أراقب هذه الأيام من على البعد ان الارادة الفاعلة قد نهضت واحاطت بأزمة الصمغ العربي، تلك الازمة التي تشققت عنها مماحكات طويلة. احاط الاهتمام جذور المسألة وهي غابات الهشاب المنتجة للصمغ العربي اي تلك التي تفرز لنا اشجارها ذلك اللؤلؤ الجميل الذي اسميناه صمغاً.. وهو الثروة التي كان انتاجها حكراً على السودان حتى اطلق عليها «الصمغ العربي»، وبهذا التعريف ذاعت شهرته واتسعت آفاق تداوله في انحاء هذا الكون الفسيح. وحكاية الصمغ منذ إطلاله من ساق شجرة الهشاب المصدوعة قصداً انما هي حكاية رائعة تستحق التأمل والشكر لله على بديع خلقه، هكذا نلحظ هذه الايام ان لؤلؤ الهشاب السوداني يستعيد مجده مجدداً بعد ان كادت تعصف به رياح التنافس والاهمال فضلاً عن التهريب. نعم تهريب الصمغ العربي الذي عرف بهذا الاسم في كل انحاء المعمورة.. انه هو انجاب شجرة «الهشاب.. تلك الشجرة الصبورة الحنون التي اذا «فصدت» بكت.. لكنها تبكي بأدمع «نقية» اللون حيناً أو ضاربة الى الصفرة حيناً آخر. ثم تجف تحت سياط اشعة الشمس التي عرفتها غابات عيال بخيت في الشمال الكردفاني- فاذا هذه الادمع التي تراكمت وتكورت تصبح بشكل «الزمرد» أو فى شكل «اللؤلؤ» انها هي «الصمغ العربي».. إذن ان مثل هذه الشجرة «البكاية» لابد ان يكون لديها عويل مكتوم فالاشجار كما نعرف كائنات حية ومثلما ما يخال لي مجرد تخيل فإنه اذا كان لها في حالة البكاء عويل مكتوم فانه لابد ان يكون لها في حالة السرور غناء صامت وربما اسمعته الطيور والبلابل ذات الدوح، ولهذا فإنك في منتصف الخريف. تلحظ ان اسراب الطيور الجميلة تتكاثر في سماء غابات الهشاب فانك تشهدها على الدوام محلقة مغردة.. أو صادحة، أو أنك تسمعها وهي «تقوقي» كما نقول بتعابيرنا الدارجة والناصعة المتلألئة كما تتلألأ «كعاكيل» الصمغ نفسها، فكتلة الصمغ التي نشهدها على جذع الهشاب نسميها نحن «الكعكول» وحين نصغر التسمية نجعلها «كعيكيل» ويطلق التعبير نفسه احياناً على الأفراد اي «كعيكيل» كأن يكون كناية عن صغر الحجم وصفرة في اللون ونظافة بادية.. وربما يطلق ذات التعبير - كعيكيل- رمزاً لليد المغلولة الى العنق الهشابي.. والهشاب يحتل اليوم مكانة كبيرة في البورصات وأسواق العملات ويؤثر تأثيراً شديد الفعالية الاقتصادية اذا أحيط بالرعاية والعناية العلمية مما لابد ان ينعكس خيراً مباشراً عميماً على أهلنا الحاصدين.. تحرك الإرادة الفاعلة الآن للإحاطة والرعاية بالهشاب تجعل وجوه أهلنا في هذا الخلاء المعلق مشرقة مضيئة بالأمل والفأل مثلما اعتادوا في زمان الرخاء عبر تلك المراعي الفسيحة التي اسميتها أنا مراعي السماء.. نعم هناك في الخلاء المعلق حيث تصبح نجوم النهار هي كعاكيل الصمغ التي تشبه اللؤلؤ تبرق نقاء وجمالاً، انها تلك الكعاكيل الصمغية البراقة ذات الشهرة العالمية منذ أزمان طويلة.. وذات أسعار دولارية مدهشة الارتفاع..