أقدمت الحركة الشعبية على خطوة اعتبرها المراقبون الأسوأ في التاريخ السياسي وتتسم بعدم تحمل الحركة الشعبية للمسؤولية الوطنية إذ أنها لا تزال شريك في الحكم وتعمل على دعم المتمردين ومن قبلهم المعارضة عندما أقدمت على تحالف أحزاب جوبا، لكن هذه المرة فإنها كما يشير المراقبون أجحفت في حق نفسها قبل الشعب السوداني عندما قامت بإيواء المتمردين في دارفور بالجنوب ، الأمر الذي جعل شريكها المؤتمر الوطني يحملها مسؤولية ما يترتب على دعمها المستمر للحركات المسلحة وذلك في الوقت الذي اتجهت فيه الحركة لقيادة عمليات تجنيد قسري لأبناء دارفور الموجودين بالجنوب لصالح حركة العدل والمساواة. ولإلقاء المزيد من الضوء على هذا الأمر أجرى المركز السوداني للخدمات الصحفية استطلاعاً مع عدد من السياسيين والخبراء المختصين لمعرفة الأبعاد السياسية والقانونية لهذا التصرف من قبل الحركة وخرجنا بالحصيلة التالية.... على الحركة إخراج الحركات الدارفورية من الجنوب.. في البدء تحدث إلينا د. مندور المهدي القيادي بالمؤتمر الوطني موضحا أن استقبال الحركة الشعبية لقيادات تمرد دارفور بجوبا يعتبر بمثابة إعلان للحرب من جانب الحركة، وطالبها بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة تستوجب إخراج الحركات المسلحة الدارفورية من الجنوب فوراً وإيقاف كافة مظاهر الدعم اللوجستي والسياسي الذي تقدمه لهم. وأضاف بالقول: إذا لم تستجب الحركة لهذه المطالب عليها تحمل مسؤولية ما يترتب على ذلك، وأكد أن حوالي 57 جريحاً من منسوبي العدل والمساواة وصلوا للجنوب بجانب 24 من المرافقين للجرحى مشيراً إلى أن هناك ظهورا كثيفا للسيارات المسلحة التابعة للعدل والمساواة في منطقة بحر الغزال وأسواق مدينة أويل وما حولها، وآخر ما قامت به الحركة هو إجبارها أبناء دارفور الموجودين بالجنوب للتجنيد والانخراط في صفوف العدل والمساواة وإقامة معسكرات تدريب لهم داخل الجنوب، وكشف مندور عن تسلم القائد العام لقوات العدل والمساواة سليمان صندل وبرفقته القائد حقار الصافي مؤخراً لأسلحة وذخائر بمنطقة جبال خنافس من الجيش الشعبي الذي التزم بعقد دورات تدريبية متقدمة لقوات العدل والمساواة تحت إشراف ضباطه. الحركة تسعى لنسف عملية السلام في دارفور أما تحالف حركات دارفور الموقعة فقد انتقد هذه الخطوة من الحركة الشعبية مطالبا بضرورة إيقافها وأن لا تمر مرور الكرام حيث ذكر الناطق الرسمي باسم التحالف محمد عبد الله ود أبوك قائلاً: أعتقد أن هذه خطوة مؤسفة يجب أن لا تمر كما مرت قضايا كثيرة من قبل سيما أن الحركة الشعبية تسعى بتحالفها مع مني وغيره إلى نسف السلام الموقع في دارفور ومن المعلوم أن الحركة ظلت ضد عملية السلام وتستعمل قضية دارفور ككرت للضغط على الحكومة لتحقيق مكاسبها وهذه المكاسب ليست لها علاقة بدارفور وظل هذا موقفها منذ توقيع السلام الذي أخرج أبوجا مما يعني أن هذا مبدأ من مبادئ الحركة الشعبية، فهي ظلت غير متحمسة لسلام دارفور وأرادت أن تظل هذه القضية إلى أن يعرف مصير الجنوب بعد الاستفتاء وفي رأيي أن هذا مخطط مدروس بدقة يهدف إلى أن تكون هناك جبهة ساخنة بعد الانفصال تعمل على خنق الحكومة الشمالية وتقطع عنها رئة التنفس لكن على الحركة الشعبية أن تعي أن هذا ليس من مصلحتها سيما وأنها بعد الانفصال تحتاج إلى دولة مستقرة لذلك إذا بدأت تدعم معارضة الشمال فإن ذلك يجعلها دولة غير مستقرة وفاشلة لذلك فإني استغرب لماذا تسعى الحركة لحدوث توترات، فنحن في التحالف لم نتوهم يوماً أن الحركة الشعبية ستتعامل مع الحركات لتحقيق السلام والتفاوض لكن المؤتمر الوطني كان يأمل في الحركة أن تسعى إلى السلام وعليه أن يتحمل مسؤولية خطأ قراءته في هذا، وأضاف ود أبوك بأن هذه الخطوة من ناحية سياسية وقانونية مناقضة لما جاءت به اتفاقية السلام لأن الجنوب مازال إقليم من أقاليم السودان يتمتع بمستوى من مستويات الحكم وبالتالي فالحركة مازالت شريك في الحكم لذلك لا يمكن أن تتحرك تحرك مناقض للنظام السياسي والإطار القانوني الذي يحكم الدولة الواحدة واختتم حديثه قائلاً: أتمنى أن لا يسمح للحركة الشعبية بمرور هذه الخطوة مرور الكرام. انه مخطط غربي قديم أما المحلل السياسي د. محمد عثمان أبو ساق فقد كان رأيه أن هذا المخطط غربي قديم إذ انه ومنذ البداية عمل الوسطاء على أن تتم اتفاقية السلام الشامل بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لذلك فإن المشكلة قديمة لأنهم ركزوا على الطرفين المتحاربين وأهملوا الأحزاب مما جعل المسألة وقف للحرب فقط ولم يعالجوا المشكلة السودانية ، وترتب على ذلك أن الأحزاب الصغيرة انضمت تحت لواء المؤتمر الوطني وانضمت المعارضة إلى الحركة الشعبية وأصبح الوضع ما بين موالين للحكومة والمعارضين لها فالحركة تحالفت مع المعارضة رغم أنها شريك في الحكم وهذا جعل المناورات مستمرة وهذه لا يوجد لها حل سوى أن يعرف الناس قيمة المشاركة ولابد من إيجاد مخرج فالحركة الشعبية في المنظور العام أصبحت تمثل الجنوب والمؤتمر الوطني يمثل الشمال وعدم وجود الأحزاب خلق خلل لذلك لابد من تراضٍ ، لكن الإشكال أن لكل أجندته ويريد أن يحول السودان حسب نظرته فبعد الانفصال يوجد اجتهاد لتحويل السودان إلى شكل مختلف فمن المفترض أن تحل التعقيدات الجذرية. وقد اتفق المحلل السياسي محمد نوري الأمين مع د. أبو ساق مبيناً إن خطوة الحركة أمر مؤسف، لأنها تجئ في اللحظة التي يهتم فيها كل السودان جنوبه وشماله بما يمثل قضايا هامة أهمها قضية ترسيم الحدود وأبيي وجنوب كردفان وفي تقديري أن هذه الخطوة ما هي إلا خطوة من المخطط العالمي إذ أن هناك نية حقيقية في تقسيم السودان لأن مشكلة دارفور يمكن أن تحل وأن أبناء دارفور في تقديري أقصى ما يمكن أن يطالبوا به أن يتفاوض المؤتمر الوطني والأحزاب السياسية لكن لجوؤهم إلى الجنوب يعني أنهم يأملون في أن يساعدهم الجنوب بعد الانفصال لكن من المفترض عليهم أن يدركوا أن الحركة سوف تستغلهم للضغط على الحكومة في القضايا التي لم يتم حسمها مثل الحدود وأبيي وجنوب كردفان وسوف تستخدمهم كرهائن حتى تحقق لها الحكومة مطالبها ولم يستبعد نوري أن تدعم الحركة متمردي دارفور بالأسلحة التي تأتي من إسرائيل والدول الغربية المتطرفة والمنظمات الطوعية المعادية، وأضاف بأن غياب الأحزاب الكبيرة جزء من هذه المشكلة لأن الغرب انفرد بالمؤتمر الوطني والحركة الشعبية لأن الوطني كان يريد أن يصل إلى سلام بأي طريقة وقد استفاد الغرب من هذه المسألة وفق أجندته الخاصة.