يعتبر الصراع على السلطة أحد محركات التاريخ البشرى ، حيث شهد التاريخ الإنساني العديد من تجارب الصراع السلطة ، والتى ساهمت في صنع مخرجات التاريخ والتاريخ السياسي للأمم البشرية على وجه الخصوص. ونظراً لأهمية موضوع السلطة والصراعات التى تحتدم حولها ، خصص لها الباحث د.معتصم عبدالقادر الحسن كتابه الذى حمل عنوان (إنتقال السلطة والإستقرار السياسي في السودان) ، والذى صدر في طبعته الأولى (العام 2013م) ، ٍعن دار المصورات للنشر بالخرطوم، ويأتى الكتاب ليسد فراغا تعانى منه المكتبة السودانية فى مجالات دراسة النظم السياسية وخاصة إنتقال السلطة . منظور مقارن وحمل الفصل الأول من الكتاب عنوان (علاقة إنتقال السلطة بالإستقرار السياسي) ، وتناول فيه المؤلف تجارب إنتقال السلطة في النظم الليبرالية والإشتراكية من منظور مقارن مع إنتقال السلطة في النظام الإسلامي ، وبعدد التعريف بالنظم الليبرالية والخصائص الأساسية لتلك النظم وأسس البناء السياسي فيها ، تطرق الباحث إلى الخصائص المميزة لإنتقال السلطة (وسماها المؤلف لاحقاً فى متن الكتاب ب"الخلافة"!) في النظم الليبرالية ، حيث تُصف التجارب والنظم الليبرالية ، إلى رئاسية وبرلمانية ، وتحكمها قواعد محددة في مسألة تداول السلطة والتعاقب عليها ، كالنص على المدة التي يقتضيها الحاكم المنتخب فى السلطة (أربع وثمان سنوات) في حالة النظام الرئاسي ، أو التعاقب دون مدة محددة ، كما هو الحال في النظم البرلمانية!. ويستنتج الباحث أن أهم ما يميز النظامين (الرئاسي والبرلماني) في مسألة التداول وإنتقال السلطة ، هو تجنب إستخدام العنف في التنافس ، وأن الجماهير هى إداة التنافس على السلطة ، وذلك في إطار التجربة الغربية التي نشأ في أحضانها النظام السياسي الحديث، كما تطرق الكتاب إلى تجربة اليابان، بإعتبارها بلداً شرقياً ، يتبع الأسلوب الغربي في النظام السياسي ، وأيضاً تجربة تركيا المشابهة للتجربة اليابانية،فى ذات السياق. وأما النظم الإشتراكية والتي يُعرّفها مؤلف الكتاب بأنها تلك الدول (التي تتسم بسيطرة حزب واحد آيديوجيه مهيمنة وإقتصاد ومخطط)، ويصل إلى نتيجة مؤادها أن تلك النظم لم يحسم فيها مسألة إنتقال السلطة ، رغم بعض الملامح الشكلية للجمهوريات الدستورية التي عرفتها. وقدم الكتاب سرداً للتطور الفكر الإشتراكي ، و أرجع مكان ظهوره الى ألمانيا ، وكذلك وفئات الإشتراكيين ورؤيتهم لموضوع السلطة ، كما تناول الكتاب ، في فصله الأول ، أيضاً (إنتقال السلطة في دول العالم الثالث)، حيث تسود النظم الملكية ، أوالعسكرية ، أو نظام الحزب الواحد..وأخيراً النظم الديمقراطية بحسب الباحث ،وذهب الى أن من خصائص (الخلافة) في دول العالم الثالث :غياب الديمقراطية ، وإنعدام التنافس الحر المنظم ، والقواعد العامة المقبولة ، ثم عرّج الباحث على مسألة إنتقال السلطة في الدول الإفريقية ، والتي فشلت فيها الديمقراطية الليبرالية ، التى تحتاج إلى مجتمعات متجانسة ، وذلك أثناء حقبة الإستعمار المباشر، أو فى دول ما بعد الإستعمار ، كما تطرق أيضاً إلى أسباب الصراعات والحروب في القارة الإفريقية. النظام الإسلامى كما تناول د.معتصم عبدالقادر في كتابه إنتقال السلطة في النظام الإسلامي ، والذى يقول انه يقوم على العدالة والمساواة والشور ومسئولية الحاكم ، وأما أسس بناء النظام الإسلامى فهى: الخلافة والأمامة والأمة وأهل الحل والعقد والبيعة والفصل بين السلطات.. ثم أسهب الباحث في السجالات بين المدارس والفقهاء المسلمين حول "الخلافة السياسية".. وهنا أسهب الباحث فى إيراد المفاهيم الإسلامية على المستوى النظرى، وكان الأحرى به ، ما دام قد أورد فى مكان آخر من الكتاب الممالك والسلطنات الإسلامية، المقارنة بين الظريات والمثاليات الإسلامية فى إنتقال السلطة واللمارسات العلمية لتلك التجارب الإسلامية السودانية. تجارب التاريخ وأما في الفصل الثاني من الكتاب فكان بعنوان (إنتقال السلطة في السودان) ، و تناول فيه الباحث تجارب إنتقال السلطة في مختلف العصور القديمة، والوسيطة، والحديثة .. ثم ما بعد الإستقلال ، ولم تكن هناك حاجة علمية للإسترسال فى سرد الحقب التاريخة ، والممالك التى عرف تاريخ السودان ،أوحتى الحقب الحديثة (المهدية والعهد التركى-المصرى، ومابعد الإستقلال)، وكان على الباحث الإكتفاء بخلاصات وإستنتاجات عامة من تلك الحقب التاريخية ، كما أنه تناول المماسات الإدارية للسلطات فى تلك الحقب أكثر من التركيز على مسألة إنتقال السلطة التى هى مناط البحث .. وفى نهاية الفصل يذهب الباحث الى وجود نهر النيل ، وشبكة المواصلات والطرق التجارية بين السودان والخارج ، عوامل تكون قد ساعدت على تطور أشكال الدولة في السودان على مر الحقب التاريخية. خبرة السودان تناول الكتاب في الفصل الثالث العلاقة بين (إنتقال السلطة والنظام السياسي في السودان) ومهد الباحث للموضوع بدراسات نظرية لعدد من علماء السياسة الذين تناولها مسألة إنتقال السلطة عن طريق الدراسات الكمية بالتطبيق على حالة السودان، حيث ناقش إرتباط إنتقال السلطة بعوامل من قبيل الميراث الإستعماري والعوامل الخارجية والمصالح الطبقية والتجزئة العرقية .. ويصل إلى إستنتاج مؤداه أن الدساتير والممارسة العملية في السودان في مختلف الحقب لم تعطى تحديداً قاطعاً لمسألة ، وكيفية تداول السلطة .. وتستوى في ذلك النظم العسكرية أو الديمقراطية التي عرفتها البلاد. معوقات الإستقرار السياسى وفى الفصل الرابع من كتابه تناول المؤلف معوقات الإستقرار السياسي في السودان ، وتطرق الى ما أسماه ب"أزمة الهوية" ، وأزمات المشاركة ، والإحزاب، إلى جانب أزمة التخلف الإقتصادي. وأما مقومات الإستقرار السياسي ، يرى الباحث أنها تتمثل في التنمية الاجتماعية ، والبناء الاجتماعي والتماسك الاجتماعي، وأما مقومات التنمية السياسية فهي المشاركة ، والتعددية ، والتداول السلمي للسلطة ، وحماية واحترام حقوق الإنسان ، ومبدأ الفصل بين السلطات. الإصلاح السياسي وتتعدد الأسباب والعوامل التي تفسر الإصلاح السياسي ، بحسب الكاتب ، إلا أنها تركز على المقومات الداخلية التي تشجع على الإصلاح السياسي منها:تآكل سيطرة النظم السلطوية ، ونمط الثقافة السائد ، ودرجة النمو الاقتصاد. أما المقومات الخارجية للإصلاح السياسي فتتمثل فى : مدى اهتمام الدول الكبرى والمنظمات الدولية بالديمقراطية ، وقوة المجتمع المدني ، والعلاقة بين القوى المدنية والقوى العسكرية. وينتهي الكاتب إلى خلاصات حول موضوع الانتقال السياسي الذي ناقشه على مدار فصول الكتاب ، فهو يرى أن الانتقال السياسي لن يتم بشكل سلس إلا عبر إصلاح بنية الدولة ، ونظم الحكم ، وإصلاح المؤسسات السياسية ، ووجود نخبة وطنية تتبنى منهج الإصلاح ، وبناء مجتمع مدني قوي ومستقل. ملاحظات منهجية على الرغم من أهمية الموضوع الذي يتناوله الكتاب في مجال العلوم والدراسات السياسية ، إلا الكتاب أحتوى على عدة عيوب منهجية منها: * عدم الدقة في مراعاة أساليب الكتابة العلمية ، خاصة استخدام علامات الترقيم. * عدم توضيح المناهج البحثية والمقدمات النظرية التي انطلق منها الباحث فى إعداد كتابه. * عدم الصرامة والدقة في تعريف المصطلحات المستخدمة في الكتاب .. تارة يستخدم الكاتب مصطلح (انتقال السلطة) ، وتارة (الخلافة). * الافتقار إلى الترتيب المنطقى والعلمى لتسلسل الموضوع الذي يتناوله الكتاب. * التركيز على الاقتباسات والنقول دون توضيح المصادر والمراجع بصرامة ودقة على النحو المتعارف عليه في أساليب وتقاليد البحث العلمي. * الإستطراد فى الموضوعات والمقدمات دون مبرر علمى ،(مثلاً الإسهاب فى (الفصل الأول) بالتطرق لأساليب لإنتقال السلطة فى التجارب الإشتراكية واليبرالية ودول العالم الثالث، النظام الإسلامى ، ثم الإنتقال الفصل الثانى لموضوع البحث الرئيس وهو لإنتقال السلطة فى السودان). * الإفتقار الى العمق فى التفسير والتحليل والإستنتاج للظاهرة محل الدراسة ، للوصول الى مقاربات علمية جديدة ، كما تقتضى الأعراف العلمية . * قائمة المصادر والمراجع التى أستعان بها الباحث ،على غناها وتنوعها ما بين الكتب (عربية وأجنبية) ، والموسوعات ،والدوريات والمجلاع العربية والأجنبية، والصحف، المؤتمرات والسمنارات ، والتقارير، وشبكة الإنترنت، فضلاً عن الوثائق التاريخية.. لم تظهر الفائدة العلمية من توظيفها فى متن الكتاب!.