التعليم على أيامنا في الستينات كان ميسراً جداً الا لمن أبى، صحيح ان الاستعمار البريطاني لم يكن يريد في بداية عهده لأهل السودان الخير ولا لغيرهم من الشعوب المُستَعْمَرة وإلا ما استولى على بلادهم وحولها لمقاطعات تابعة للتاج الملكي في بيكنقهام..فالمدارس التي قامت الادارة البريطانية بتأسيسها كانت تعد على أصابع اليد وأعنى هنا المدارس الثانوية اما المدارس الأولية والوسطى فقد كانت هي الاخرى قليلة جدا وأنشأت في مناطق خاصة إلى ان بدأ التنوير في أوربا وكانت بريطانيا وبحكم قوتها والتي اشتهرت تاريخيا بالامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس أبداً وتوسعت مستعمراتها الامر الذى تطلب وجود العدد الكافي من المجندين الذين شاركوا حروبها العديدة التي قادوها بلا أسباب عدا الجشع خاصة في الحربين العالميتين الاولى والثانية مِمَّا حتم تعلم هؤلاء الجنود والضباط الأسس العسكرية وللقوانين.. ومعروف ان البريطانييين اتاحوا فرص التعليم في البداية لفئة معينة من أبناء الزعماء الدينيين وزعماء القبائل ليحكموا نيابة عنهم عندما شعروا بنهاية ملكهم للبلاد قد نجحوا في ان يخلقوا اجيال من الموالين لهم .. اما من احتاجوا اليهم من عمال وصغار موظفين فقد سمحوا لهم بتعليم محدود في ظل وجود مدارس نظامية واظن ان هذه واحدة من الأسباب التي دفعتهم لعمل نظام تعليمي في بلادنا وبمشاركة المصريين خاصة في التعليم الديني وتعلم اللغة العربية وكان من أشهر التعليميين المصريين في ذلك الوقت وممن ساعدوا في وضع مناهج التعليم في السودان الاستاذ رفاعة رافع الطهطاوي.. يبدو انني ساودع بري الدرايسة موطن صباي الثاني وافارق أحبة تحملوني بصدورٍ رحبة وبقلوب رحيمة حتى صدق فيهم المثل الشهير الذي يردده معظم أهل السودان ( النفوس ان طابت العنقريب بشيل مية) انها لعمرك شهامة اهل السودان يوسعوا لك حتى ولو يضيِّقوا على أنفسهم وقد انطبقت عليهم الآية الكريمة: (وَيُؤثِرُون عَلَى أنفسِهِم ولو ْ كان بِهِمْ خَصَاصَة).. هؤلاء هم اهلي ببري الدرايسة واخص منهم عائلة عمي على بابا رحمه الله التي أخبرتكم عنها كثيراً من قبل وتلك هي بلدتهم التي عشت فيها ثلاث سنوات نضرات كانت بحق من أمتع سنوات العمر.. وانا دائما اعترف انها كانت السنوات البيض- فبرغم قصرها ساهمت في تشكيل الملامح الهامة والرئيسية لمستقبلي ففي بري بدأت اتعلَم من جديد وان مداركي بدأت تتفتح وصرت اكثر نجضا وفصاحة وفلاحة مما كنت عليه في السنوات التي عشتها في قريتي وليس في ذلك منقصة لتربيتي ولا هي منقصة لقريتي واهلها ولكن التغرب والبعد عن المحيط الاسري كانت هي السبب. من بري تعلمت كيفية ان تطالب بحقوقك فعرفت لأول مرة ان احد وسائل الضغط التي عن طريقها يمكن ان توصل صوتك هو التظاهر ورغم صغر سننا فقد شاركنا في بعض المظاهرات على الرغم من اننا لم نكن نعي شي من المغزي المقصود بها.. عوده لموضوع الغرب _الداخلية_ تجدني لا استغرب من ان العرب زمان-في جزيرتهم القاحلة- ادركوا قيمة إرسال ابنائهم للمربيات ( المرضعات) وأظنهم كانوا يعرفون فوائد ان يبتعد الأبناء عن (الدلع) الذي يتعرض له الطفل بين أسرته فيقوى عوده ويشتد ساعده عند أسرته البديلة (مؤقتاً).. عندنا في السودان كان الناس يفعلون نفس الشي ولكن بشكل اخر حيث كانت الدوله ومنذ ايّام الاستعمار تبني الداخليات من المدارس الأولية وحتى الجامعه للسكن الطلابي وقد ثبت ان هذه اعظم فكره حيث يسكن الأولاد في داخليات وهم خليط من جميع انحناء البلاد وبذلك تتبوتق القبائل وتذوب بذلك كل السحنات والنعرات الاثنيه..هذا على الجانب الرسمي، اما في الجانب الأهلي فقد تعود الناس إرسال بنيهم ليسكنوا مع معارفهم وأقربائهم خاصة بعد أن أغلقت الداخليات وقد استضافت اسرتي العديد من الأولاد من القرى القريبة والبعيدة عنا وكانوا لنا مثل الإخوة واعتقد ان الكثيرين منهم على اتصال بأهل البيت.. في مدرسة بري ابو حشيش الأولية تزاملنا مع رفاق من معظم بلاد السودان وقد استفدنا من ذلك في اكتساب العديد والجديد من الثقافات الاثنية المتعددة حيث كان يدرس معنا القبطي والجنوبي والدارفوري وأبناء أقصى شمال السودان ونحن كنّا ثلة من أبناء الجزيرة.. وفِي تلك المدرسة الحديثة النشأة نلنا حظاً وافراً من العلم وذلك على يد نَفَر من اساتذه مقتدرين اخذوا بايدينا الي بر المعرفة... لا اذكر بأنني تلقيت اَي عقاب جسدي حيث نال بعض زملائي صنوف من ذلك العقاب بسبب خطأ ارتكبوه اما أنا فقد تحسن مستواي الأكاديمي كما اسلفت وبت احد المتفوقين بحمد الله ولكن رغم ذلك وعندما اعلان نتيجة الشهادة الوسطى لم أوفق في الدخول لمدرسة بري الأميرية الوسطى وأظنني قبلت في مدرسة الاتحاد الوسطى بالخرطوم 2 ولكن السيد يوسف محمد يوسف تدخل فكان حظي ان ابعث لمدرسة الكاملين الاهلية الوسطى وتلك قصة طويلة سنحكيها ان شاء الله مع مودتي...... عثمان يوسف خليل المملكة المتحدة عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.