونسيه رحلته إلى قندر وأكسوم ثم بعدها إلى مصوع ثم عبر إلى جدةفالقاهرة . بدأت مرحلة أخرى من العلاقات الفرنسية / السنارية ، حينما أرسل لويس الرابع عشر سنة 1703م ، هدايا فاخرة إلى اياسو ملك الحبشة مع المسيو لانوار دي رول (du Roule ) .. تحرك دي رول من مصر في 19 يوليو 1704 ووصل سنار وسط أجواء إعلامية سيئة سبقته ، وأنّه بقافلته المحملة بالهدايا يريد تقوية إثيوبيا وتحريضها ضد سنار. وكذلك تحويل مجرى النيل الأزرق لتعطيش مصر وسنار، وربما ساعد على إنتشار هذه الإشاعات ما ظلت تردده الدوائر الكنسية عن سوء معاملة ملوك سنار للمسيحيين . قادت الشكوك العميقة حول أهداف البعثة ، إلى قيام الملك بادي الأحمر ملك الفونج باعتراض مسيرة القافلة وقتل منسوبيها ، وكان فيها ستة من الأجانب وتم ذلك في العام (1705م) ، مما أغضب الملك اياسو واستعد لحملة ضد سنار ولكن وقع إنقلاب ضده وتلاه عدة ملوك ونسيت واقعة سنار، بل إن ما حدث لدي رول على الملك بادي الأحمر ، حدث كذلك لعدد من القساوسة الكاثوليك على يد ملوك إثيوبيا بعد أياسو الذين قتلوا عدداً من الآباء الكاثوليك بينهم طفل لم يتجاوز السادسة من عمره ، كما قاموا بطرد الكاثوليك من إثيوبيا ، ولكن رغماً عن ذلك سكتت المدونات الغربية عن إتهام إثيوبيا باساءة معاملة المسيحيين وظلت الحملة مستعرة ضد سنار . وفي صفر الخير سنة (1147ه) الموافق (1735م)، قاد الملك الإثيوبي باسيوس حملة أو حربا ضد مملكة سنار ، وكان الداعي لها ، مما أحسه في نفسه من أسباب القوة واراد أن يضع نفسه في سجل الفاتحين الإثيوبيين ، كما أنه قرر التوجه إلى سنار لأن الأهالي كانوا يزدرونه ويقللون من قيمته كملك لحبه للهو . وبدأ الملك باسيوس باستباحة منطقة عطبرة ثم اتجه إلى سنار وهناك أرسل له ملك سنار جيشاً بقيادة أمير فوراوي يدعى خميس حيث قابله في منطقة الزكيات شرق الدندر ، وتمت هزيمة الجيش الإثيوبي ، ولكن نجا الملك الذي فقد تاجه وكثيراً من عتاده وجيشه ولكن استعاض عن ذلك بسلب ونهب القبائل العربية في منطقة عطبرة حتى يعود بغنائم وأسرى يغطي بها فشله في إستباحة سنار . ونعود إلى مقتل دي رول قبل ثلاثين سنة من تاريخ وقوع الحرب الإثيوبية السنارية ، لأن بروس وقف عند مقتل دي رول وعلله بالعقل السناري المتخلف المليء بالشعوذة ، لأن دي رول جاء بمرايا وألاعيب جعلت السناريين يظنونه ساحرا وخافوا من سحره فقتلوه وغنموا القافلة التي قدرت قيمتها بما يعادل (25) ألف جنيه استرليني، أو (25) مليون جنيه استرليني ربما بلغة هذا الزمان. وحمل بروس مسئولية اهدار دم دي رول الى ملك فرنسا والكاثوليك المتزمتين الذين شحنوا الأجواء في فرنسا وإيطاليا ضد سنار . واعتمد بروس في قصته على رسائل كان يحملها بعض الرسل الأرمن ، الذين كان يستعين بهم ملوك فرنسا لإيصال الرسائل لملوك إثيوبيا ، ربما لمعرفتهم باللغات اللاتينية والمحلية، وهذه الرسائل مكتوبة بالعربية وموقع عليها بالتاريخين الهجري والميلادي، مثلا أرخت لمقتل دي رول (بالعاشر من ذي القعدة 1118) الموافق (يناير 1706 ). ويقول بروس إن الرعاة ما بين عطبرة والحدود الإثيوبية كانوا أبداً ضحايا لأنهم لا يتمتعون بحماية ملوك سنار ، كما أن ملوك إثيوبيا دائما يهاجمونهم ويستبيحون أموالهم ونساءهم ، من الغريب أن الحوليات التاريخية لا تركز على هذا وأن ركزت على حملات سنار على فازوغلي وغيرها ولا تركز على ممارسات الصفوة الاثيوبية من استرقاق واستعباد ولكنهم يركزون على أمر السودان وهذا من التحيزات المعيبة . ومما يثير الإنتباه ، تركيز بروس على أن ما من سلطان جديد في إثيوبيا يعتلي العرش حتى يقوم بسحل أخوته أو نفيهم، ويقال إنه كذلك لسلاطين سنار عادة القتل الطقسي حيث ما أن يموت الملك حتى يقتل معه عدد من رعاياه. ويتكلم عن الشنكلا (Shangalla ) وهي جزء من قبائل بني شنقول ولعلها تعني العبيد، وأنهم يسيرون عراة كما ولدتهم أمهاتهم، ويتكلم كذلك عن قبائل البازا وحروباتهم ، ويقول إن المرأة السودانية تتزوج وعمرها (11) عاما وحينما يصبح عمرها (22) عاما تكون عجوزا لا تنجب على عكس الأوروبية التي تتزوج وسنها (14) عاما ولكنها تنجب وتحتفظ بخصوبتها وجمالها حتى الخمسين ، وأن السودانية صاحبت ال ( 22) عاما تعادل في شكلها وتجاعيدها وتغير شكلها الإفريقية ذات الستين عاما . أما عن جيش الملك الإثيوبي ياسوس، الذي سعى لتدمير سنار فقد كان قوامه (18) ألف جندي ، وأشاع هذا الجيش الرعب في كل سنار ولكنه حينما هزم اضطر الملك الإثيوبي ياسوس لاستعادة تاجه من ملك سنار بادي ابوشلوخ على أن يدفع له ثمانمائة أوقية ذهب، وحينما تمت اعادة التاج سكرت قندر منذ الصباح من الفرح والطرب. هذه مجرد وقائع ملتقطة من كتاب جيمس بروس وهو ثلاثة مجلدات ومكتوب بلغة إنجليزية سلسة وإن لم تخل من طرائق الكتابة القديمة التي يستطيع القاريء أن يتمرن عليها مثل كتابه (s ) في شكل (f ) وغيرها . ولكن من المهم لأهل التاريخ من شبابنا أن ينظروا في هذه الكتب وبدونها لن يكون ميسورا تكوين العقل التاريخي المطلوب.