يعتبرالشعب السودانى من أكثر شعوب الأرض المسلمة إن لم يكن أكثرها ترديدا لعبارة "علىَ الطلاق" وقد بلغ بنا الأمر نحن السودانيين أن صرنا نرددها فى كل شأن من شئون حياتنا الإجتماعية.....علَىَ الطلاق ما جاى ......علىَ الطلاق ما تطلعى من البيت ......علىَ الطلاق ما أشتريها ... وهلم جرا.... وعبارة "علىَ الطلاق" لها فى السودان عدة نماذج ......هنالك نموذج طلاق الزعلة الذىقلما يفشل أى شيخ له باع فى الفتوى أن يجد له مخرجا وكأن من يطلق العبارة يكون فى لحظة إطلاقه لها فى حالة إنسجام مع أغنية لثنائى العاصمة ... يميل معها ويهتز لها طربا..... كذلك هنالك نموذج طلاق الزنقة ومن طرائفه أن جارنا العزيز جدا يرحمه الله كان ممن يرددون العبارة بمناسبة وبدون مناسبة ... كان يعمل اسكافيا وحدث أن وعد أحد زبائنه أنه سوف يقوم بتسليمه جوز حذائه فى يوم الأحد القادم (آنذاك) لكنه لم يستطع الإلتزام بالموعد كعادة بعضنا لا كعادة كل السودانيين كما يدَعى أهل الخليج .....وجاءه الزبون فى وقت متأخر من يوم السبت ليذكره أنه آت إليه غدا .....لكن جارنا العزيز لم يتذكر جوز الجذاء إلا عند رؤيته للزبون .... فما أن رآه حتى بادره قائلا "علىَ الطلاق بكرة فى واحد قريبنا إتوفى...." وأخيرا هنالك طلاق الرجالة والفرسنة والسخونية الزائدة عن الحد التى تشبه أهلنا الجعليين كما تورط صديق علم بعد حين أنه كان قد حلف على أصدقائه وبالثلاثة أن يتناولوا الغداء معه لكنهم لم يفعلوا لأنهم هم أيضا كانوا قد وعدوا صديقا آخر حلف عليهم لتناول الغداء معه.....ولا يعرف صديقى حتى تأريخه إن كان الطلاق وقع أم لم يقع ... !!! أحد أصدقائى بمدينة جدة السعودية كان أول من أسمعه يردد عبارة "علىَ الطلاق" سياسيا .....كنا نتحدث فى شأن الإنتخابات القادمة فى السودان وكان فيما يبدو متشككا فى كل شأن إنقاذى بحكم ولاءاته السياسية المتوارثة لديهم فى أسرتهم...... قال لى صديقى "أنظر إلى ما حدث فى كينيا .... أنظر إلى ما حدث فى أفغانستان ..... أنظر إلى ما حدث فى إيران ..... لماذا يكون أهل الإنقاذ إستثناء لذلك ؟؟؟ ...علىَ الطلاق من دا الحين (هسة) مزورة ...... " ويستطرد صديقى قائلا "إنت ما سمعت ما قيل وكتب عن التسجيلات وما صاحبها من تزوير ؟" وبغض النظر عن كل ما قيل وكل ما كتب ... فقد قمت بالتسجيل فى قنصلية السودان العامة فى جدة ووجدت حضورا لا تخطئه العين للأحزاب المعارضة كما يحلو للناس تسميتها ....وأشهد الله أن الإجراءت التى تمت فى وجودنا لو تمت كما رأيناها فى كل مراكز التسجيل وبنفس الأسلوب فلا مجال للتزييف والتزوير ولا يبدو المجال متاحا لإدراج أسماء وهمية أو أسماء لأناس توفاهم الله أو غادروا أرض الإغتراب ... أما إذا كان المقصود بالتزوير هو قيام المؤتمر الوطنى بحشد مؤيديه وحثهم على التسجيل الأمر الذى ربما لم يستطع الآخرون القيام به بذات المستوى فهذا إتهام لا يعتد به .... لكن دعونى أتساءل: ألم يكن المجال المفتوح لتلقى الطعون كافيا للإعتراض على كل ما يخالف قواعد التسجيل ؟ الأمر المثير للدهشة أننا ما زلنا نعانى من جاهلية الديمقراطية الثالثة مع احترامى التام لكل من يعتقد بأنها الأنسب لحكم السودان !!! ولست هنا بصدد محاكمة تلك الديمقراطية أوإبداء الرأى فيها غير أننى فقط أقول أننا يجب أن نتذكر أننا داخلون على تجربة ديمقراطية تختلف تماما عن التجربة الوستمنسترية حيث يكون الأمر كله بيد حزب الأغلبية أو بيد حزبى الإئتلاف وإن اختلفا على بناء مدرسة فى أم ضوا بان ينفض الإئتلاف وتظل البلاد ويظل العباد بلا حكومة لشهور عديدة ..... نحن أخوتى أمام تجربة ديمقراطية أوسع وأشمل .. هى فى رأى الأنسب لحكم السودان .. يستطيع الجميع أن يشارك فيها ويدلى برأيه ويتولى المناصب من خلالها ومهما بلغ بنا الإختلاف لا تسقط الحكومة كلها عدا رئيس وزرائها .... بل يتم التعاطى مع مواطن الخلاف دون أن يتأثر الكل .... نعود إلى أمر التزوير الذى أقسم صديقى بأنه حادث لا محالة .... وأتساءل عن فرص تزوير الإنتخاب فى ظل المراقبة الكثيفة التى سوف تمارسها الأممالمتحدة والمنظمات الدولية الأخرى ..... هل من الممكن أن تتم عمليات تزوير يكون تأثيرها مباشرا على نتائج الأنتخاب على أى مستوى ..رئاسيا كان أم برلمانيا ؟؟ ...هل من الممكن أن يكون التلاعب المفترض بأصوات الناخبين ذا تأثير على الواقع السياسى ؟؟؟ لا أظن ذلك ..... أكثر ما أخشى وهو فيما يبدو واقع لا محالة أن يعتبر الفوز المتوقع للرئيس عمر البشير برئاسة الجمهورية كما أقسم صديقى فوزا مفبركا ومغشوشا بالرغم من علمنا التام أن الرئيس البشير هو الأوفر حظا ليس فقط بحكم وجوده على ذات المنصب لسنوات عديدة لكن كذلك بحكم أدائه المتميز مقارنة بكل من حكم السودان منذ استقلاله .... من المؤكد أن الكثيرين يختلفون معى فى هذا الرأى لكن دعونا وبكل تجرد نتساءل ..... لماذا يتهم الرئيس البشير بأنه هو الذى قاد بسياساته إلى تفتيت وحدة السودان .....والتسبب فى اندلاع الحرب الأهلية فى دارفور ... والكثير من التهم التى لا يسندها منطق غير منطق التحيز الفاضح لولاءات موروثة والتمترس حول لاءات لو فكرنا فيها جيدا لقلبناها نعمات دون أدنى تردد .... قبل أن يفجر عمر البشير طاقات الأرض .... من كان يفكر فى التعرض للسودان أوفى التآمر على السودان ......؟؟؟ هل يلام عمر البشير على أنه فعل ما كان يجب على من يعارضونه الآن أن يفعلوه منذ عشرات السنين ........ وفى يقينى أنه لو لم يفعل ما فعل لكانت دارفور الآن فى سبات عميق ولكانت حرب الجنوب تراوح مكانها وتأتينا الأخبار بأن القوات المسلحة استردت مدينة توريت وأن المتمردين يتراجعون إلى الحدود اليوغندية ...... يجب أن نفهم سادتى أن سودان ما قبل عمر البشير هو سودان إفريقيا المريض الذى لم يجد من يداوى أمراضه .... كل ما كنا نسمعه من عبارات المواساة أن كل دول العالم تكن للسودان والسودانيين كل الود .... لماذا .... لأنه لا يهش ولا ينش .... وكيف يهش ... بل كيف ينش وهو نائم نومة تماثل نومة أهل الكهف لم يستطع حتى بعد أن فاق منها أن يقنع حتى محيطه العربى القريب أنه أضحى صاحيا ونشطا مثل غيره من أمم الأرض.... سادتى الكرام ..... يجب أن يفخر كل من تجرى فى عروقه الدماء السودانية بما حدث من تغيير فى السودان خلال العشرين عاما الماضية بالرغم من مرارتها ...بالرغم من قسوتها ......وبالرغم من شدة إيلامها.... فقد كانت دواء مرا لابد منه .... ولإن أضحت الظروف مواتية للعبور إلى آفاق عهد جديد يتم الإحتكام فيه إلى صندوق الإقتراع علينا إعمال المنطق القائم على حب هذاالوطن والتفانى فى خدمته ... كما يجب علينا أن نتقبل نتائج الإنتخابات بذات الروح التى أحببنا بها السودان الوطن ... وأن ننسى ولو لحين فكرة التزوير لأننا نختلف عن كل دول العالم فى كل شىء ....... حتى فى التزوير..... أما صديقى صاحب "علىَ الطلاق من هسة مزورة" ...... أقول له "إتق الله فى أهلك ووطنك".