عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    اهلي جدة الاهلي السعودي الأهلي    أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    التلفزيون الجزائري: الإمارات دولة مصطنعة حولت نفسها الى مصنع للشر والفتنة    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحالف العربي من أجل دارفور مؤتمر الأزمة السودانية والربيع العربي مداخلة حول الحرب والسلام في السودان


القاهرة 4- 5 فبراير 2012
عبدالمنعم الجاك، المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً
مقدمة وإطار عام:
• الشكر للتحالف العربي من أجل دارفور، والبرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان على الدعوة وعلى الإهتمام بقضايا السلام والعدالة في السودان. وهو إهتمام نادر في العالم العربي، لعملهم المثابر والدؤوب في كسر حواجز الصمت العربية او حالات التواطؤ تجاه أزمات السودان، ولإعلائهم لمبادئ حقوق الإنسان والوقوف صف الضحايا في مقابل المصالح الضيقة للحكومات العربية التي تقف موقف مغترفي الجرائم الكبري. لذا فهي تحية وشكر واجب للتحالف من اجل دارفور وللبرنامج العربي وللقائمين عليه على مدى سنوات، وفي مقدمتهم الصديق حجاج نايل.
• قبل نحو ثلاث سنوات مضت كان لي شرف المشاركة مع آخرين من العالم العربي في تأسيس التحالف العربي من أجل دارفور. وقتها، ظلت قضايا حماية المدنيين، وقف القصف الجوي، جرائم حقوق الإنسان والعدالة، النازحين واللاجئين، الاوضاع الانسانية، عمليات السلام، وغيرها من قضايا ظلت شغلنا الشاغل لأزمة إنسانية امتدت بدارفور حتي اليوم لنحو ثمان سنوات، .... نعم سنوات ثمانية من المآساة المستمرة والسلام الزائف.
• واليوم، ونحن في فبراير 2012 وبدعوة من ذات التحالف العربي من أجل دارفور، نتحدث عن ذات القضايا نتحدث عن القتل والقصف الجوي وتشريد النساء والاطفال والمطالبة ببعثات تقصي الحقائق ومنع وصول الغوث الإنساني، نواصل الحديث عن النزع المستمر والمتعمد لقيمة الكرامة الإنسانية للمواطن(ة) السودانية(ة) بما فيها السلب الجماعي للحق في الحياة. كل ذلك يتم في ظل ومن قبل ذات النظام الحاكم في الخرطوم الذي ظل قابضاً على السطة بكافة الوسائل الوحشية لما يزيد عن العقدين من الزمن ممارسأ لكل الأصناف ووسائل عمل الديكتاتوريات من قمع وقهر وعنصرية مؤسسة، وضد من؟ ضد مواطنيه!
• أيضاً اليوم، وفي هذه اللحظة التي نجتمع فيها يشعل نظام حزب المؤتمر الوطني يشعل ويدير لخمسة جبهات من الحروب ضد مواطنيه في النيل الأزرق، جنوب كردفان، أبيي، دارفور، إضافة لحربه عابرة الحدود في مواجهة اللاجئين الفارين لدولة جنوب السودان الوليدة. إشعال الحروب من قبل هذا النظام تتكامل عناصره نحو الانفجار الان ايضا في شرق السودان، وفي الشمال الأقصي، بل حتي في قلب الخرطوم العاصمة. إن مفردة او مقولة " الحرب والسلام" في السودان، والتي طلب مني تقديم مدخلة حولها، أصبحت بلا قيمة، بلا معني، حيث لم تعد الاحصاءات تكفي لوصف الضحايا الكثر. نعم الضحايا؟ ولكن ماذا تعني كلمة ضحايا في سياق السودان المتخم بالنزيف في كافة أركانه؟ وهل الحديث عن الحروب والموت المجاني للابرياء في السودان أصبح كافيا لتحريك ضميرنا الأنساني ولتوليد طاقتنا القادرة في إنصاف الضحايا؟ هذا سؤال جوهري في تقديري فعبارات الشجب والإدانة ما عادت كافية، والحديث عن الألام والضحايا المتكاثرين دون تحول في السياسات والافعال اصبح ضرب من العبث!
• حديثي عن الحرب والسلام هنا ياتي لتقديم أفكار وملاحظات ومشاعر أولية، غير مكتملة علمياً، حول ما طلب مني الحديث حوله. لن أتطرق للمناطق الجغرافية التي تستعر فيها الحروب لتوصيف تلك المآسي أو مسبباتها، فهذا حديث مكرور. ليس مكرور فحسب بل ان تناولها في عزلتها وتجزئتها تلك، جغرافياً أو جهوياً، هو مدعاة لتعميقها وإستمرارها، وهو نهج النظام القائم منذ إنقلابه في 89. عليه، ملاحظتي الأولى إن أزمة دارفور ليست أزمة دارفور بل أزمة السودان في دارفور. ذات الشي ينطبق على حروب وأزمات جبال النوبة والنيل الأزرق وأبيي، وغيرها من حروب وأزمات، فهي أزمات السودان في تشابكها وترابطها، في هذه المناطق او حول هذه القضايا، إنها أزمات السودان في كلياتها وفي قسوة ووحشية نظام المؤتمر الوطني الحاكم في قتل مواطنيه في جسدهم(ن) وكرامتهم(ن) لما يزيد عن عقدين من الزمن. إنها في إعتقادي أزمات وحروب السودان المنتجة في مركز سلطته بالخرطوم.
• الملاحظة الثانية المرتبطة بتعريفي لحروب السودان هي أن هذه الحروب تختلف فقط في الدرجة عن أزمات السودان الأخرى، فالحرب عنف والعنف حرب يأخذ أشكالا متعدده، تكثر أو تقل. فازمة وقضية المناصير في الشمال ومعاناة مزارعي الجزيرة ومصادرة حرية التعبير ومصادرة الصحف، والعنصرية المباشرة وغير المباشرة في الحياة اليومية، بما فيها كشات الباعة المتجولين، وما يواجهه شباب قرفنا، وما إستبسلت بشجاعة في مواجهته والاعلان عنه الفنانة صفية إسحق عند إغتصابها من قبل عناصر الأمن، وغيرها من أزمات هي في تعبيرها وخلاصتها النهائية تنضم الى قائمة وبنية الحروب التي يشنها نظام المؤتمر الوطني على شعوبه ومواطنيه، منطلقا من ذات الايدولوجية الفاشستية المنتسبه للإسلام السياسي.
• ملاحظتي الثالثة في تقديمي لقضية الحرب والسلام في السودان ان التاريخ والفكر السياسي السوداني يختزل ويتواطأ في توصيف أزمات الحكم في السودان بما أصبح متعارفاً عليها بالدائرة الشريرة ( إنقلاب عسكري- إنتفاضة شعبية- او ثورة تؤدي لحكم ديمقراطي سرعان ما ينجح إنقلاب عسكري في القضاء عليه). هذا توصيف وتاريخ مخادع ومتواطئ يقف عند عشر الحقيقة فقط. قضايا الحرب وتوجيه سلاح وعنف الدولة السودانية تجاه مواطنيها، بل دفعهم بقسوة للخروج عن حدودها هو أزمة الحكم والإستقرار في السودان. والتشويش المتعمد حول طبيعة قضايا الحرب والسلام في التاريخ والفكر السياسي الرسمي هو جزء من التواطؤ بعزلها أو تجزئتها أو تنميطها بوضعها في قوالب الجهوية والعنصرية والجغرافية. من مفارقات حروب السودان ان ضحايها اكثر بعداً، بل غير مرئيين، مقارنة بضحايا الحروب العنف في فلسطين أو العراق! هذه حقيقة تعلمناها منذ حروب ما عرف بالجهاد في جنوب السودان، فصور غزة وضحاياها كان اقرب لمواطن السودان في الوسط من صور الضحايا في جوبا وحولها، بل أقرب حتى من نازحي جوبا في مخيمات الكرتون والخيش حول مدينة الخرطوم العاصمة!
قضياتان هامتان: جوهر وبنية الحرب والسلام:
• أنتقل من ملاحظاتي العامة حول ماذا تعني قضية الحرب والسلام في السودان الى تسليط الضوء المكثف على قضيتين ذات إرتباط عضوي بمحور حديثي، وفي تقديري ولعظمتهما هاتين القضيتين، فهما يلخصان ويعكسان جوهر وبنية عملية صناعة العنف والحروب في السودان، وبصورة محددة أعني الأيدويلوجيا الإسلامو-عروبية الناظمة والمحفزة لحروب المؤتمر الوطني ضد مواطنيه، وصيغ السلام التي ترضي وتنتج عن تلك الأيدولوجيا.
• الحدث أو القضية الأولي هي إختيار شعوب السودان في جنوبه في يناير من العام الماضي لخيار الذهاب عن السودان الموحد. ان إنفصال وإعلان إستقلال جنوب السودان قبل سبعة أشهر من الأن يمثل، وسيستمر يمثل، صدمة ووصمة عار في تطور ومستقبل السودان الشمالي، يتحمل مسؤليتها على مدي التاريخ حزب المؤتمر الوطني والأيدولوجيا الاسلامو-عروبية التي يعبر عنها. إن خيار 99% ممن صوت من أجل إستقلال جنوب السودان يمثل رفض وطعن في المشروعية الاخلاقية والفكرية للاسلام السياسي وذلك برفض شعوب الجنوب، ومن موقع القوة الديمقراطي عبر عملية الاستفتاء، برفضهم الوجود ضمن حدود تلك الايدولوجية الحاكمة القاتلة.
• فالجوانب الملموسة لعملية إستقلال جمهورية جنوب السودان وتاثيراتها على السودان تجعله يفقد ربع مساحته الجغرافية بما تمثله من قيمة معنوية كاكبر قطر في العالم العربي وافريقيا، وكذلك يفقد ربع عدد سكانة وما يمثله من ثروة بشرية إستخفينا بها، وفقدان 80% من غطائه النباتي بما يحتويه من غابات وطبيعة وحيوانات نادرة ليتحول الى كيان شبه صحراوي، كما يفقد ثلاثة من دول جواره، وتختفي كذلك القيمة الحضارية له كحلقة وصل بين افريقيا والمنطقة العربية من ناحية وافريقيا جنوب وشمال الصحراء من ناحية اخرى، كما ستتناقص عدد المجموعات الاثنية واللغوية المكونة له وتمثل مصدر ثراء ثقافي وروحي عظيم، هذا فضلا عن فقدان نسبة 75% من النفط المنتج وذهابها للدولة الوليدة ومن ثم تاثير ذلك على الاقتصاد والمعاش اليومي للمواطنيين في السودان الشمالي.
• إلا ان المعاني التي يجب قراءتها وتفهمها لمعرفة مآلات عملية الحرب والسلام في السودان وما دعى 99% من شعوب جنوب السودان الى إختيار ترك السودان الكبير والذهاب عنه، يجب قراءتها ايضا من الجانب الاخر لمعرفة بعض مسبباتها، وهو ما لخصه الحاج وراق، المفكر والكاتب السوداني في ندائه ضمن نداءات المواطنين الديمقراطيين الشماليين، موجها رسالته لمواطني جنوب السودان عشية الاستفتاء، قائلاً: " وإذ تتوجهون الى صناديق الاقتراع في 9 يناير، فإننا نعلم بانكم تصوتون وطائرات الانتنوف التي تقصف المستشفيات والمدارس ودور العبادة تتراءى في مخيلتكم، وسنوات المنافي والشتات ثقل على افئدتكم، ومرأى القرى المشتعلة والاشلاء المبعثرة يطفر الدمع في عيونكم، وملايين الضحايا الاعزاء والاحباب تطوف اخيلتها بكم، اننا كديمقراطيين شماليين نعلم بكل تلك الفظائع، ونقر بانها ارتكبت باسم ثقافتنا، ونحن الان نبرأ منها ونعتذر عنها، ونتفهم كيف ان التصويت اذ يتم في هذه الظروف الطاردة والبغيضة فانه ليس بين الوحدة والانفصال وحسب، وانما كذلك بين الكرامة والمهانة ". إنتهي الاقتباس.
• تلك هي القضية الاولى التي تمكننا من ادراك كنه بنية وجوهر عمليه الحرب والسلام في السودان. القضية أو الحدث الثاني الذي يلخص ويعكس جوهر عملية صناعة العنف والحروب والايدولوجيا المنطلقة منها هو مذكرات الإتهام وأوامر القبض الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية في حق راس الدولة والحزب الحاكم عمر حسن البشير لأشتراكة في إغتراف جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية وممارسة التطهير العرقي في إقليم دارفور بغرب السودان. أنا ليس بصدد الحديث عن كارثة إنسانية تطاول امدها، والضحايا لم يعودوا نفس الضحايا بعد تطبيع الألم والمعاناة في دارفور دون حل جدي وجذري، كما اني لست بصدد الخوض في تفسيرات قانونية حول قضية محكمة الجزاء الدولية في دارفور، فهذا ليس سياقها والقانون ليس تخصصي. ما قصدته بتسليط الضوء هنا هو جريمتيّ التطهير العرقي والإغتصاب في علاقاتهما مع الأيدولوجية الإسلامو-عروبية، المتهم والجاني في كل حروب وجرائم السودان لنحو عقدين ونصف بواسطة المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية. فإذا ما كان خيار 99% من جنوبيً السودان للانفصال عن ذلكم السودان يمثل رفض وطعن لطريقة حكم النظام في الخرطوم، فان الشبهه فقط بالتطهير العرقي وجريمة الإغتصاب، دعك من الاتهام الذي أكدته العديد من المؤسسات السودانية والاقليمية والدولية، ترفع الغطاء كاملاً عن تلك الايدولوجيا الاسلامو-عروبية، ترفع كافة الغطاء الاخلاقي والقيمي والفكري عن هذا النظام، وتبرز ضمن وحشيته وحيوانيته، ان سعيه نحو النقاء العرقي أوالنقاء الديني او الايدولوجي يفوق النازية والصهيونية في جرائمهما سوى في إستخدام أفران إحراق اليهود أو الإنتهاك المستمر لحقوق الشعب الفلسطيني. إن ما يدعو ويحرك ألة حرب حزب المؤتمر الوطني الحاكم في دارفور على ممارسة القتل العشوائي، والتعذيب، وإغتصاب النساء اليافعات والعجزة، وحرق القرى وإلقاء الاطفال في نيرانها، ودفن أبار مياه الشرب، وتشريد الملايين نزوحاً ولجؤاَ، ما يدعو ألة عنف وحرب هذا النظام لممارسة هذا الفظاعات والوحشية في حق " مواطنيه"، إن كان يعتبرهم كذلك، يبخل بل يعمل من أجل عدم إستقرارهم وسلامهم، فليست ثمة عملية او اتفاق سلام حقيقي تبرمه هذه الأيدولوجيا من اجل الضحايا، فهي لا ترى سوى نفسها ومصالحها وديمومة وجودها في الحكم، لذا يصبح مستسهلاً لهذا النظام ان تقبر إتفاقيات السلام وان تدفع بقسوة ربع البلاد، أرضاً وسكاناً، للخروج عن جغرافية ذلكم النقاء الأيدولوجي المتوهم.
• إن قراءة التاريخ المعاصر للسودان، ولفهم قضايا الحرب والسلام في السودان، تشكله في قناعتي هاتين القضيتين ، أولاً رفض 99% من مواطني جنوب السودان البقاء ضمن منظومة الايدولوجيا الاسلامو-عروبية وممثلها الرسمي حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وثانياً التعرية التامة لهذه الايدولوجيا وممارساتها بعد إتهام رأس النظام بإغتراف أكثر الجرائم وحشيةً ورفضاً من الضمير الإنساني وهما جريمة الإغتصاب والتطهير العرقي، بما يعري بصورة كاملة هذه الايدولوجيا من أي سند اخلاقي قيمي او فكري ذو صلة بالانسانية في نزوعها نحو الأمان والطمأنينة والرفاه.
• اخلص في فحصي لجوهر وبنية عملية السلام والحرب في السودان بإقتباس للباقر العفيف، الباحث في مجالات الهوية والثقافة، وهو الاقتباس الذي أراه يضيف كذلك الى عملية فهمنا لهذه القضية المؤرقة لإستقرار وتقدم السودان. حيث يرى الباقر " تعتبر عملية تهميش وإقصاء الآخر في السودان سياسة واعية من قبل الدولة، يخطط لها وتمارس من قبل الصفوة أو الطبقة الحاكمة لأفتراضها بانها الأسمى ثقافياً وعرقياً. و توجد هذه العنصرية المؤسسة وإقصاء الآخر في قلب سياسة الدولة، حيث تخشي الطبقة الحاكمة التنوع، وتعتبره تهديداً لا يمكن التعايش معه. لذا تعمل الطبقة الحاكمة بمثابرة للقضاء على التنوع عبر سلاح آلة الدولة. كما تنظر لطبيعة السودان في تنوعه وتعدده الثقافي والإثني والديني بانه وباء يجب إستئطاله. فالطبقة الحاكمة الان لم تتخيل قط هويتها وسط أو ضمن هويات أخرى، فهي ترى فقط هيمنتها وسيادتها. وبلغة أخرى، فهي- أي الطبقة الحاكمة الأن- عليها ان تفرض هيمنتها التامة بالمنع والحيلولة دون نمو وتطور وإذدهار الأخرين. الأمر الذي يجعل الأخرين أمام خيارات إما التنازل عن هوياتهم وصورتهم عن ذاتهم، أو القتال للدفاع عن كينونتهم ولمقاومة تلك الهيمنة". إنتهي الإقتباس.
خلاصات:
• على مدي 23 عاما يواصل النظام الحاكم في السودان في صناعة العنف والحروب، ومن ثم تفصيل إتفاقات السلام بما يناسب ظروفة و زنقاته أومزاجه الأيدولوجي، بما فيها بتر الجغرافيا والسكان من الوطن كحالة جنوب السودان، وكله تحت عنوان الحرب والسلام. فإستقلال جنوب السودان بزعم تحقيق الإستقرار والسلام كذبة تؤكدها لنا الايام. حيث هنالك جنوب جديد يتخلق بذات الأعراض والمظالم التي دفعت بالجنوب القديم للذهاب والخروج عن الوطن الواحد، ولا تجد الأيدولوجية الاسلامو-عروبية من وسيلة لتحقيق السلام في هذا الجنوب الجديد سوى إعمال آلة الحرب، وهو ما صقلت مواهبها عليه. وذات الجنوب القديم، وبعد ذهابه سعياً وراء كرامة مسلوبة وتوقاً لاستقرار وتنمية، تصر ذات الايدولوجية على مطاردته ومحاصرته وعقابة على الخروج عنها بان يظل تحت طاعتها وان تستأثر بموارده عبر التلاعب ووضع العراقيل أمام علاقات صحية بين دولتين ذات سيادة، تارة بسرقة النفط وتعبئة وتجييش المليشيات ضده، وتارة بتمييع ترسيم الحدود وخلق بؤر للصراع، وإهدار حقوق الملايين من الشعوب على الحدود من ممارسة حياتهم الطبيعية، وإبتزاز والتضييق على المواطنين الجنوبيين في الشمال والتهديد المتصل بطردهم ومنعهم حق المواطنة، بل حتي عبر القصف الجوي لأكثر من مرة داخل حدود الدولة الوليدة. الخلاصة هنا: ان الأيدولوجيا والجزب الحاكم في الخرطوم لا ولن يعرف مطلقاً ماذا تعنى قيمة ومعني السلام. فقد توجد إتفاقات سلام مقنعة، ولكنها بلا شك مع الشريك الخطأ!
• تحكي حليمة كيقا اللاجئة بسبب الحرب الحالية من جنوب كردفان والمقيمة منذ سبتمبر الماضي بمعسكر إيدا بجنوب السودان، تحكي حليمة قائلة: "إسمي حليمة كيقا، انا جيت من كاتشا يوم 25 تسعة وهسع في المعسكر هنا. وليوم الليلة بعد ما جينا هنا نحن تعبانين، تعبانين شديد لانو الطيارة ما ريحتنا، عمر (البشير) دا ماريحتنا بطيارات بتاعتو دا. أنا زعلان من عمر (البشير) دا. محكمة جنائية دا خلي يمسك عمر دا.. يحاسبوا. الناس ماتوا ساكت ما عرفنا سبب عشان شنو، عيال ماتوا ساكت ما عرفنا بسبب شنو؟ نحن العجايز ماشين ساي وميتين في الشوارع، ماشين اربع وعشرين ساعة، ما عرفنا بسبب شنو؟ يعني بسبب نحنا دايرين حقنا؟ عمر دا انا دايرة يمسكوه.... يحاسبوه!" . حليمة بافادتها المؤثقه هذه تقدم توصية هامة هنا، وأضم صوتي لها، أن تحقيق السلام لا يمكن له ان يتأتى إلا عبر تداخله وترابطه الوثيق مع قضية العدالة، حيث لا يمكن للاوضاع الانسانية من ان تتحسن وأن يستقر الضحايا دون محاسبة من تسبب في تدهورها، فالسلام والعدالة والديمقراطية في سياق أزمات السودان، في حالة ترابط واعتماد على بعضهم البعض، والتضحية بإحداهم على حساب الأخر لا تخدم سوى تعميق وإطالة لأمد الأزمات. فعمر البشير ونظامه الذي تطالب حليمه بمحاسبته عما يرتكب من جرائم الان بجنوب كردفان هو ذاته المتهم ونظامه بارتكاب الاغتصاب والتطهير العرقي في دارفور.
• الخلاصة الثالثة في هذه المداخلة ان العنف يمثل الجوهر والخبرة الرئيسية للنظام الحاكم في الخرطوم، في قمعه لتظاهرات طلاب الجامعات وفي حروبه وقتله المستمر لمواطني الأقاليم في دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق، وفي إغتصابه للنساء، وفي تمييزه العنصري ضد طلاب دارفور بالجامعات في الخرطوم، وفي غيرها من ممارسات وحشية ظل يتبعها على مدى عقود. لا مناص في تقديري لايقاف عملية صناعة الحرب والموت المنظمة هذه إلأ بدعم قوى التغيير الداعية للعدالة والسلام والديمقراطية كوحدة مترابطة، فالترياق الوحيد للقضاء على وإستئصال الأيدولوجية الفاشستية المنتجة للحروب والعنف هو إصطفاف القوى السودانية وعملها من اجل التغيير الجذري لنظام ولمرجعيته. وتضم هذه الخلاصة صوتها الى صوت المحلل والسياسي السوداني الشفيع خضر في قوله " نقول بضرورة وموضوعية التكامل بين آليات التغيير المختلفة، وجدلية العلاقة بينها. بمعنى، من الصعب، بل ومن غير الممكن، مثلا طرح العلاقة بين العمل السلمي والعمل المسلح بطريقة «مع أو ضد»، أو «يا هذا يا ذاك». فالقوى المصطرعة سياسيا، تسعى لحسم الصراع لصالحها، متبنية آليات عملها، في الغالب بحسب حدة الغبن الاجتماعى / الإثنى، وحسب الآلية التي يتبناها الآخر، بما في ذلك آلية التجاهل المستمر وعدم الإعتراف. لذلك ليس غريبا على أهل المناطق المهمشة حمل السلاح، وأن يلجأ ملاك الاراضى في الجزيرة للقضاء، ويتظاهر طلاب الجامعات.... إن التكامل بين آليات التغيير المختلفة يستطيع ان ينعش ذاكرة الناس فتتعلق الاحلام اليومية من جديد بقيم الحرية والعدالة والمساواة."
• الخلاصة والرسالة الأخيرة في هذه المداخلة الى القوى الإقليمية في العالم العربي بمختلف وظائفها وخلفياتها. فقد نجحت أيدولوجيا النظام الحاكم في الخرطوم في تحييد، بل في كسب دعم العديد من الحكومات العربية خلال تجربتها الطويلة في إشعال الحروب ضد مواطنيها، بائعة للوهم والأكاذيب بانها تدافع عن العروبة وعن الإسلام. فكان أن أصطف أو تواطأ بالصمت العالم العربي عن الجرائم الجسيمة المغترفة في السودان بواسطة نظام المؤتمر الوطني. إن الايدولوجيا الإسلامو-عروبية المستخدمة في حروب نظام الخرطوم تسئ للمجتمعات العربية والمسلمة، وتحملها قدراً من المسئولية لصمتها أو دعمها. فمستقبل الحكومات والشعوب العربية هو في الوقوف مع ضحايا هذه الجرائم وفي الوقوف مع الشعوب السودانية عبر قوى التغيير المختلفة والمصطفة، والتي تنظر للشعوب والحكومات والمنظمات العربية وهم أكثر قرباً لهم، وليس أقرب الى جلاديهم وسافكي دمائهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.