عرفت الرائد مامون عوض ابو زيد كانسان نبيل وكرجل مخابرات في القيادة العامة للقوات المسلحة في الوفد المرافق للرئيس إسماعيل الأزهري في آخر رحلة رسمية له إلى جمهورية الكونغو «زائير» من 19 إلى 23 مايو 1969م، واقمنا معا في غرفة واحدة في الفندق الذي استضاف الوفد المرافق للزعيم السوداني، وكان يتحدث في الادب والشعر وعند اصدقائه الفاتح التجاني وعوض مالك، وكنت انام مبكراً بينما يظل ساهراً مع قراءة الشعر، وأظن ان الحاقه بقائد القيادة الجنوبية اللواء أحمد الشريف الحبيب في وفد الرئيس للكونغو كانت عملية ذكية مدبرة قصد من ورائها صرف الانظار او التمويه فيما يتعلق باجتماعات لضباط احرار والتنظيم للقيام بانقلاب ضد الحكومة المنتخبة، وقد لحظ الرئيس اسماعيل الأزهري اثناء الزيارة الرسمية ان الرائد مامون عوض ابو زيد يتجنب الوقوف بجانبه في اللقاءات أو الاجتماعات الرسمية مع الجنرال موبوتو، وقد سأل الزعيم الأزهري سكرتيره وصديقه وزميله في الحزب الإتحادي الديمقراطي حسين الرفاعي، ماذا يدور في رأس ود أخونا عوض أبو زيد القطب الاتحادي ورئيس مجلس بلدية امدرمان فهو يتجنب الاقتراب مني او النظر نحوي. وبعد يومين من العودة للخرطوم أي صباح 25 مايو 1969م تلقيت أول هاتف منه، بعد اذاعة البيان رقم واحد سألني هل فوجئت بالانقلاب؟ وجاءت الإجابة: لا، فقد فقد لحظت عليه انه كان رغم هدوئه وأدبه قلقاً تماماً، كما انه كان يسارع إلى سؤالي كلما تلقيت مذكرة او صحفاً جاءت للرئيس الازهري الذي كان يوجه بتسليمها لي، وسألني كيف تسير الأمور؟ وقلت له انها عادية والاتصالات الهاتفية مستمرة، والناس يتابعون البيانات ولا شئ آخر، واتفقنا علي زيارته فجر اليوم التالي 26 مايو 1969م في القيادة العامة وترتيب لقاء وحوار مع رئيس مجلس قيادة مايو 1969م اللواء جعفر نميري لوكالة الانباء الفرنسية «A.F.P»وكان أول حديث تتناقله وكالات الأنباء والصحف العالمية، ولقد نقلت اجراء اللقاء الذي تم فجراً ونفى فيه اللواء جعفر نميري ان يكون لمصر او للرئيس جمال عبد الناصر دور في الانقلاب وهو انقلاب عسكري سوداني، ولكن توجه الانقلاب عربي ومع قضية فلسطين وتحرير الاراضي العربية المحتلة وتواصلت لقاءاتنا والاحاديث الهاتفية فقد كان الناطق باسم انقلاب مايو والسكرتير العام لمجلس الثورة، وقد كلف بعد ثورة الفاتح من سبتمبر 1969م، ومعه الاستاذ محجوب عثمان بالسفر إلى طرابلس لتقديم المشورة للضباط الشباب بقيادة معمر القذافي بعد الاستيلاء على الحكم في ليبيا، واسهم في صياغة البيانات وفي ترتيب الاوليات بعد الاستيلاء علي الحكم، وكانت له علاقات جيدة مع أعضاء مجلس ثورة ليبيا وبوجه خاص العقيد القذافي، وعين كأول مدير عام لجهاز الأمن القومي، وقد لاحظ عصر 19 يوليو 1971م جنود يطوقون مقر اللواء جعفر نميري وبنادقهم مصوبة نحو المقر وليس في الاتجاه الآخر، وعندما دخل المنزل تم اعتقاله مع اللواء جعفر نميري، وعندما احبط الانقلاب سارع باطلاق سراح شخصيات يعرفها جيداً منهم الشاعر الدبلوماسي سيد أحمد الحردلو الذي أحضر من لندن لأنه بحكم وظيفته في السفارة رتب للمؤتمر الصحفي للمقدم بابكر سوار الذهب والرائد فاروق حمد الله، لقد أفضى لى بمعلومات وفيرة. حول تلك الحقبة ونشرتها في جريدة الشرق الأوسط بمناسبة 25 سنة على انقلاب مايو 1969م، لقد كان انساناً ودوداً ومؤدباً ومحباً لأهله ولوطنه، تغمده الله بواسع رحمته وغفرانه. «انا لله وإنا إليه راجعون».