السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإمام الصادق المهدي: الحق أحق أن يتبع
نشر في سودانيل يوم 08 - 01 - 2018


بسم الله الرحمن الرحيم
1/1/2018م
العلاقات بين دولتي وادي النيل علاقات مصيرية لا ينبغي أن تترك لمساجلات حكومية أو مزايدات إعلامية. أولى بالحكماء في البلدين أن ينهضوا لتقويم ما يعتريها من اعوجاج.
1. المدخل الصحيح لحل المشاكل هو تشخيصها بموضوعية فالحكمة دائماً "إذا تباينتم ما تدافنتم".
فمنذ 30 يونيو 2013م تفاقمت الأمور بحيث عدت حركة الأخوان المسلمين حركة إرهابية.
هذا بينما النظام الحاكم في السودان أقامته حركة ذات مرجعية أخوانية. وفي مرحلة تأسيسه حظى بدعم الحركة الأخوانية الدولية. وما زال متحالفاً مع أحزاب أخوانية سودانية.
المواجهة بين نظام الحكم في مصر وحركة الأخوان دخلت طرفاً فيها عناصر ذات عداء تاريخي وأيديولوجي مع حركة الأخوان، وهم حريصون على منع أية مصالحة مع الأخوان بل العمل على اجتثاثهم.
2. الحركة الأخوانية في مصر ارتكبت مجموعة أخطاء غذت الحجة ضدها أهمها:
(‌أ) لأسباب موضوعية أدركت حركة الأخوان أنها غير مستعدة لولاية حكم البلاد وأن البلاد غير مستعدة لقبول حكمها، لذلك أعلنت الترشح في 30% من المقاعد التشريعية، وعدم الترشح للرئاسة. لكن عوامل آتية من خارج المجتمع المصري أقنعت الحركة بالعدول عن ذلك الموقف. هذا التأرجح بدا لكثيرين مجرد مناورة.
(‌ب) وقف مع د. محمد مرسي في جولة التصويت الأولى 5 مليون ناخب. ولكن صوت له في الجولة الثانية 13 مليون وزيادة. تقديراً لهذه الحقيقة اجتمع الرئيس المنتخب مع ممثلي القوى الساسية غير الأخوانية التي صوتت له. وأجرى معهم اتفاقاً في فندق فرمنت. اتفاق لم ينفذ.
(‌ج) وفي نوفمبر 2012م أصدر الرئيس المنتخب إعلاناً دستورياً حصن قراراته من نفوذ القضاء.
(‌د) انسحب عدد معتبر من أعضاء اللجنة التأسيسية المكلفة بكتابة الدستور من القوى السياسية غير الأخوانية كما انسحب ممثلو الكنيسة.
(‌ه) الاستقطاب الحاد الذي نشأ في البلاد أدى لتكوين جبهة إنقاذ ضد الحكومة الأخوانية. أنا وزملائي في منتدى الوسطية العالمي أدركنا خطورة الاستقطاب على التجربة الديمقراطية المصرية وذهبت ود. مروان الفاعوري لمقابلة د. محمد مرسي رئيس الجمهورية يومئذٍ، كما اتصلنا بقيادة جبهة الإنقاذ، ووضعنا مشروعاً توفيقياً. المشروع قبلته قيادة جبهة الإنقاذ ووعد د. محمد مرسي بدراسته، ولكن عندما التقينا المرشد ونائبه قال لنا السيد رفعت الشاطر إن الرئيس لن يقبله. والمعنى أننا لا نقبله وسوف نبلغ الرئيس بذلك.
أدركنا أن القرار السياسي في المقطم وليس في قصر الرئاسة. هذه الحقيقة أقنعت كثيرين في مصر أن من انتخبوه لا يحكمهم بل قيادة أخرى. وانتشر شعور بأن الحركة الأخوانية تحكم البلاد بنهج حزبي بث المخاوف لا سيما والتجربة السودانية ذات المرجعية الأخوانية ظاهرة للعيان وظاهر تأسيس حكمها على التمكين وإقصاء الآخرين.
(‌و) هذه المآخذ أدت إلى حركة 30 يونيو 2013م، وما اعقبتها من تداعيات، حتى فض اعتصامات الأخوان وأهمهما في مسجد رابعة بالقوة المفرطة. هذه المواجهة أدت إلى تصريحات نارية: قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، حنولعها فيكم، حنسحقكم، ما يحدث في سيناء سوف ينتهي فوراً عندما يعود محمد مرسي للرئاسة.. وهلم جرا.
(‌ز) وأصدرت الهيئة الشرعية للأخوان قرارات بإجازة الاغتيالات ثأراً. وأكدت الالتزام ببيعة د. محمد مرسي، وصدر نداء الكنانة إعلاناً للحرب على نظام الحكم القائم.
3. الحكومة التي تكونت في 3 يوليو 2013م اتخذت إجراءات يعاب عليها:
(‌أ) فض الاعتصامات الأخوانية لا سيما في مسجد رابعة بالقوة المفرطة.
(‌ب) اعتبار الحركة الأخوانية حركة إرهابية تماماً مثل بيت المقدس، وأجناد مصر، والقاعدة، وداعش.
(‌ج) إلحاق كل المعارضين للنظام الجديد حتى شباب الثورة بالأخوان وقبض الحريات.
(‌د) إفساح المجال لأعداء الأخوان التاريخيين والأيديولوجيين لشيطنة الأخوان وللطعن في ثورة 25 يناير 2011م وإجراء محاكمات انتقامية.
هذا الاصطفاف لمعارك حتى كسر العظم أزعجني لإدراكي ما سيعود لمصر، ولنا في السودان، بل وللمنطقة من مضار، ووجدت أن واجبي أن أعمل بكل ما استطيع لنزع فتيل هذه المبارزة. ومع أنني من ضحايا فرع أخواني في السودان استبد بالسلطة انقلابياً وأذاق أهل السودان الويلات، اهتديت بالتوجيه الرباني: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ)[1]. واهتممت بمقولة السيد إبراهيم منير نائب المرشد وأمين التنظيم الدولي الذي تخلى عن القصاص. ورفض العنف ضد الدولة. وشبه الداعين له بشباب محمد الذين خرجوا على الشيخ حسن البنا باتهامه بالتهاون مع السلطة وأكد أن الأخوان خطهم: سلمي وسطي.
وتذكرت المراجعات التي حدثت في ثمانينيات القرن العشرين للجماعة الإسلامية المصرية، وكتبت خطاباً مفتوحاً للرئيس عبد الفتاح السيسي أناشده أن يستخدم سلطاته لإصدار عفو عن المحكومين بالإعدام ليفسح المجال لمراجعات تثمر مصالحات. هذه المناشدة لم تجد استجابة بل دفعت بعض اليساريين المهمومين بتصفية حساباتهم مع الأخوان لاستنكار المناشدة بل وإعلان أن الرئيس نفسه لا يستطيع إصدار عفو عن هؤلاء المجرمين لأن سحقهم إرادة شعبية غالبة.
4. كان المرحوم نجم الدين إربكان مؤسس الحركة السياسية التركية ذات المرجعية الأخوانية زميلي في المجلس الإسلامي الأوربي، وكان حزبه يحظى بشعبية لأن الشعب التركي قوي الانتماء للإسلام، ولكن كلما حقق الحزب نصراً انتخابياً حرمته القوات المسلحة التركية من قطف ثمار تأييده الشعبي.
السيد رجب طيب أردغان من زملاء المرحوم نجم الدين أربكان، وهو وزملاؤه قرروا مفارقة حزب أربكان واستصحاب الواقع العلماني الذي تحرسه الدولة العميقة في تركيا.
قاد حزب العدالة والتنمية بقيادة أردغان تجربة ناجحة في إدارة بلدية اسطنبول، وفي الانتخابات العامة نال أغلبية برلمانية، وكون الحكومة، وصار دون شك القوة السياسية الشعبية الأكبر في تركيا. قيادة حزب العدالة والتنمية حققت نجاحاً تنموياً وسكتت عن الصفة الإسلامية، وتصالحت مع الدولة العميقة في تركيا.
تجربة العدالة والتنمية في تركيا وجدت من كثير من المؤمنين بدور في الحياة العامة للإسلام تأييداً، وباركناها باعتبارها قدمت أنموذجاً ناجحاً. ولكن الذين ما زالوا مسكونين بالفكر الكمالي لم يرضهم هذا النجاح، ولا شك أنهم كانوا وراء المحاولة الانقلابية للقضاء على مشروع حزب العدالة والتنمية.
عندي معارف من أعضاء حزب العدالة والتنمية هنأتهم على القضاء على المحاولة الانقلابية، ولكنني نبهت أن ردة الفعل على الانقلاب كانت عنيفة وشملت معاقبة أبرياء وقلت لهم إن اعتبار جماعة الخدمة بقيادة السيد فتح الله قولن إرهابية، والعمل على استئصالها اتجاه خاطئ، فهذه الجماعة متوغلة في المجتمع التركي بل وعالمياً في كثير من الأنشطة الاستثمارية والتعليمية والمدنية، ولا يمكن محوها بإجراءات أمنية، والخط الصحيح هو إجراء مصالحات معها لا سيما وهي تعلن البراء من أية صلة بالمحاولة الانقلابية.
كما أنني في لقاء مع أحد قادة الحكم التركي في إسلام أباد قلت له إن نجاح حزب العدالة والتنمية تحقق عن طريق التزواج بين الواجب والواقع، ولكن الحركة الأخوانية في مصر وفي السودان لم تجر أية مراجعات مطلوبة، فإن التحالف معها وتبني قضيتها يتناقض مع نهج حزب العدالة والتنمية داخل تركيا فكأنما هذا الحزب تجاوز نهج أربكان داخل تركيا ولكنه تحالف معه خارج تركيا.
وفي 12/12/2017م زارني السفير التركي في السودان وأبديت له ترحيباً بزيارة الرئيس أردغان المزمعة للسودان وقلت له إنني منذ حين صرت لا أصف الدور العثماني في السودان بالتركية بل أصفه بالعثمانية باعتبار (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ)[2] والأجدى لتركيا الجديدة أن تترك تقييم تلك الحقبة للتاريخ، وأن تطل على العالم بالوجه الجديد.
5. زيارة الرئيس أردغان للسودان حققت مكاسب في إطار التواصل بين الشعوب والتعاون التنموي والتجاري ولكنها وقعت في ثلاثة أخطاء هي:
أولاً: التجربة الخديوية والعثمانية في السودان مستنكرة للغاية اتخذت طابعاً امبريالياً، وبدأت بمطالب ظالمة للمك نمر في شندي أن يدفع أتاوة من ألف أوقية ذهب، وألفين من الرقيق، وألف بعير، وكذلك من الأبقار والضان وأن يركع المك نمر للباشا. المك نمر استنكر هذه المطالب ودبر حرق الباشا بالنار. نتيجة لذلك أرسلت حملة الدفتردار الذي فرض عقاباً جماعياً دامياً على السودانيين بصورة أفزعت الشعور السوداني، ثم أقام الغزاة حكماً ظالماً خلده السودانيون بمقولة "عشرة رجال في تربة ولا ريال في طلبة".
إشادة الرئيس التركي الزائر بهذه التجربة خطأ، وكان أولى به كما ذكرنا لأصدقائنا الأتراك أن تعتبر تلك فترة تاريخية مضت لا ينبغي جعلها أساساً للعلاقة مع تركيا الحديثة.
ثانياً: الحركة الأخوانية في مصر وكذلك في السودان لم تجر المراجعات المطلوبة للتوفيق بين والواجب والواقع. ولكن الرئيس الزائر تبنى الموقف الأخواني وفي كل المناسبات في السودان حرص على رفع شعار رابعة بيديه.
ثالثاً: الخطأ الثالث مرتبط بتفريط المضيف السوداني وإعطاء الانطباع أن جزيرة سواكن سوف تمنح لتركيا والإشارة لوجود اتفاق على ذلك وملحق سري.
هذه الإشارات غير مقبولة لدى أهل السودان، وهم يؤيدون الاهتمام بتطوير سواكن ويرون أن ذلك يجب أن يتم عبر قانون لتطوير سواكن، وتحديد إجراءات تقوم بها الحكومة السودانية في سبيل ذلك، ودعوة تركيا بموجب هذا القانون أن تساهم في هذا التطوير بصورة تحدد الحقوق والواجبات.
أما إعطاء تركيا "كانتون" في سواكن لتفعل به ما تشاء فغير مقبول.
نحن نعتقد أن لتركيا دور دولي وإسلامي مهم ونقول باستمرار أن الأمن والسلام في منطقتنا يتطلب معاهدة أمن وتعايش عربية، تركية، إيرانية، وبالنسبة للسودان ينبغي إبرام اتفاقية أمن وتعايش أفريقي مع جيرانه في شمال وجنوب الصحراء.
أما ما رشح في زيارة الرئيس أوردغان للسودان من: دفاع عن التجربة العثمانية الخديوية، وتبني الأخوانية الدولية، فهما جانبان يرفضهما الشعب السوداني وإن امتثل لهما نظام مرتبك ويائس يتهافت من أجل علاقات مع الآخرين دعماً لشرعية متاكلة.
6. تميزت رسالة الإسلام بأربع حقائق فاقت كل ما عداها وصارت قابلة للتجدد في كل قرن تزاوجاً بين الواجب والواقع هي:
تأكيده أن للإنسان حق وكرامة لمجرد إنسانيته(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)[3].
تأكيده أن الرسالات كانت لأقوام ولكنه للناس كافة (مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)[4].
تأكيده أن النصوص تتطلب التدبر (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا )[5].
إفساحه المجال لمصادر إنسانية للهداية هي الحكمة، والمقاصد، والعقل، والمنافع، والإلهام.
انطلاقاً من هذه الحقائق علينا أن نعرف هداية الإسلام في عصرنا.
فيما يتعلق بالأمور الثابتة وهي التوحيد، والنبوة، والمعاد، والأركان الخمسة فإن هداية الإسلام ثابتة.
ولكن فيما يتعلق بأمور المعاملات والعادات فنحن مطالبون على أساس الواجب الإسلامي والواقع الفكري، والثقافي، والاجتماعي وعلى ضوء تجاربنا أن نجتهد في بيان أمرنا لا سيما في أمر الحركات الموصوفة بالإسلام السياسي وعلى رأسها حركة الأخوان المسلمون. المطلوب إجراء مراجعات على العشرة أسس الآتي بيانها:
1. لا يجوز لبشر التحدث باسم الله أو إدعاء أن موقفه هو موقف الإسلام إنما حقه أن يتحدث باسم اجتهاده أو اجتهادهم الإسلامي في القضية المعنية.
ولذلك فإن مسألة ولاية الأمر مسألة اجتهادية بشرية لا ربانية. الوحيد الذي كانت ولايته بأمر إلهي هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن حتى أول خليفة أبوبكر رضى الله عنه فإن ولايته بشرية أكدها هو نفسه بقوله في خطبة بيعته: "وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ (بشرياً) وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ (جواز ولاية المفضول) فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وَإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُونِي (المساءلة) الصِّدْقُ أَمَانَةٌ، وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ (الشفافية) والضَّعيف فيكم قَوِيٌّ عندي حتى أرجِّع عَلَيْهِ حقَّه إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمْ ضعيف عندي حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (سيادة حكم القانون)".
ولكن لغياب المشاركة واعتماد السلطة على القوة ادعى خلفاء آخرون لأنفسهم ولاية أمر إلهية. خليفة بني أمية الأول معاوية قال إنهم ولاة الأمر بإرادة إلهية، وأن الله إن لم يرض حكمهم لغيّره.
وادعى العباسيون على لسان أبي جعفر المنصور ولاية إلهية بقوله: إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده، وحارسه على ماله أعمل فيه بمشيئته وإرادته وأعطيه بإذنه.
هذه الادعاءات الثيوقراطية باطلة. وهي ودمج السلطات الثلاثة في يد واحدة مدى الحياة حولت الخلافة لعظم نزاع دموي مستمر، بحيث اغتيل الذين خلفوا النبي في العهد الأول واغتيل خمسة من خلفاء بني أمية، واغتيل اثنا عشر من خلفاء بني العباس، ما جعل الفقهاء يمنحون الشرعية لمجرد التغلب كما قال ابن حجر العسقلاني وما جعل الشهرستاني يقول: ما سل سيف في الإسلام على نحو ما سل في أمر الإمامة والخلافة.
الخلافة التاريخية ليست أنموذجاً يتبع وليس لها سند من قطعيات الوحي بل هي اجتهاد بشري لم يحقق مقاصد الشريعة السياسية في الشورى، والعدالة، والحرية.
والتطلع لإقامتها على كافة بلاد المسلمين غير وارد بل كانت فترة دولة الخلافة الموحدة قائمة لمدة 150 عام أي 10% من التاريخ الإسلام لتعقبها دول متعددة.
كذلك ادعاء أن الحاكمية في أمر ولاية الأمر لله سبحانه وتعالى ادعاء غير صحيح، فأمرها بشري على نحو ما قال الإمام على رضى الله عنه في رفض مقولة الخوارج.
ادعاءات خلفاء بني أمية وبني العباس في التاريخ القديم، ومقولة الحاكمية والتعيين الإلهي للأئمة وولاية الفقيه كلها أنماط ثيوقراطية بينما ولاية الأمر شأن بشري يحدده الناس شورى بينهم.
2. الدولة الوطنية الحديثة هي وحدة النظام السياسي الحديث، وفي إطار دستورها تراعي الواجبات الإسلامية وفي علاقات تعاهدية بين الدول الوطنية يمكن تحقيق الاتحاد الاختياري الممكن.
والنظام الدولي المعاصر اليوم يقوم على التعاهد من أجل السلام والتعاون الدولي.
إن لمثل هذا التعاهد أساساً في مبادئ الإسلام، ولكن النظام الحالي أسسه المنتصرون في الحرب الأطلسية الثانية وخصوا أنفسهم بنصيب الأسد فيه. مبدأ إقامة علاقات من أجل السلام والعدالة صحيح، ولكن نظام الأمم المتحدة الحالي غير عادل ما يتطلب إصلاحه.
3. صحيفة المدينة التي أصدرها النبي صلى الله عليه وسلم تحتوي على نواة دولة مدنية تتطلب من كل سكانها التزاماً واحداً لحفظ أمنها والدفاع عنها، وتمنحهم حقوقاً متساوية في إدارة شؤونهم الملية والمالية.
لا يوجد كيان قطري اليوم خالٍ من تنوع ديني بين سكانه، وحتى إذا كانوا اتباع ملة واحدة فبينهم اختلافات طائفية. ويوجد تنوع إثني وثقافي. عوامل تعدد تتطلب توفيقاً لطيفاً بين الوحدة والتنوع في إطار المواطنة الواحدة.
4. كفالة الحرية الدينية تكفل للمسلمين حق تكوين هيئات دعوية لممارسة واجبات الدعوة والإرشاد على ألا تنافس في المجال السياسي على ولاية الأمر تولياً لها أو نقداً لولاة الأمر.
5. فيما يتعلق بولاية الأمر السياسي فإن طبيعة الأشياء فيها تنوع الآراء والتنافس الذي إذا لم تتوافر له قنوات سلمية اتخذ وسائل أخرى.
6. ينظم التدافع السياسي عبر منظمات سياسية أي أحزاب تؤسس بصورة تكفل وسائل المشاركة فيها ووسائل انتخابات القيادة فيها. وينبغي أن تكون هذه الأحزاب مفتوحة لمشاركة كل المواطنين الذين يرتضون برامجها.
هذه الأحزاب ينبغي ألا تتخذ لنفسها أسماء دينية بل أسماء تشير للمبادئ التي تدعو لها كالعدالة، أو الحرية، أو المساواة، أو الإصلاح، أو السلام.
الدولة المنشودة توصف بأنها مدنية لمساواة مواطنيها في الحقوق.
وقطعاً لا تنسب لدين لأن هذا يجعلها ثيوقراطية. ولا تنسب للعلمانية لأن العلمانية فلسفة تنكر حقائق الغيب. ويجوز للدولة أن توصف بصفات مقبولة لكل مواطنيها مثل: العقلانية، والديمقراطية، والمساواة.
7. الدعوة لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية دعوة مشروعة على أن تقوم على اجتهاد جديد يزاوج بين الواجب والواقع، ويحدد الأولويات، ويراعي حريات الآخرين الدينية وحقوق المواطنة ويلتزم بالآلية الديمقراطية.
8. الشعار الإسلامي دخل مجالات التطبيق في العصر الحديث في عدد من البلدان كما في التجربة السودانية والتجربة المصرية، في مجال المرجعية الأخوانية. وتجربة طالبان في أفغانستان، وتجربة داعش في مجال تطبيق تجارب ماضوية.
المطلوب دراسة هذه التجارب وبيان مالها وما عليها بصورة موضوعية فلا يكفي أن نقول ما فيها من إيجابيات بل نحدد تلك الإيجابات للاقتداء بها. ولا يكفي إدانة سلبياتها بل تذكر لتجنبها.
وأهم درس مستفاد أن تجارب التطلع الإسلامي ينبغي أن تتجنب أساليب العنف، لأن هذا نهج الغلو والإرهاب، ومن شأنهما شيطنة الدعوات المعنية خاصة تجنب مقولة إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعلت الذلة والصغار على من خالف ومن تشبه بقوم فهو منهم.
هذا ليس الأسلوب النبوي، ولا هو بالنهج القرآني الذي فيه (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [6] وفيه (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)[7]. وهو يجافي الواقع فأين الساعة بعد ألف ونصف الألف من زمان النبي؟
كما ينبغي أن تدرس التجارب العلمانية اللبرالية، والقومية، والشيوعية، والنظم العسكرية للاستفادة مما جرى فيها، فكل تجربة حتى إن أخطأت تبين لنا طريق آخر من تجنب الخطأ.
9. كذلك تدرس نظم التضامن الإقليمية والدولية لتحديد مدى تطابقها مع أهدافها، وتحديد ما تتطلب من إصلاحات على أساس مبادئ الإسلام ومبادئ النهوض الإنساني الذي أثمرته التجارب الإنسانية الفاضلة.
إن الذين يرفعون شعارات إسلامية من المنسوبين لصفة "الإسلام السياسي" مطالبون بإجراء هذه المراجعات لأن كثيراً من أقوالهم وأعمالهم أضرت بقضية الإسلام وبررت شيطنة شعاراتهم.
7. وعلى صعيد أوسع من حركات "الإسلام السياسي" فإن الأمر يتطلب أن يتنادى العلماء والمفكرون إلى مؤتمر بعنوان (الإسلام والعصر الحديث) لدراسة الأمر والاتفاق على وثيقة هادية.
________________________________________
[1] سورة المائدة الآية (8)
[2] سورة البقرة الآية (134)
[3] سورة الاسراء الاية (70).
[4] سورة سبأ الاية (28).
[5] سورة محمد الاية (24).
[6]سورة البقرة الاية(256)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.