فى تقاليدنا السودانية للزواج هنالك الكثير من التعقيدات الشكلانية التى لا تمت الى الشرع ولا الى الدين بصلة , و تجدها تأخذ مساحة كبيرة من الاهتمام خاصة لدى النساء , وعندما نقارن هذه الاجراءات التقليدية مع اجراءات بعض المجتمعات الاخرى نجد ان هذه الشعوب التى تختلف عنا فى التقاليد اكثر عملية فى اتمام هذا المشروع الاجتماعى المهم خاصة اذا كان الطرفان متفقان ومتوافقان , هنالك الكثير من الزيجات السودانية التى يجب ان تتم بحكم توافق طرفيها الرجل والمرأة ولكن تجد احد افراد عائلة الطرفين قد يتسبب فى افشالها نتاج لرأيه المؤثر فى الاسرة , وبالرغم من ان الوعى قد وصل بمجتمعنا و كثير من الاسر السودانية الى مراحل متقدمة فى الترقى الا ان بعضنا ما زال متأثراً بهذه المعيقات الشكلانية و ما زال الكثير من الاباء والامهات رهينين لهذه المثبطات , فكم من شخص تفترض فيه علو درجة الاستيعاب و عظم التجربة الحياتية الا انه ينهار امام مطلوبات التقاليد و يعجز فى اتمام زفاف ابنته او ابنه , وما زلنا كمجتمع سودانى تتحكم فينا النزعات البيروقراطية فى هذه الاجراءات و هنالك الكثير من عدم التطابق بينما نقوله و ننصح به عبر منابر المساجد و ومنتديات دروس الفقه وما هو مطبق على واقعنا الاجتماعى المعيش , وهنا تحضرنى فكاهة اطلقها ظرفاء المدينة عن ذلك الخطيب الذى يحث الناس فى كل خطبة جمعة على تزويج بناتهم و عدم الاكتراث للتفاصيل التى هى ليست من الدين فى شئ وان الفقر لا علاقة له بفشل الزواج كذا وتواضع وضعية الزوج الاكاديمية و مركزه الاجتماعى و كان هذا الخطيب المفوه له من البنات من وصل بهن السن الى ما فوق الثلاثين ولم يتزوجن وبعد هذه الخطب الرنانة جاءه احد الشباب الذين يحرصون على الصلاة معه وكان هذا الشاب ممن شهد بحسن سلوكه كل من حوله فقام بطلب يد بنته لكن امام المسجد وخطيبه رفضه وقال له : (يا بنى انت صدقت الكلام ؟ ياخى دة كلام مساجد ساى ) , وما اكثر من هم على شاكلة هذا الرجل الخطيب و الامام الموثوق به فى وطنى والذى لم يكترث لموجهات ديننا الحنيف بل اعطى كل اهتمامه للامور الشكلانية و التقاليد البالية . لى صديق جمعتنى به صداقة طيبة ببلاد الغربة وقد تعرف على احدى ماجدات بلادى ولها من التدين والاستقامة قدر قلما يوجد عند مثيلاتها و قد توافقا كيميائئاً وفيزيائياً وشرعا فى ربط بعضهما بعضا بشرع الله وسنة نبيه الكريم و اتبعا الطريق الشرعى فى سبيل تحقيق ذلك ولكن فى منتصف الطريق تمسك اهلها بشكلانيات الامور ,وبالرغم من انها كانت ناضجة و لها من التجربة المهنية و الحياتية ما يكفى الا انها اخفقت فى ان تتخذ الموقف القوى المؤيد لرغبتها و خضعت لاخذ ورد الاخ والاخت و الام والاب و اقتنعت هى ذاتها بوجوب وضرورة تطبيق شكلانيات الامور هذه و اصبحت تعزف فى نفس الوتر الذى يعزف عليه دعاة الامور السطحية وسفاسفها , هذا يدل ويؤكد على ان التقليد يغلب على التدين , ولكى لا يذهب القارئ بعيداً فى تفكيره اريد ان اذكر نماذج هذه الامور الشكلانية وهى على سبيل المثال : اشتراط اهل المراة على اهل الرجل المباركة لمجرد موافقتهم على الرجل كزوج مستقبلى لبنتهم و الا سوف لن تتم عملية عقد القران التى هى الحدث الشرعى والرسمى الموجب للمباركة ومن هذه الامور كذلك انتظار اتمام تشطيبات منزل اسرة البنت حتى يكون اهلها جاهزون لعملية اتمام الزيجة و كذلك اشتراطهم تعافى شقيق المحروسة من مرضه ومن ثم تكتمل اركان الجاهزية وايضاً ضرورة تزامن مواقيت العرس مع اجازة والد البنت مع الزام العريس بأحضار والده او والدته و عدم قبول اتمام الزيجة دون حضور احد الوالدين حتى ولو كان لاحدهما عذراً يحول دون حضوره بصفته او صفتها الشخصية . هنالك ايضاً انانية الاب وتمسكه بابنته و صعوبة تقبله لفكرة انها قد بلغت من السن ما لم يسمح لها بالاستمرار معه بذات حميمية العلاقة التى كانت بينه وبينها ابان ايامها الاولى وهى طفلة بين يديه , فكثير من الاباء لا يستطيعون مفارقة بناتهم خاصة اولئك الذين يتعلقون بهن بعاطفة قوية و مثل هؤلاء يترجمون عدم رضاهم بذهاب بناتهم عبر زيجات مفاجئة الى رجال لا تربطهم بهم صلة الدم باختلاق مبررات كثيرة وغير مقنعة ولا منطقية و لا شرعية , فعندما تدخل العاطفة فى معادلة زواج الابنة من شخص لا ينتمى الى شجرة العائلة يكون لزام على المقبل على طلب يد هذه الابنة ان يقدم تنازل كبير بتحمله لتبعات ارتباط هذه الانثى بهذه العائلة ذات الشجرة الواسعة والمتفرعة , ويكون العبء اثقل اذا كانت هذه البنت منتجة وصاحبة دخل تعتمد عليه الاسرة , فمثل هذه المرأة لا يمكن لأهلها احترام رغبتها فى ان تكمل نصف دينها لانه و بتحقيقها لرغبتها فى تأسيس بيت الحلال تكون قد ادخلت ذويها فى فوبيا فقدانهم الدعم المادى وذلك بتخوفهم من استحواذ زوج ابنتهم على دخلها و راتبها الشهرى ضاربين بعرض الحائط ماهية هذا الزوج الذى يفترضون فيه هذا الافتراض غير المبنى على أسس منطقية. فى هذه المساحة التى طرحت فيها هذا الموضوع المتحدى لضرورات واقعنا الاجتماعى تحضرنى آراء الشيخ حسن الترابى فى وجوب ان تحضر البكر فى مراسم عقد قرانها وان تكون حاضرة بنفسها و ذلك لسبب واحد وأوحد وهو أن الزواج عقد كغيره من العقود والتعاقدات الحياتية و طرفى العقد هما المسئولان عن مآلاته و اجب عليهما الالتزام بتعهداته وشروطه وهذا الالزام يكون اكثر مشروعية اذا كان الطرفان مؤهلان دينياً وعلمياً واكاديمياً فواجب ذوى البنت ان يولوا كفاءة واهلية بنتهم و خيارها اولولية قصوى تتقاصر دونها رغباتهم وهواجسهم و حساباتهم التى دائماً وأبداً تكون بعيدة كل البعد عن أفكارها و قرارها وخيارها ورغبتها , ثم ان الاجيال الحاضرة لم تعد هى ذات الاجيال التى سلفت والتى اقتاتت من قواميس الاجداد والحبوبات المتواضعة , هذا الجيل له تحدياته و اشكالياته واولها عامل الزمن فى تحديد الاختيارات بجميع اصنافها الاجتماعية وغيرها , فعلينا ان لا نهمل رغبات بناتنا وقناعاتهن بالتستر خلف قناع الوصاية والخوف و الحرص عليهن لاننا ومن حيث لا ندرى نكون قد تدخلنا فى تحديد اخص خصوصياتهن الا وهو اختيار شريك العمر ورفيق الدرب الذى بلا شك لا احد يسير فيه لوحده. اسماعيل عبد الله [email protected]