لم يخيب الرئيس الأمريكي باراك أوباما ظن المراقبين وهو يحوّل الاجتماع الدولي حول السودان على هامش اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة امس الى حلقة جديدة فى مسلسل الجهد الدولي المبذول لفصل الجنوب. خطاب الرئيس أوباما جاء محتشداً بالمغريات لدولة الجنوب المنتظرة، متناسياً لمستقبل شمال السودان بعد ان واصل تركيزه على دعم التنمية فى الجنوب ولم ينس التذكير بأن بلاده تواصل فى مساعيها لتحويل الجيش الشعبي الى جيش احترافي، كما انه تجاهل العقوبات المفروضة على السودان الذى لم يجد فيه سوى (الأسف) على بعض أعمال العنف فى دارفور، الرئيس الامريكي اجتهد فى الحرص على ضرورة دعم التنمية والصحة فى الجنوب، وواصل اطلاقه للتهديدات المبطنة للشمال بالحديث عن كرامة الإنسان السوداني وسعي بلاده لوقف انتهاكات حقوق الإنسان. الخطاب الأوبامي اجتهد فى ايصال رسائل استباقية تعزز من الدعوة لفصل الجنوب، وقد كان واضحاً من خلال مفردات ومقاصد الخطاب انه مصمم على مقاسات اجندة الانفصاليين داخل الحركة الشعبية، كما انه كشف حجم التنسيق الموجود بين حكومة الجنوب والادارة الامريكية وهو تعاون لم يعد خافياً على أحد. مضامين خطاب الفريق سلفاكير ميارديت انسجمت تماماً مع روح الاحتواء لمستقبل السودان من قبل الادارة الأمريكية، وقد بدا سلفاكير اقرب للانفصال وهو يشيع من داخل المنظمة الدولية أحلام الوحدة الجاذبة، ويقفز الى ما بعد عملية الاستفتاء بتحريض المجتمع الدولي على أن يكون واضحاً فيما يتعلق بتأجيل أو إقامة الاستفتاء فى موعده، سلفا ذهب الى اكثر من ذلك وهو يقدم ملامح حكومة دولة الجنوب ويتعهد للمجتمع الدولي بحكومة نزيهة وجيدة فى حال الانفصال تعمل على إرساء الديمقراطية والحريات، وهي التميمة التى ظلت تعلقها الحركة الشعبية على صدر خطاباتها فى الولاياتالمتحدة سعياً منها لإحراج الحكومة فى الشمال وتعزيزاً لقناعات أمريكية وغربية بأن الخرطوم هي الطرف الذى ينتهك دائماً حقوق الإنسان. سلفاكير لم ينس أن ينبه الى ان قضية ابيي هي المفتاح والزناد الذى سيؤجج الصراع بين الشمال والجنوب فى محاولة لإنتزاع قرارات ومواقف دولية حول ازمة المنطقة التى دخلت حيز الاهتمام الدولي من اوسع ابوابه. الحركة سعت الى استغلال المنبر للترويج لشواغل ظلت محل خلاف بينها والمؤتمر الوطني فطرقت كثيراً على زمن قيام الاستفتاء وقضية ابيي ودارفور. الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية قدم خطاباً شفافاً استصحب خلاله حزمة من الاجابات على استفسارات المجتمع الدولي بشأن جدية الحكومة فى تنظيم الاستفتاء، لكن تيار الاجتماع كان يمضي باتجاه ترتيب انفصال الجنوب. ولم ينس طه التذكير بأن سحب القوات المسلحة من جنوب السودان كان تعبيراً ودليلاً على حسن النية، مع الأخذ فى الاعتبار تطبيق مقررات اتفاقية السلام الشامل كافة. ولم يغادر طه المنصة قبل أن يؤكد حرص الحكومة على الوحدة، تلك المفردة التى عانت كثيراً من (الغربة) في هذا المجتمع الدولي، ولم ينس التأكيد على الالتزام بإنفاذ اتفاقية السلام. على كل أهمل الاجتماع دعوة رئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي القائلة بان الوقت المعلن غير كافٍ لإنجاز الاستفتاء، فبدا لسانه غريباً فى اجتماع يبدو انه مصمم لإخراج المشهد الاخير فى سباق انفصال الجنوب.. عموماً سعى الاجتماع الى تهيئة المجتمع الدولي للتعامل مع دولة الجنوبالجديدة بعد ان افترض الانفصال واقعاً، وحاول تحييد الاصدقاء فى المحيطين العربي والأفريقي إزاء قضية وحدة السودان وانتهى بكونه منبراً سوّقت فيه الحركة شواغلها وطمأنت الساعين للانفصال بجديتها فى السعي لهذه اللحظة الحاسمة على الرغم من نظافة سجل الشمال فيما يلي الالتزامات التى حملتها اتفاقية السلام وسعيه الدؤوب للحفاظ على السودان موحداً.