جريدة النور بعد أن تخطت أسعار النفط العالمية المئة دولار للبرميل، اشتدت المنافسة على النفط بين الولاياتالمتحدة والصين، اللتين تحتلان المركزين الأول والثاني على التوالي في استهلاك الطاقة على المستوى العالمي. وبعد أن اقتصرت ساحات المنافسة بين واشنطنوبكين على الشرق الأوسط وآسيا الوسطى إضافة ً إلى أمريكا اللاتينية، ظهرت إفريقيا مؤخراً واحدة من المناطق الأكثر جاذبية لكلا الدولتين، بما لديها من مصادر نفطية ضخمة؛ إذ تمتلك القارة نحو 11% من الاحتياطيات العالمية. وقد جاء قرار تشكيل قيادة عسكرية أمريكية جديدة لإفريقيا في منتصف عام 2006 نتاجاً لمجموعة من الدوافع المرتبطة بأوليات السياسة الأمريكية إزاء إفريقيا؛ يأتي في مقدمتها: تأمين النفط. وقد تجلت أهمية النفط الإفريقي للولايات المتحدة في الارتفاع المتزايد لنسبة وارداتها الهيدروكربونية (النفط والغاز الطبيعي) من غرب إفريقيا من إجمالي وارداتها. فقد كانت هذه النسبة تقدر ب 15% منذ 5 سنوات، ثم أصبحت الآن 20%. ويتوقع أن تتراوح ما بين 25 و30% بحلول عام 2015. لذلك فقد وضعت الولاياتالمتحدة استراتيجية تهدف إلى التحكم بمناطق النفط الإفريقية، عبر صفقات وعقود نفطية. وقد كشفت هيئة الإذاعة البريطانية (البي بي سي) في تعليقها على خبر إنشاء القيادة العسكرية الأمريكية هناك: (أن إفريقيا توفر 10% من النفط الذي تستورده الولاياتالمتحدة، كما أن واشنطن قلقة من المنافسة الاقتصادية والدبلوماسية للصين). وفي المقابل، نرى الاهتمام الصيني المتزايد بمصادر إفريقيا النفطية، عبر أكثر من زيارة قام بها الرئيس الصيني بنفسه إلى دول إفريقية منتجة للنفط، وعبر قيام الصين في سنة 1997بانشاء (منتدى التعاون الصيني - الإفريقي) الذي يجمع بين الصين ومجموعة ال77(دول عدم الانحياز)، وبالتالي تقليل حجم الاعتماد على النفط الخليجي، الذي يشكل نسبة 61.1% من وارداتها النفطية. خاصة أن المحللين الاقتصاديين الصينيين يرون أن وقف تدفق النفط من الشرق الأوسط إلى الصين ستكون له آثار مدمرة على الاقتصاد الصيني. ولذلك فإن الصين تقوم بتعزيز تعاونها مع دول القارة السمراء بما يضمن تأمين احتياجاتها النفطية المتزايدة، إذ شكلت وارداتها النفطية من إفريقيا نحو 25% من مجمل ما تستهلكه. وقد دفعت شركة النفط الصينية العملاقة (سي. إن. أو. أو. سي) المملوكة للدولة مبلغ 2.7 مليار دولار في شهر نيسان الماضي للحصول على حصة نسبتها 45 في المئة في حقل نفطي رئيسي في نيجيريا. كما تمكنت الشركة من شراء 40 % من أسهم شركة النيل الكبرى النفطية في السودان، التي تضخ 300 ألف برميل يومياً. كذلك قامت شركة (سينوبك) الصينية بإنشاء خط أنابيب بطول 1500 كيلومتر لنقل الإنتاج النفطي إلى ميناء بورسودان على البحر الأحمر، ومنه إلى ناقلات النفط المتجهة إلى الصين. كما أنشأت محطة لتكرير النفط قرب العاصمة الخرطوم، وهي أيضاً تسيطر على معظم حقول النفط في جنوب دارفور. وكان الرئيس الصيني قد عقد اتفاقية مع نيجيريا لاستخراج النفط من أربع مناطق. وتقول وكالة (شينخوا) للأنباء: (إن الجانب النيجيري قدم لمجموعة النفط الصينية تراخيص الاستخراج في 4 مناطق لحقول النفط في دلتا نهر نيجر الغني بالنفط. ومؤخراً دأب العديد من وسائل الإعلام الأمريكية والأوربية، على وصف الصين بأنها (مستعمر جديد) يحاول استعمار الدول الإفريقية، بسبب العقود الأخيرة التي وقعتها الصين مع بعض الدول الإفريقية. كما تتهم واشنطنبكين بإبقاء قيمة (ليوان) متدنية ما يؤدي إلى دعم المنتجات الصينية في الخارج بشكل غير شرعي. وتتهمها أيضاً بخرق حقوق الملكية الفكرية. وفيما ترفض بكين تلك الاتهامات، تبدو أنها ماضية في تحقيق أهداف بعيدة، تصفق لها دول عديدة في العالم كحلم للخلاص من الهيمنة الأمريكية. إلا أن الولاياتالمتحدة تنظر بعين أخرى إلى هذه القوة الجديدة، وتحسب لها حسابات عديدة، وسط توقعات شبه مؤكدة أن واشنطن لابد أن تتخذ خطوات ضد هذا المارد الأصفر. ومرد ذلك قلق كبير أخذ يقض مضجع واشنطن بسبب التسهيلات التي تقدمها الصين لإفريقيا في مجال المساعدات، والتي لا يتم ربطها مطلقاً بأية شروط؛ إذ ترفض الصين ربط علاقاتها الاقتصادية مع القارة سواء بسجلات حقوق الإنسان أو الديمقراطية على نحو ما عادة ً تتستر به الولاياتالمتحدة لإخفاء أطماعها الإمبريالية. وقد أصبحت هذه السياسة الصينية سياسة رسمية بعد أن أعلن رئيس الوزراء الصيني أثناء القمة الصينية- الإفريقية الأخيرة أن (المساعدات الصينية لإفريقيا هي مساعدات مخلصة، غير أنانية وغير مشروطة). وجدير بالذكر أن الاستثمارات الصينية في إفريقيا تترافق مع قروض ومساعدات سخية؛ فقد ألغت الصين ديوناً إفريقية بمبلغ 1،4 مليار دولار، وأعلنت عن نيتها بإلغاء 1،3 مليار دولار هذا العام. يشير تقرير صادر عن (لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية الأمريكية- الصينية)، التابعة للكونغرس الأمريكي إلى أنه في ضوء العلاقة الإيجابية بين النمو المتسارع للنفوذ الدبلوماسي للصين من ناحية، وتزايد معدلات النمو الاقتصادي الصيني من ناحية أخرى، يجب أن تشكك الولاياتالمتحدة في مصداقية إعلان الصين التزامها بمسؤوليتها الجيوسياسية. وأنه في ضوء تصاعد النفوذ الصيني في عدد من الدول الإفريقية، فإن دعم الصين (للدول المارقة)، واحتمال تحولها إلى قوة موازية للولايات المتحدة في النظام الدولي، هي قضايا يجب أن تكون موضع اهتمام الولاياتالمتحدة وقلقها. ومن ناحية أخرى، عقد (معهد أمريكان إنتربرايز)؛ وهو أحد المراكز البحثية المحافظة في واشنطن، مؤتمراً حول العلاقات الصينية- الإفريقية. وقد أشار (والتر كانستينر) من جماعة (Scowcroft Group) إحدى الشركات الدولية الاستشارية في مجال الأعمال، متحدثاً عن المنهج الصيني في السوق الإفريقية، إلى (أنهم يريدون أي الصينيون الفوز بالمركز الأول في إفريقيا، إنهم يريدون الحصول على الصفقة الكبرى). عادل بدر سليمان