رحيل زيناوى الرجل القوى فى القرن الأفريقى. رحل الرجل الذى لعب دورا تاريخيا واستراتيجيا مهما فى هذه المنطقة منذ نهاية الحرب الباردة. كان زيناوى بالنسبة للولايات المتحدة الرجل الأهم فى شرق أفريقيا فى إطار استراتيجية الولاياتالمتحدةالأمريكية التى تدير مصالحها فى افريقيا من خلال تبنى سياسة التحالف مع قوى إقليمية، كل منها قوة بارزة فى محيطها كنيجيريا فى الغرب وإثيوبيا فى الشرق وجنوب أفريقيا فى الجنوب. تسرعت التقارير الإعلامية فبالغت فى توقع تغييرات جوهرية فى منطقة القرن الأفريقى على أثر غياب زيناوى، لكن فى الحقيقة من المبكر الحديث حول مثل هذه التغييرات، لكن لا شك أن غيابه سيكون له تأثير داخلى كبير خصوصا أنه تمكن خلال العشرين سنة الماضية، من تحقيق بعض النجاحات الداخلية، واتخذ فلسفة حق تقرير المصير فى الدستور الإثيوبى للقوميات الإثيوبية أداة لإدارة التنوع الثقافى والدينى والعرقى فى إثيوبيا، أملا فى إقامة وحدة وطنية راسخة فى إطار هذا التنوع، وتحقيق إنجازات فى مجالات النمو الاقتصادى والبنية التحتية والتنمية. كذلك يشكل غيابه زيناوى نكسة لعملية مكافحة التطرف فى منطقة القرن الأفريقى المضطربة، إذ برزت إثيوبيا كدولة محورية فى القرن الأفريقى تسهم فى المهمات ذات الصلة بأمنه واستقراره. وقد تلقت إثيوبيا فى عهد زيناوى إثيوبيا مساعدات كبيرة من الولاياتالمتحدة منها ما يزيد على 800 مليون دولار سنويا، بالإضافة إلى المساعدات الأوروبية، وكان لهذه المساعدات دور ملحوظ فى النجاحات المقدرة التى حققتها إثيوبيا فى النمو الاقتصادى، وتنظر الدول الغربية بصفة عامة إلى إثيوبيا كحليف استراتيجى فى حماية مصالحها فى المنطقة خاصة المصالح الأمنية. لا تحبذ الولاياتالمتحدة حدوث أى تغير فى سياسة إثيوبيا الخارجية لأن واشنطن لا يمكن أن تستغنى عن الدور الإثيوبى، كقوة توازن فى المنطقة وذراع للولايات المتحدة فى مكافحة التطرف والإرهاب، وركيزة اساسية فى الأمن الإقليمى لمنطقة القرن الافريقى، لذلك نتوقع أن تدعم الولاياتالمتحدة القيادة الجديدة وتمكنها من السير على خطى زيناوى حتى تتخطى هذه المرحلة الحرجة فى تاريخ القرن الأفريقى الذى يمثل مصدر قلق كبيرا بالنسبة لواشنطن. ولا يخفى أن الولاياتالمتحدة تنظر بقلق إلى العلاقات الإثيوبية الإريترية التى شهدت مواجهات مسلحة وحروب عديدة، ولا يستبعد أن يتجدد التوتر بين البلدين بسبب الأزمة الحدودية فى مثلث (عدمروق) فى منطقة بادمى، لا سيما فى ظل غياب قيادة قوية مثل زيناوى، بما قد يضرب الاستقرار فى شرق أفريقيا، ولكن توافق المصالح الأمنية الاستراتيجية للولايات المتحدة فى المنطقة، والمصالح الأمنية الإثيوبية يعزز دعم الولاياتالمتحدة لإثيوبيا. معروف أيضا أن الولاياتالمتحدة تراقب عن كثب ما يحدث فى الصراع الإثنى فى داخل إثيوبيا خاصة قومية «الارومو» التى تطالب بحق تقرير المصير، تلك الصراعات ليست سوى أحد الجوانب التى ربما تدفع الإستراتيجية الأمريكية مستقبلا فى اتجاه البحث عن «البديل» لقيادة إثيوبيا فى منطقة القرن. هنا قد يدخل لاعب جديد هو الرئيس اليوغندى يورى موسيفينى الذى لديه حلم زعامة القرن الإفريقى ومنطقة البحيرات.. بالإضافة إلى النشاط المتزايد لجماعات التطرف وعدم الاستقرار السياسى فى الإقليم وفى ظل نفوذ الصين المتزايد للسيطرة على موارد أفريقيا الطبيعية، والتغييرات الجيو استراتيجية المرافقة لهذا التغلغل، قامت الولاياتالمتحدة بتنشيط القيادة الأفريقية الأمريكية المشتركة (AFRICOM) وركزت قواعدها قرب منطقة البحيرات لقربها من القرن الأفريقى. إن تأثير هذه التطورات فى وقت تسعى فيه مصر لاستعادة دورها فى افريقيا، سيرتبط بطبيعة التحركات المصرية خلال الفترة المقبلة حيال منطقة القرن الأفريقى. وقد أعطت الثورة المصرية فرصة للقيادة الجديدة للعودة بمصر لاعبا لدور مهم على الساحة الأفريقية، خصوصا أن مصر لها رصيد كبير منذ ثورتها فى 1952. ولم تخل العلاقة مع إثيوبيا من مراحل تنافس مصرى إثيوبى، حيث تتقاطع مصالحهما فيما يتعلق بملفات رئيسية هى مياه النيل والأمن فى شرق افريقيا. وبالرغم من أن البعض يرجح تغير علاقات مصر بإثيوبيا بعد رحيل زيناوى، فإن المتوقع أن تبقى الحكومة الجديدة صارمة فيما يتعلق بملف المياه وبخاصة سد النهضة الذى يمثل التحدى الأكبر فى السياسة الخارجية لرئيس الوزراء القادم. المعروف إن إثيوبيا لعبت الدور الرئيسى فى رعاية منظمة الوحدة الأفريقية ووريثها الاتحاد الأفريقى ولعب زيناوى دورا بارزا بجانب بعض القادة الأفارقة، فى تفعيل دور الاتحاد الأفريقى، خصوصا فى مجالات الصراعات الداخلية التى تضرب الاستقرار فى جميع أرجاء القارة، وقد يؤثر غياب زيناوى بصورة رئيسية على وضع إثيوبيا فى الاتحاد، وذلك لحساب قوى أخرى تسعى للعب دور رئيسى مثل مصر ما بعد يناير، ونيجيريا وأوغندا وجنوب أفريقيا ولا شك أن إسرائيل لن تدع غياب زيناوى يؤثر سلبا على مواقعها ومصالحها فى القرن الأفريقى. نقلاً عن صحيفة الشروق المصرية