- 1- أما الحركة الشعبية التي دخلت القصر والحكومة من أوسع أبوابها بعد « اتفاق نيفاشا « الذي أعاد التوازن لتوزيع الثروة والسلطة وأوقف الحرب ، كأعظم خلاصة لسنوات طويلة من الاقتتال ، شعر الجميع ان البندقية أسوأ الحلول ونتيجتها الدمار والخراب . القادمون الجدد أتوا من الغابة مكدسين بالهواجس والريبة والشكوك، ليتواجهوا مباشرة بالمشاكل وقضايا الجماهير ودولاب العمل العام والموازنة والورق والروتين وغيرها من نظم تقليدية أو حديثة ، فاصطدموا بالحكومة التي هم أهلها ، فأنكروها حينا ،و خاصموها أحيانا أخرى ، التجربة الأولى للحركة الشعبية أفرزت تمردا وفشل العديد من رموزها في تجربة سنة أولى حكم ، سواء الحديث عن الفساد، وعدم التنمية رغم الأموال الطائلة والاعتصام بدكتاتورية الحركة الشعبية في العمل السياسي بالجنوب عن سواها . هذه البدايات التي أضاعت الكثير من حملة الوعد والأمل لبرنامج السودان الجديد ، الذي يتسم بالحرية والعدالة والمساواة على مستوى التنظير مما جعل البرنامج شعارات فحسب انهارت مع الممارسة السياسية للحركة في جنوب السودان ... غير ان هذه الشعارات الحميمة الشفافة تواجه بشكل مباشر مسألة الانفصال التي صارت نغمة أعلى من الوحدة الجاذبة ، التي تمثل أهم مرتكزات فكر جون قرنق . البعض يعلق ان أولاد قرنق هم أكثر شراسة في رفع وتيرة صوت الانفصال ، كلما حاولوا الضغط على المؤتمر مما أنتج جماعة في الشمال تبحث في جدوى الارتباط بجنوب السودان ، الذي صرفت عليه موازنة الدولة منذ الاستقلال والى الآن أموالاً طائلة لا تحققها الثروة المكتسبة في جنوب السودان . هذا كله نتاج سلبي لمماحكات بين الشريكين . - 2 - الاستحقاق القادم في اتفاق « نيفاشا» هو الانتخابات، مما يجعل المراقبين يطرحون تساؤلا شرعيا هل الحركة جاهزة للانتخابات؟؟ وما هي الخطوط العامة لحملتها الانتخابية ؟؟ وهل تكون الحركة وحدوية ام انفصالية ترمي باللائمة كلها على الشمال الظالم الذي لم يمهد الميدان جيدا؟؟ هل وهل؟؟ أسئلة عديدة تتبادر للأذهان ... فالحركة الشعبية لم تنتقل بعد لحزب سياسي ، حيث تحتاج الى انقلاب كامل يؤهلها للعمل كحركة سياسية لها قاعدة جماهيرية في كل السودان علما بأن قيادتها ما زالت تعتصم في الجنوب كملاذ وملجأ أولا وأخيرا . ووفقا لبعض التصريحات من قياداتها الشمالية الذين قد تعصف بهم رياح تقرير المصير ، إذا لم يكن خطاب الحركة واضحا وحاسما تجاه مسألة الوحدة والانفصال الذي يقع في اختصاص شعب جنوب السودان كما يقول قادة الحركة الشعبية وكأن لا دور للقادة لوضع تفاصيل خريطة السودان الجديدة ألم تقاتل الحركة الشعبية سنوات وسنوات لأجلهم ؟ وألم تتذوق حلاوة الحكم او مرارته باسمهم؟؟.. إذا كان الأمر كذلك ألا تستطيع الحركة ان تعين الجماهير المغلوبة على أمرها في خياراتها التاريخية وتقودهم بفعل ثوري ووطني للمآلات الإستراتيجية للوطن؟؟ على تصريحات زعماء الحركة الشعبية هنا وهناك ان النصر آت لا محالة في الانتخابات المقبلة فهل تنزل الحركة الشعبية الحلبة لوحدها ام متحالفة؟؟ منطق الأشياء يوضح بجلاء بأن الحركة انكفأت على الجنوب ، وزهدت في الشمال الذي لم يبق فيه من فعل إلاَّ تصريحات ياسر عرمان النارية على طريقة أركان النقاش التي تطلق الحديث على عواهنه ، فلا منطق ولا ضابط، سوى الجدل الذي يفضى الى جدل جديد. سيناريو ثانٍ ان تتحالف الحركة مع حلفائها التقليديين « اليساريين « وحركات التمرد هنا وهناك ولا اعتقد ان الاتحاديين وحزب الأمة سيكونا متحالفين مع الحركة الشعبية بعد ان خطا حزب الأمة خطوات واثقة مع المؤتمر الوطني ... ناهيك من تفاهمات القاهرة مع الاتحاديين . سيناريو آخر يحرك الوجدان الانتخابي للمواطن السوداني ، هو الطرق على « التهميش « «و الحريات» ومهاجمة الدولة بالمتاجرة بالدين وغيرها من الشعارات اليسارية الطلابية التي لا ترقى إلى مستوى رجال الدولة والتي تكرس إحساسا وهميا للحركة الشعبية بأن صناديق الانتخابات في جيوبهم ونهاية هذا السيناريو فوضى شاملة عقب نهاية الانتخابات تذكرنا بما حدث في كينيا ذاك الحلم الناهض في أفئدة الكثير من القادة في الحركة الشعبية الذين حاولوا تغيير القبلة شرقا.. ولكن لله أقدارا أخرى. هذا السيناريو وغيره هو اقرب للحدوث للحالة السياسية المفككة والريبة الشاملة بين الأحزاب السياسية ، حيث الاتفاق على قواعد كلية تحكم الوطن وتكون بمثابة شرف سياسي لا تتجاوزه المعارضة وتحرص عليه الحكومة بشكل عنيد هو أفضل عاصم بعد الوحدة الوطنية الكبرى. - 3 - سيناريو آخر بعيد المدى ويحتاج الى نظر أعمق وتجاوز للحالة الثورية التي فارقت الحركة الشعبية بانضمامها للفعل الدستوري للدولة بأن تتحالف مع المؤتمر الوطني وتمد شراكتها الإستراتيجية الى ما بعد الانتخابات حتى يخرج السودان من نفق تقرير المصير سالما يحقق وحدته الوطنية والجغرافية مع ان هذا الاحتمال بعيد جدا ولكنه وارد بنظر الراحل جون قرنق حيث الفكر الاستراتيجي يصرع الآني والمتحول والتكنيكي لان مصالح الحركة الشعبية في تحقيق مشروعها السودان الجديد يتحقق بإنفاذ اتفاقية « نيفاشا « وهذا لا يتأتى الا بشراكة اكثر وثوقا من ذي قبل مع المؤتمر الوطني ، لان جميع الحركات السياسية تنظر بعدم الرضا قليلا او كثيرا لاتفاقية نيفاشا حيث يعتبره البعض اتفاقاً بين اثنين لا ثالث لهما.. والآخر يقدرها بأنها قد اخذت من الشمال كثيرا لصالح الجنوب ، والبعض ينظر اليها بانها قد شرّعت الانفصال ... الطرفان وحدهما هما اللذان يدركان مآلات الاتفاقية ومقاصدها الكلية ... ليس لعدم فهم الجميع للاتفاقية لانها مكتوبة باللغتين العربية والانجليزية على حد سواء ... الا ان روحها تحتاج لعمق فهم وتقدير حتى ترسو السفينة على بر الامان . كما ذكرنا ان هذا السيناريو بعيد المنال ومشهده « اكشن « يحتاج الى جراحات داخل الحركة الشعبية . الاقرب الى الاذهان ما تقوم به الحركة الشعبية في اول تدشينها للحملة الانتخابية في القضارف حيث انهالت الحركة على شريكها باتهامات خطيرة لا تتسق مع تفاهمات الشراكة الذكية!!!