لا تحظى اية مجموعة بوزن او تأثير او قوة او فعل إلا اذا أقدمت بنفسها على تجسيد مواقف وصنع قرارات تعكس صلابتها وقدرتها ومبادرتها في الحفاظ على كبريائها ومبادئها بلا ضعف او تنازل او تشكيك، ولذلك يستوجب الالتفات الى قمة كمبالا الافريقية التي أكدت على رفضها لمذكرات التوقيف من جانب المحكمة الجنائية في حق الرئيس السوداني عمر البشير، واعتبر الاتحاد الافريقي ان قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس دولة ذات سيادة يضر بالتضامن الافريقي كما يضر بالسلام والامن في افريقيا واللذين حاربنا من أجلهما لسنوات، واتهم الاتحاد الافريقي المحكمة الجنائية باستهداف القارة الافريقية، وقررت قمة الاتحاد الافريقي مواجهة تداعيات الصومال ووجوب وضع حد للتردي المريع بزيادة عدد قوات حفظ السلام في الصومال، ومنها صلاحيات التصدي والهجوم لتطويق الانقلاب الأمني وتوفير الحماية والسلام والاستقرار لشعب الصومال، وكذلك اتخذ الاتحاد قراراً مهماً وخطيراً بانه يتعين على افريقيا ان تتحول أكثر فأكثر الى الصين كشريك للتنمية والتي اثبتت قدرتها في التعامل مع افريقيا بجدية وندية وحرص على تحقيق المصالح العليا المشتركة، مثل هذه القرارات من الاتحاد الافريقي تعيده الى واجهة الوضع الدولي المؤثر والذي يتطلب الاقدام والجرأة بلا وجل ولا خوف ولا تردد، ولقد كانت منظمة الوحدة الافريقية التي تأسست في مايو 1963م لا تتهيب المواقف او التردد خاصة فيما يتعلق بقضايا افريقيا فقد وقفت بشدة ضد الصلف والفصل العنصري واستطاعت كشفه واجتثاثه، ووقفت ضد تغيير الحدود التي ورثتها الدول الافريقية عن الاستعمار لأن أي تغيير او تبديل يمثل سابقة، ويفضي الى مشاكل وتعقيدات لا حدود لها ولذلك وقفت بشدة ضد انفصال كاتنقا عن الكونغو وعارضت انفصال بيافرا في نيجيريا وشكلت منظمة الوحدة الافريقية لجنة حكماء شارك فيها السودان لاقناع قائد الانقلاب الكولونيل أوجوكو للعودة الى داخل حدود الوطن الكبيرة نيجيريا ، وعندما رفض كل الحلول التي طرحت عليه وتمسك بالانفصال عن الوطن الام، فان منظمة الوحدة الافريقية وافقت على طلب الحكومة الاتحادية النيجيرية باستخدام القوة لاحباط الانفصال واعادة بيافرا بقيادة الجنرال قاوون الى نيجيريا ولعله يفيد التذكير بأن الحكومة النيجيرية طلبت من حكومة السودان برئاسة السيد محمد أحمد المحجوب عوناً عسكرياً، أسلحة وذخيرة ومعدات لدعم خطة الهجوم على قادة الانفصال، وان الحكومة السودانية وافقت بلا تردد ونقلت صفقة معدات عسكرية مع الحكومة البريطانية الى نيجيريا ، واستطاع الجيش النيجيري الاتحادي استرداد بيافرا الى حظيرة الوطن نيجيريا. وعندما انتشرت عمليات المرتزقة البيض في دول غرب افريقيا واثارت القلاقل وهددت بالاطاحة بأنظمة وحكومات افريقية فان منظمة الوحدة الأفريقية شكلت لجنة للحكماء برئاسة الزعيم اسماعيل الازهري رئيس مجلس السيادة وعضوية الامبراطور هيلا سلاسي حاكم اثيوبيا، والرئيس الكيني جومو كنياتا، والرئيس التنزاني نيريري ورئيس غينيا أحمد سيكتوري، وأفلحت لجنة الحكماء بجهود مكثفة وعلاقات قوية ومباشرة مع مراكز القرار في عواصم اوروبا بأن تجمع المرتزقة البيض في مطارات محددة ونقلتهم طائرات اوروبية واعادتهم الى بلدانهم واسدل الستار بعدها على وجود المرتزقة البيض في افريقيا، ولقد كانت آخر مهمة للرئيس اسماعيل الازهري رئيس لجنة الحكماء في 19 - 23 مايو 1969م قبوله دعوة رئيس الكونغو الجنرال موبوتو لزيارة كسنجاي لتكريمه على دوره العظيم في اجلاء المرتزقة البيض، وقد كنت برفقته لدى الاحتفاء به في استاد كسنجاي الكبير حيث حمل رؤساء(15) دولة افريقية الرئيس اسماعيل الازهري الجالس على مقعده في حاملة كبيرة وأمسك كل واحد منها بجانب وطافوا به الاستاد لتراه الحشود ويحيي الجماهير التي جاءت لترى الحكيم السوداني الذي أبعد المرتزقة البيض من افريقيا، وقد كان مشهداً يصعب نسيانه ويصعب تكراره والجماهير تحييه بكافة اللغات الفرنسية والانجليزية والمحلية وهو يلوح بيديه. الاتحاد الافريقي وقد أصبح الآن له مخالب وأنياب في عالم متغير يتعين عليه مواصلة اقدامه ومواقفه الجريئة لتكون له الكلمة والقرار والفعل المتقدم دون وصاية من أحد.