لفتت الدعوة التي تسلمها رئيس الجمهورية المشير عمر البشير مساء الأحد لمشاركة السودان في القمة الفرنسية الإفريقية المقررة في مايو المقبل أنظار المراقبين لملف العلاقات السودانية الفرنسية. مبعث الإنتباه أن فرنسا جازفت بمستقبل علاقاتها مع مصر وفضلت إلغاء القمة التي كان مقرراً لها شرم الشيخ في فبراير المنصرم على أن يحضرها الرئيس البشير (وكان الرئيس مبارك مصراً على مشاركة البشير). واعتبر المراقبون الدعوة الموجهة من ساركوزي بغض النظر عن العبارات التي وردت في صيغة الدعوة تنم عن تطور إيجابي مفاجئ في علاقات البلدين. وقالت مصادر مطلعة فضلت حجب اسمها رداً على سؤال ل «الرأي العام» (ما الذي حدث في هذا لملف): أن اتصالات تجرى علناً وسراً بين البلدين وأن بعض مباعث القلق الفرنسي تبددت. ونبهت هذه المصادر الى أن الدعوة التي فجرت الأسئلة موجهة لحكومة السودان، وفرنسا وتدرك أن النظام السياسي رئاسي يتخذ فيه القرارات ذات الطابع السيادي رئيس الجمهورية، وبالتالي هو من يحدد مستوى التمثيل من عدمه. وأكدت المصادر أن الأشهر القليلة الماضية شهدت حواراً مكثفاً بين الخرطوم وباريس بعضه كان معلناً وبعضه الآخر محجوباً.. وبلغت الاتصالات ذروتها بالزيارة التي قام بها مستشار رئيس الجمهورية ، ومسؤول ملف دارفور الدكتور غازي صلاح الدين العتباني الى باريس حيث التقى بعدد من كبار المسؤولين وتلقى هناك تأكيدات بأن فرنسا لم تكن عاملاً سلبياً في تعقيد العلاقات بين الخرطوم وانجمينا، وأنها -أي باريس- حثت تشاد على السعي لتطبيع العلاقات مع السودان. وقالت المصادر إن السياسة الفرنسية تجاه السودان يتجاذبها مركزان مثلما الحال بالنسبة للولايات المتحدة، المركز الأول قصر الأليزيه والرئاسة والثاني الخارجية الفرنسية ودائماً يلتزم قصر الرئاسة بموجهات السياسة الأوربية العامة تجاه السودان واضعاً في اعتباره مصالح فرنسا القومية في السودان والمنطقة الإقليمية، فيما يسيطر على المركز الثاني «الخارجية» آيدولوجيون يتبنون الأجندة المتطرفة تجاه السودان والمتمثلة في قضايا حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي. ودللت المصادر على قولها بتبني القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان تصريحات وزير خارجية فرنسا المتكررة عن الأوضاع في دارفور. وطبقاً لمعلومات مؤكدة فقد حدثت نتيجة للحوار الدافئ تفاهمات مشتركة تبذل على أثرها فرنسا جهوداً إضافية مع تشاد لتحسين العلاقات بين البلدين مقابل اعتراف السودان بالمصالح الفرنسية في الإقليم والنفوذ التاريخي لها في المنطقة. الدعوة الراهنة التي تسلمها البشير من ساركوزي في ظل هذا الواقع الجديد في العلاقات طبقاً لهذه المصادر يمكن ربطها بالتحول الكبير في الموقف الأوربي عموماً وفي فرنسا على وجه الخصوص تجاه السودان الذي دائماً يربط التحسن في العلاقات بالتحول الديمقراطي وقيام الانتخابات ،وهي محطة تشهد البلاد فيها فصولها الأخيرة كأول ممارسة ديمقراطية من نوعها تقام في السودان قبل عشرين عاماً، ويمثل قيام الانتخابات وتحقيق التحول الديمقراطي أولوية قصوى لدى الاتحاد الأوربي عكس سياسة الولاياتالمتحدة القائمة على تحقيق السلام وتحسين حقوق الإنسان كمطلوبات لتحسين علاقاتها مع السودان. وهذه الدعوة التي تلقاها السودان للمشاركة في قمة فرنسا وإفريقيا باعتبار السودان أحد دول المنظومة الإفريقية هي حق من حقوقه طبقاً لمصادر دبلوماسية. ويحق للسودان المشاركة في القمة على أن تحدد الرئاسة مستوى التمثيل حسب الظروف التي يتطلبها التمثيل في التوقيت المضروب وهي ليست هذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها السودان في القمة، فقد سبق وأن شارك ولم ينقطع والتقديرات هي التي تحدد مستوى المشاركة خاصة وأنها تأتي مباشرة بعد ان تكون أكبر معوقات في تطبيع العلاقات مع أوروبا وحتى قيام الإنتخابات قد أزيلت، ولفتت المصادر الأنظار الى أن الاتحاد الأوروبي بعث حتى الآن بأكبر عدد من المراقبين لمراقبة الإنتخابات العامة في السودان اضافة الى تبرعه الكبير ب«95» مليون يورو في مؤتمر إعمار دارفور، وكل تلك الخطوات تعد مؤشرات إيجابية بأن أوروبا بدأت تتعاطى إيجاباً مع القضايا في السودان، بالطبع ينسحب ذلك على فرنسا إحدى الدول الفاعلة في المجموعة. وقلل المراقبون من قيمة ما حدث سابقاً في علاقات السودان وفرنسا، وقالوا: في كثير من الأحيان يستدعي الشد والجذب بين الدول استخدام لغة القوة الخشنة كما يستدعي استخدام القوة الدبلوماسية والثقافية الناعمة وعادة ما تتوج تلك المجهودات بإتفاقيات في حدها الأقصى وتفاهمات وتنازلات في حدها الأدنى لخدمة المصالح المشتركة، ومعروف أن لفرنسا مصالح تاريخية واستراتيجية في المنطقة، خاصة في دولة تشاد التي تؤثر وتتأثر بتطورات الأوضاع في دارفور التي تعد حالياً الملف الأهم لحكومة السودان. وانتقل هذا الملف الذي كان يؤرق فرنسا والاتحاد الأوروبي من خلال الإتفاقيات الإطارية التي وقعتها الحكومة السودانية خلال الاسبوعين الماضيين مع حركتي العدل والمساواة والتحرير والعدالة بقطر، وما سبقها وستتبعها الدور البارز الذي لعبته أنجمينا في هذا المضمار. ويؤكد المراقبون أن التحرك التشادي تسارع بعد تلقيه الضوء الأخضر من باريس التي باتت مطمئنة من جدية الحكومة السودانية لطي ملف دارفور والمفضي بالضرورة لتطبيع العلاقات مع أنجمينا. فتطبيع هذه العلاقات برأي المراقبين تخفف أعباء مالية وعسكرية ودبلوماسية باهظة التكلفة عن باريس. ولا يستبعد المراقبون أن تنتقل العلاقات بين السودان والاتحاد الأوروبي عموماً وفرنسا خصوصاً الى مربع جديد.. إذ سيشعر الإتحاد ان حواراته التي بدأها العام 1999م حول قضايا السلام وحقوق الإنسان والتحول الديمقراطي على وشك الوصول الى نهاياته المنطقية.