في حوار حول جدلية الدين والدولة نائب رئيس الحركة الشعبية في السودان الشمالي عبد العزيز الحلو يقول: - موقف الشريعة الإسلامية من الرق والاسترقاق غير واضح - القوي الرجعية تسعي إلي تحجيم دور المرأة وإعادتها إلي المنزل تحت ذرائع النصوص الدينية شدّد نائب رئيس الحركة الشعبية بالسودان الشمالي الفريق عبد العزيز آدم الحلو علي ضرورة تطبيق منهج علمي في الحكم قابل للقياس والتطوير،وجدد تمسك الحركة الشعبية بفصل الدين عن الدولة لتفادي ما أسماه مزيد من الانقسامات في الدولة السودانية ،وطالب المؤتمر الوطني وعلماء الدين بإصدار فتوي تحدد موقف الشريعة من عملية الرق والاسترقاق قبل ذهاب السودانيين الي صناديق الاقتراع للإدلاء بآرائهم حول مسودة الدستور الجديد التي ينوي المؤتمر الوطني إجراء الاستفتاء عليه،وأكد الحلو أن دوافع النخب الحاكمة في الخرطوم من وراء تطبيق الشريعة الاسلامية منذ 1983م هي دوافع عرقية وسياسية وليست دينية، وإن نظام الخرطوم يسعي الي تمرير أجندة ثقافية لا علاقة لها بقيم الدين الاسلامي،وهاجم الحلو نظام المؤتمر الوطني بشدة وقال إن من واجبات الدولة سَنُّ القوانين التى تحمي المواطنين من محاولات فرض عقيدة أو توجهات دينية إكراهاً عليهم. نتابع ما قاله القائد عبد العزيز الحلو في مضابط الحوار المختصر الذي أجري معه في العاصمة اليوغندية "كمبالا": بدأت الشريعة الإسلامية ومنذ العام 1983م تلعب دوراً محورياً في السياسة السودانية بل صارت طرفاً في الصراع علي السلطة، ما هو موقف الحركة الشعبية من ذلك ؟ للحركة الشعبية لتحرير السودان موقف مبدئي فيما يتعلق بمسألة الدولة الدينية أو علاقة الدين بالدولة، ولا يقتصر ذلك علي الشريعة الإسلامية فقط،بل يشمل كافة القوانين الدينية ،إسلامية كانت أو مسيحية أو هندوسية،والحركة الشعبية تنادي بالعلمانية لضرورة إخراج السلطة الزمنية من الدين وتطبيق منهج علمي في الحكم قابل للقياس والتصحيح والتطوير،ويمكن إجمال موقف الحركة الشعبية دون ابتسار في ثلاثة نقاط هي: 1- لا يحق للدولة أن تفرض أي دين أو ممارسة دينية علي المواطنين. 2- تكفل الدولة حرية الاعتقاد والتدين والتعبد والتنظيم والدعوة بالطرق السلمية. 3- من واجب الدولة سَنُّ القوانين التي تحمي المواطنين من محاولة أي فرد أو جماعة القيام بفرض عقيدة أو توجهات دينية علي هؤلاء المواطنين. إذاً ما هي دواعي هذا الموقف المتشدد من الحركة الشعبية، خاصة أن المؤتمر الوطني يقول بأحقية الأغلبية في السودان الشمالي أن تختار نوع القانون الذي يحكمها؟ إن مبرر الأغلبية في مواجهة الأقلية حجة واهية ولا تقوم في إطار الدولة الحديثة ومبادئ وقيم النظام اللبيرالي ،حيث أن الفرد هو الأساس وأن الدولة ما وجدت لا لخدمته وحماية حقوقه وحرياته وصون كرامته، ورغم ذلك هنالك عدة أسباب اقتضت موقف الحركة الشعبية هذا وتمسكها بضرورة فصل الدين عن الدولة وهي: - أسباب متعلقة بطبيعة الدين نفسه. - أسباب متعلقة بتأريخ الممارسة الدينية في السياسة. - أسباب مرتبطة بطبيعة الدولة الحديثة والمجتمع الحديث. - أسباب أخري خاصة بالممارسة الدينية في السياسة في السودان وجبال النوبة علي وجه التحديد. الفريق الحلو هل بإمكان توضيح وتفصيل هذه الأسباب التي ذكرتها ؟ بخصوص الأسباب المتعلقة بطبيعة الدين نفسه،نجد أن أساس الدين وأهم قيمة فيه هي " الإيمان" ومن المعلوم أن الإيمان مكانه الضمير والضمير مجاله الفرد، وبالتالي لا يمكن أن يتم فرض الدين قسرياً علي الفرد وذلك لأن أهم قاعدة في الدين هي ( أنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ مانوى ) . أما فيما يختص بتأريخ الممارسة الدينية في السياسة، ثبت تاريخياً أن أي دولة تقوم علي الأساس الديني هي دولة تضطهد رعاياها الذين يخالفون توجهاتها حتي في إطار الدين الواحد نفسه ( كاثلوكي،بروستانت) و( سنة ، شيعة) وأن سياسات الدولة الدينية دائماً تؤدي الي الاضطهاد والحروبات وتاريخ الإسلام منذ الفتنة الكبري خير شاهد علي ذلك وأن الحروب الدينية مازالت مشتعلة الي يومنا هذا ( أفغانستان وجميع سكانها مسلمون) .. العراق ( سنة وشيعة).. السودان (الحرب علي دارفور المسلمة). أما بخصوص طبيعة الدولة الحديثة والمجتمع الحديث نجد أن أهم ما في الدولة الحديثة هو أنها دولة مؤسسات تقوم علي اختلاف الاختصاصات وأن هذه المؤسسات قادرة علي البحث والتقصي وإيجاد حلول لمشاكل المواطنين بعيداً عن ( المقولات) الدينية، وتسند هذه المؤسسات كليات علمية متخصصة ( الطب / إقتصاد / قانون / علم نفس / جيولوجيا / فك..إلخ)، وفي الدولة الحديثة تستطيع هذه المؤسسات عبر البحث العلمي من تقديم معالجات لكافة القضايا التي تواجه المجتمع بما في ذلك قضايا الأخلاق وفي المجتمع الحديث يتم التفريق بين المجال العام والمجال الخاص وبالتالي فإن القوانين التي تصدر عن الدولة تكون مختصة بالمجال العام مع إعطاء الفرصة للمجالات الخاصة لتقوم بِسَنِّ قوانينها كلياً في ( المسجد / الكنيسة / النادي..إلخ). أما فيما يختص بنا نحن في السودان وجبال النوبة علي وجه التحديد فإن موضوع الشريعة الإسلامية ارتبط بشئ مهم في تاريخه كالقانون فتأريخنا في السودان عموماً وفي جبال النوبة بالأخص،حيث أباحت الشريعة الإسلامية عملية الرق والاسترقاق،عليه فنحن لا نقبل أن تكون الشريعة الإسلامية بمثابة القانون الأعلي بالدولة لأنها تبيح أشياء لا تبيحها قوانين الدولة الحديثة،وبما أن نظام المؤتمر الوطني متمسك بالشريعة الإسلامية كمصدر أوحد للدستور، ويستبق المؤتمر الوطني الأحداث بالدعوة إلي استفتاء الشعب السوداني علي الدستور الإسلامي الذي تمت صياغته مسبقاً دون إطلاعنا نحن في الحركة الشعبية عليه.و نطالبهم بفتوي تحدد موقف الشريعة من عملية الرق والاسترقاق هل كانت مباحة في الإسلام أم لا؟ ثم بعد ذلك يمكن للسودانيين الذهاب إلي صناديق الاقتراع للإدلاء بآرائهم حول مشروع الدستور. الفريق الحلو محاولات فرض الشريعة الإسلامية مستمرة منذ الخمسينيات الي أن تم فرضها عملياً في العام 1983م، ما هي دوافع القوي السياسية التي تقف وراء هذا الإصرار؟ الدولة السودانية لم تحارب دارفور المسلمة قبل إعلان الشريعة في العام 1983م ، والدولة لم تقوم بإعلان الجهاد علي شعب جبال النوبة وتكفيرهم في العام 1992م قبل تطبيق الشريعة الإسلامية ، هذه الحقائق تكشف بوضوح دوافع النخب الحاكمة من وراء تطبيق الشريعة الإسلامية وإنها دوافع عرقية وسياسية وليست دينية وهي محاولات لتمرير أجندة ثقافية لا علاقة لها بقيم الدين الإسلامي، كما نجد أن الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية قد هدفت إلي تحجيم عملية تحرير المرأة السودانية التي بدأت في إرتياد دور التعليم والمشاركة الفاعلة في الحياة السياسية، لذلك سعت القوي الرجعية الي إعادة المرأة الي المنزل تحت ذرائع النصوص الدينية.