تقرير: عادل حسون يتجنب وزراء الخارجية الأمريكية المتعاقبين اللقاء المباشر برصفاءهم من السودان وفق إعداد وترتيب مسبق للقاء في إطار الدبلوماسية بين الممثلين الخارجيين للدول. حدث هذا في العقد الأخير. نحن لا ندخل في "حلف الشر" المزعم، كوريا الشمالية وإيران وسورية، لكن من المغامرات غير المحسوبة إجراء مثل ذلك اللقاء وسط مناخ من العداء غير المعترف بوجوده على أرض الواقع يحركه صقور "الكونغرس" فرانك وولف ودونالد بين وآخرين في "الإدارة" كسوزان رايس وسامنثا باور. ومع ذلك يبدو كولن باول وكوندوليزا رايس، آخر وزراء خارجية التقوا في ذلك الإطار المباشر مع رصفاءهم السودانيين. كانت "المصلحة" وحدها دافع تلك اللقاءات فالهدف ظل الحصول على مكتسبات ملموسة إبان الصراع المحموم على فصل "جنوب السودان" بالتأكد من ممارسة الجنوبيين تقرير المصير وفقا لاتفاقية السلام بين الشمال والجنوب ودون أي تدخلات منطقية من الحكومة في الشمال أو رفض منها لمراهقات الحكومة في الجنوب. الأسبوع الماضي التقى وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، بوزير الخارجية الأستاذ علي أحمد كرتي، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا على هامش مؤتمر "الاتحاد الإفريقي" المختتم أعماله قبل يومين. لم يرتب مسبقا للقاء لكن بدا حاجة الطرفان لإجراءه مجليا بعد التصريحات المتفاءلة التي تلته فبثت لوكالات الأنباء العالمية ووسائل الإعلام المتعطشة لسماع "فتيا" كيري "والنوايا الطيبة" التي عبر عنها الوزير كرتي. تفاءل كرتي، بالوعود التي أطلقها "كيري"، عن مستقبل العلاقات بين البلدين إذ وعد بتكثيف الحوار لدفع التطبيع بينهما. تحدث عن رغبة أمريكية عاجلة لتعيين مبعوث رئاسي جديد يخلف ممثل "أوباما" الأسبق الأمريكي من أصل يهودي "برنستون ليمان" يعمل بالأساس لمعالجة "ملف أبيي" المثير للقلق بين دولتي السودان ومبعث التخوف الأبرز من تسببه في نشوب حرب جديدة بين البلدين. عبّر عن حرص أمريكي لسلام واستقرار السودان ومنه لم يبخل بإدانة التحركات "الإرهابية" الأخيرة للمتمردين على مدن في كردفان. مفاجآت "كيري" قوله إن "حملةً" السلاح في جنوب كردفان والنيل الأزرق يريدون "علمانية" للأقاليم التي يدعون التحدث بإسمها ولا يسعون للانفصال عن السودان كما حدث مع الجنوب. الاهتمام الأمريكي يكشف بالأساس تطلعات "جون كيري" الباحثة عن تسجيل "إدارته" لأي نجاح بالتحرك الدائب في الشرق الأوسط. ضمن أهداف الولاية الثانية للرئيس الأمريكي الديمقراطي باراك أوباما في البيت الأبيض، تسعى "الخارجية" لحمل الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة الحوار مرة أخرى إلى جانب تكوين حلف معتدل يلعب دورا مستقبليا في مواجهة إيران قوامه الرياض وأنقرة وعمان علاوة على مواصلة "الحرب" على سورية الأسد بما يحقق مصالح "إسرائيل" ولو ببقاء "الأسد" في دمشق إلى حين إشعار آخر. "ابتسم في وجه الكلب المذعور حتى تجد حجراً ترميه به"، سياسة أمريكية بإمتياز عينها الخبراء من قبل. لا نختلف عن "سورية" كثيرا فكلا البلدين مهدد بالحجر بعد حين، فالمنظمات المؤججة للعداء "إيناف وسيف دارفور" وجماعات المصالح ولوبيات الضغط، النفط والسود والمسيحية الأصولية بداخل "الكونغرس"، تتهمان إدارة "أوباما" بالتهاون مع السودان في وقت تحافظ فيه ذات الإدارة "المتهاونة" على منع مسئولين من السفر ومواصلة فرض عقوبات اقتصادية واستمراء اتهام غير موثوق فيه بدعم السودان لنشاطات إرهابية "لحماس والجهاد" الفلسيطينيين واللعب من خلف الستار لتأجيج نيران ما يسمى "الجنائية الدولية". لكن الأمريكيون يركزون على تحقيق نجاحات تبقى في الذاكرة. قبل أيام تباهى الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش الإبن لدى افتتاح مكتبته الرئاسية بمسقط رأسه بتكساس بحضور أربعة رؤساء أمريكيين سابقين إلى جانب الرئيس الحالي أوباما بنجاح إدارته بجلب السلام إلى السودان. هل يحلم أوباما بذكرى قد يتباهى بها يوما ما عند لحظات التكريم تشمل استقرار وأمن السودان؟. الإزدواجية في المعايير تجاه السودان والابتزاز المتواصل بالإصرار على رفع سقف المطالب غير الموضوعية ذات الاشتباك مع الكرامة الوطنية في وجهه في العادة أخرجت هذه المرة نقلاً لمطالب المتمردين بعلمانية للمنطقتين وليس الانفصال. ربما يؤمل بنجاح "خارطة طريق" وضعتها إدارة أوباما في ولايتها الثانية تبنى على مراحل لتحسين العلاقات اتبعت فيها بعض الخطوات، منها السماح بتصدير بعض الآليات الزراعية للسودان ثم رفع الحظر عن النفط. الحكومة عبر المؤتمر الوطني لا تخفي تعويلها الكبير على زيارة مساعد الرئيس د. نافع فاستمرار الحوار مع القطب الأمريكي. "الإستراتيجية" الأمريكية "شيطانية" بالتأكيد فهي تقوم على قاعدة تفتيت الدول التي لديها فرصة للنمو والاستقرار حتى تضمن أمريكا انفرادها بالسيطرة على العالم. فسودان مقسم أفضل لهم من سودان موحد وقوي. أمريكا تعمل لتقسيم السودان لأكثر من خمسة دول وتسعى مع حليفتها إسرائيل على خلق أزمات مزمنة بدعمهما الفج لما يسمى "الجبهة الثورية" علاوة على دعم "دولة الجنوب" بالحق وبالباطل. "كيفية التشاور لاجراء عملية التطبيع والتي قد تأخذ وقتا لكن المهم أن نعمل بحسن نية والادارة الأمريكية لديها حسن نية للعمل مع السودان" يقول القائم بالأعمال الأمريكي بالخرطوم السفير "جوزيف استافورد" في تصريح سابق للتطورات الأخيرة دون أن ينسى نفي أي نية أمريكية لإسقاط النظام في السودان أو العمل على تقسيمه. "استافورد" يمارس دور "المهدئ" للمخاوف فيعبر بطريقته عن حسن النية المزعوم بزيارات متواصلة "لمشيخات" الصوفية والجماعة الأساسية لأنصار السنّة المحمدية في العاصمة الخرطوم ووسط البلاد. حتى هذه "المبادرات" وصفت من أكاديميين بإظهار عدم احترام أمريكى إنتقائى تجاه الإسلام بقبول جماعات النهج التربوي ورفض جماعات النهج السياسي. "العلمانية" لا تقسم البلاد بالمجمل. لكن هل استطلعت آراء أهل المنطقتين للمضي قدما لتطبيقها منهاجا إداريا وقانونيا؟. "العلمانية" قد تغدو خطوة لتنفيذ المخطط في زعم البعض. قد تكون ابتسامة أخرى في وجهنا حتى العثور على "الحجر" المناسب.