الكل في سباق لتدشين حملته الإنتخابية وطرح البرامج حيث لم يبق من الزمن سوى لحظات حاسمة تغلي فيها خيم المرشحين بالمواطنين الذين أصبح لدى كثيرين منهم خاصة ربات المنازل في أجندتهم شغل خارج نطاق المجاملات الإجتماعية وجلسات الجبنة أي «الدفار» كما يسمونها. فميدان «الحلة» الفسيح بات يأخذ تسمية الميدان الذي لا تغيب عنه الشمس فاليوم خيمة المؤتمر الوطني وغداً الحركة الشعبية.. وبعده مرشح مستقل وهكذا.. ولكل اسلوبه في الخطابة والضيافة فالاخيرة تشغل حيزاً كبيراً من إهتمام الحضور حيث لم يتركوا شاردة ولا واردة إلا واحصوها للمرشح فمن خلال تلك الضيافة يتبين لهم ان كان هو الشخص الذي يحقق رفاهية العيش أم انه مجرد شعارات ورقية لا تسمن فمن خلال تلك الترتيبات «الرأي العام» كانت داخل خيام المرشحين في الأحياء ومن مرشح لمرشح كان فرق الضيافة.. فهنالك من قدم لجمهوره مشروبات غازية مع طبق به حلوى وفاكهة فقد حرص كل من في الخيمة ان يأخذ حصته من الضيافة. وفي خيمة أخرى شكلت المشروبات البلدية لاحدى مرشحات الدوائر الجغرافية بالثورة أم درمان حضوراً لم يتقبل أغلبهم تلك الضيافة التي لم تصاحبها أي أنواع من الحلوى وغيرها بل علق أكثرهم بعبارات «نحن ناقصين كركدي». اما الغريب والجديد في كل ذلك هو ما قام به أحد المرشحين بتوزيع «عصير بيبو» مشروب الأطفال حيث إستطاع ان يحشد أكبر عدد من الصبية وبالتالي ذويهم بطريقة ذكية فكل طفل أخذ اهل بيته الى خيمة المرشح ومن باب الإستطلاع امتلأ المكان عن آخره. توزيع المرشحين لأشياء عينية كالتي نشاهدها في المسلسلات المصرية عندما يقوم المرشح بتوزيع مواد غذائية وغيرها خاصة في الدوائر ذات الشرائح الفقيرة ويكون هذا المسلك سابقاً لطرح المرشح لبرنامجه الإنتخابي فيأتيه المواطنون وفي بالهم تلك الصورة الذهنية بأنه رجل المرحلة الذي «يسد جوعهم» .. هذا الإتجاه يغيب تماماً عن الإنتخابات في السودان ولكنه لا ينفي إتجاه البعض في تحسين الضيافة حتى لو كانت من «جيوب» أتباع المرشح المؤيدين له في حملته الإنتخابية وذلك يختلف بإختلاف وضع المرشح فمرشح الرئاسة غير الولاية والولاية غير المجلس الوطني وهكذا. للأمر صورة أخرى في الأقاليم التي تتجه كثيراً لتقديم الذبائح ويبقى يوماً تاريخياً محفوراً في ذاكرة من شهدوه وقد لا يخلو من طرائف مثل ما يحكي عن إنتخابات العام 4991م عندما قام أحد مرشحي الدوائر الجغرافية «بذبح» ماعز لضيافة مسانديه في الحملة وكانت الأجواء من حوله مشحونة بشعارات منافسه في الدائرة وعند إعلان النتيجة وكشف سقوطه وفوز المرشح المستقل ابن المنطقة فما كان خصومه إلا وان اتخذوا من الضيافة السابقة شعاراً «لنكاته» بقولهم «العشوة تيس لكن معليش». طرق الضيافة تغيرت عن صينية الوجبات الى الأطباق السريعة وعلب المشروبات ولربما كان لعامل الزمن تأثيره على ذلك. ساعات قليلة تخلصنا عن ذلك المارثون بكل شعاراته وملفاته الساخنة وأنماط ضيافته المتباينة ما بين الحداثة والقدم. فبذات الخيم التي شهدت التعبئة فهي على موعد مع إحتفالات وان لم يكن كلها فنحن ننتظر ضيافة الفوز التي قد تأخذ شكلاً آخر.