بعثة المريخ تصل مطار دار السلام    شاهد بالفيديو.. بعد مقتل قائد الدعم السريع بدارفور.. "الجوفاني" يظهر غاضباً ويتوعد مواطني مدينة الفاشر: (ما تقول لي مواطنين ولا انتهاكات ولا منظمات دولية ولا قيامة رابطة الرد سيكون قاسي)    شاهد بالصور.. الحسناء السودانية "لوشي" تبهر المتابعين بإطلالة مثيرة في ليلة العيد والجمهور يتغزل: (بنت سمحة زي تجديد الإقامة)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في بريطانيا يحاصرون الناشط البارز بالدعم السريع الربيع عبد المنعم داخل إحدى المحلات ويوجهون له هجوم عنيف والأخير يفقد أعصابه ويحاول الإعتداء عليهم بالعصا    شاهد بالصورة.. حسناء الإعلام السوداني تسابيح خاطر تخطف الأضواء في يوم العيد بإطلالة مبهرة    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء فاضحة.. حسناء سودانية تستعرض مفاتنها بوصلة رقص تثير بها غضب الجمهور    المريخ يتعاقد مع السنغالي مباي وبعثته تصل تنزانيا    هذه الحرب يجب أن تنتهي لمصلحة الشعب السوداني ولصالح مؤسساته وبناء دولته    إيطالية محتجزة في المجر تعود إلى بلادها بعد فوزها بمقعد في البرلمان الأوروبي – صورة    مليشيا الدعم السريع تستدعي جنودها المشاركين ضمن قوات عاصفة الحزم لفك الحصار عن منطقة الزرق    الخراف السودانية تغزو أسواق القاهرة    شاهد بالفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع عمر جبريل ينعي القائد علي يعقوب ويؤكد: (لم يتزوج وعندما نصحناه بالزواج قال لنا أريد أن أتزوج من الحور العين فقط وهو ما تحقق له)    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابط القوات المشتركة الذي قام بقتل قائد الدعم السريع بدارفور يروي التفاصيل كاملة: (لا أملك عربية ولا كارو وهو راكب سيارة مصفحة ورغم ذلك تمكنت من قتله بهذه الطريقة)    كيف ستنقلب موازين العالم بسبب غزة وأوكرانيا؟    مدرب تشيلسي الأسبق يقترب من العودة للبريميرليج    ترامب: لست عنصرياً.. ولدي الكثير من "الأصدقاء السود"    مسجد الصخرات .. على صعيد عرفات عنده نزلت " اليوم أكملت لكم دينكم"    مواصلة لبرامجها للإهتمام بالصغار والإكاديميات..بحضور وزير الشباب والرياضة سنار افتتاح اكاديميتي ود هاشم سنار والزهرة مايرنو    بالأرقام والتفاصيل.. بعد ارتفاع سعر الجنيه المصري مقابل السوداني تعرف على سعر "خروف" الأضحية السوداني في مصر وإقبال كبير من المواطنين السودانيين بالقاهرة على شرائه    بالفيديو.. تعرف على أسعار الأضحية في مدينة بورتسودان ومتابعون: (أسعار في حدود المعقول مقارنة بالأرقام الفلكية التي نسمع عنها على السوشيال ميديا)    رئيس وأعضاء مجلس السيادة يهنئون المنتخب القومي لكرة القدم    بالصورة.. المريخ يواصل تدعيم صفوفه بالصفقات الأجنبية ويتعاقد مع الظهير الأيسر العاجي    صالون لتدليك البقر في إندونيسيا قبل تقديمها أضحية في العيد    بعرض خيالي .. الاتحاد يسعى للظفر بخدمات " محمد صلاح "    غوغل تختبر ميزات جديدة لمكافحة سرقة الهواتف    "أشعر ببعض الخوف".. ميسي يكشف آخر فريق سيلعب لصالحه قبل اعتزاله    امرأة تطلب 100 ألف درهم تعويضاً عن رسالة «واتس أب»    القصور بعد الثكنات.. هل يستطيع انقلابيو الساحل الأفريقي الاحتفاظ بالسلطة؟    "فخور به".. أول تعليق لبايدن بعد إدانة نجله رسميا ..!    الهروب من الموت إلى الموت    ترامب معلقاً على إدانة هانتر: سينتهي عهد بايدن المحتال    شرطة مرور كسلا تنفذ برنامجا توعوية بدار اليتيم    4 عيوب بالأضحية لا تجيز ذبحها    قصة عصابة سودانية بالقاهرة تقودها فتاة ونجل طبيب شرعي شهير تنصب كمين لشاب سوداني بحي المهندسين.. اعتدوا عليه تحت تهديد السلاح ونهبوا أمواله والشرطة المصرية تلقي القبض عليهم    نداء مهم لجميع مرضى الكلى في السودان .. سارع بالتسجيل    شاهد بالفيديو.. الراقصة آية أفرو تهاجم شباب سودانيون تحرشوا بها أثناء تقديمها برنامج على الهواء بالسعودية وتطالب مصور البرنامج بتوجيه الكاميرا نحوهم: (صورهم كلهم ديل خرفان الترند)    الإمارات.. الإجراءات والضوابط المتعلقة بالحالات التي يسمح فيها بالإجهاض    الإعدام شنقاً حتى الموت لشرطى بإدارة الأمن والمعلومات    اللعب مع الكبار آخر قفزات الجنرال في الظلام    نصائح مهمة لنوم أفضل    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    من هو الأعمى؟!    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قالوا: نيابة أمن الدولة!! قلنا: دولة من؟!! بقلم: أمين محمّد إبراهيم – المحامى.
نشر في سودانيل يوم 18 - 02 - 2010

فى قصيدته الذائعة، ورقة من أوراق القضية، و عند بداية التحقيق، بادر "المعتقل"، بسؤال"المحقق" مستنكراً" عمّن يكون؟، فدار (شعراً على لسان، الشاعر المصري، أحمد فؤاد نجم، بالعامية المصرية)، الحوار أدناه:
"ممكن أعرف مين الأول بيكلمنى؟
نحن نيابة أمن الدولة.
دولة مين؟
دولة مصر.
مصر العشة ولا القصر؟؟".
ألحّ على خاطري الحوار أعلاه وأنا أقرأ ما جاء، فى موقع صحيفة سودانا يل الإلكترونية، نقلاً عن صحيفة الأخبار، الصادرة فى الخرطوم، عدد يوم الثلاثاء الموافق 2/2/2010م، من خبر استدعاء نيابة الخرطوم، لسبع من رؤساء تحرير الصحف اليومية للتحقيق معهم، على خلفية نشر صحفهم، ما ذاع بين الناس من معلومات، تفيد اتهام بعض المسئولين بالتورّط، فى إدخال معدات وأجهزة تحتوى على نفايات إلكترونية، ضارة بصحة الإنسان، أو بالأحرى مهددة لحياته، حيث يشتبه أن تكون مسرطّنة كما جاء فى حيثيات الخبر. ورغم خلو الخبر من أي إشارة للتحقيق والتحري، مع من اتهموا بالتورط فى إدخال الأجهزة المشتبه فى كونها مسرطنة، فلن يدور حديثنا تحسباً فيما لا يجوز قانوناً الخوض فيه، مما قد يكون قيد تحقيق، حال أو مستقبل، كالوقائع المباشرة للاتهام، والأشخاص المنسوب إليهم فعل التورط فى موضوعه، بقدر ما ينصب على النكوص والازورار، الواضح والمقصود لاعتبارات سياسية، عن توجيه الإجراءات فى وجهتها الصحيحة، والسير بها بدلاً عن ذلك فى وجهة إرهاب و ردع كل من يتجرأ، برفع صوته لفضح وكشف الفساد وعناصره، بغرض إسكات صوته، ومحاصرته والتضييق عليه، بإعمال و توظيف عسف الدولة وعنف القانون ضده، تديره أجهزتها القامعة، المختلفة الأسماء و التخصصات والصفات والمهام، بينما يجمعها شئ واحد هو التنكيل بمن يعارضها، باسم القانون، دون وجه حق، أو سند من صحيح القانون.
ونبدأ بحيثيات نشر الخبر فى الصحف، ونتائجه التى بين يدينا، فنقول أنه يعكس بادئ ذى بدء، تأزم العلاقة بين المواطن، من جهة، والحكومة، ممثلة فى المسئولين القائمين على إدارة مرافقها طراً، من جهة أخرى، كما يشير إلى تفاقم هذه الأزمة، وبلوغها درجة لا يستهان بها، من الريبة والشكوك وانعدام ثقة المواطن فى الحكومة. وبوسع كل ذى عينين مبصرتين، أن يرى بمجّرّد النظر بالعين المجردة، مدى الاحتقان و التوّتر المكتنف لهذه العلاقة، منذ أن تخلت الدولة فى عهد الاسلامويين عن كامل مسئوليتها، عن كافة ضروريات حياة المواطن، و تركته يكابد لوحده أهوال معيشته ومن يعول وما يحتاجون إليه من خدمات أساسية كالتعليم والصحة و الأمن وخلافه. وذلك بعد إذ أثقلت كاهله بباهظ الضرائب المباشرة وغير المباشرة والزكاة و حاصرته بجبايات لا حصر لها، تواجهه أنى ذهب، وتستنزف موارده الشحيحة أصلاً. ثم أطلقت دولة الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية باسم (سياسة التحرير الاقتصادي) غول السوق، ليفترس المواطن المغلوب على أمره مجرّداً من كل حماية، ليفتك به فتكاً غير رحيم. وتحت وطأة العجز عن إيفاء ما كان ميسوراً فى الماضي القريب من متطلبات الحياة بسبب المسغبة والعوز، وانحدار ما يقدر ب 95% من السودانيين (حسب الإحصاءات الرسمية) إلى ما دون خط الفقر. ومقابل هذا الإفقار الجماعي، تنفرد القلة الممثلة فى أهل الحكم، من رأسماليي الطفيلية الاقتصادية الغالبية، بالثراء الفاحش يستعان إلى تحقيقه بجهاز الدولة وتشريعاتها. فكان لا بد من انتباه المواطن، وتفتح وعيّه لحدي معادلة جوعه ومرضه وفقره فى مقابل ثراء الأقلية المذكورة، بحسب موقعها من السلطة وجهاز دولتها. فأيقن من بقيام تناسب طردي بين فساد الدولة وأجهزتها وتشريعاتها، وغنى وثراء أهل الحكم فيها، فأدرك من ثم أن تنامي كل ظواهر الفساد فى الجهاز الحكومي وتفشيها، يرجع إلى الحكّام الاسلامويين أنفسهم الذين لا يتورعون عن استثمار، مصائب شعبهم وحاجاته و جوعه ومرضه، ولا تدرى ماذا كان سيقول فى هؤلاء، الشاعر الراحل صلاح أحمد إبراهيم، وهو القائل فى ديوان محاكمة الشاعر للسلطان الجائر (النميرى):
صحة بدنو من مرض الأهالي وجوعها * جلابيته من كفن الشهيد مقطوعة.
و يؤكد ما تقدم ضمن ما يؤكد، أن ظاهرة أزمة ثقة، المحكومين فى الحكام ، ليست وليدة هذه الحادثة الأخيرة، بل لها جذور ومسببات ، سنعرض لطرف منها لاحقا فى ثنايا هذا المقال. بيد أن الذي نلفت النظر إليه هو جزع و فزع الدولة، ممثلة فى جهاز أمنها ونيابته، من رد فعل المواطن تجاه انتشار وقائع هذه الحادثة، كونه يعبّر عن تعميق ومراكمة وعيّه بموقف الدولة، منه ومن بعض همومه وقضاياه المصيرية، وما يفضى إليه ذلك من انفعاله تجاه هذا الموقف بحساسية مفرطة، وهو يرى تعمّد الحكومة، التخلي عن كل مسئولياتها عنه بتجاهلها هذه الهموم والقضايا، الالتفات عنها بالكامل ، ليس هذا فقط بل تسعى أيضاً لاستغلالها واستثمارها والربح فوقها، كما فى قول المفكّر نعوام تشومسكى فى كتابه (الربح فوق الشعب).
ولا تكتف حكومة السياسيين – التجار، بهذا الفعل المستفظع والمستقبح والمشين، بل تحرّك كل آليات أجهزة ردعها ضد من يتجرأ ويرفع صوته بالاحتجاج، على سفاهة وفساد مسئوليها، و تصرفاتهم وأفعالهم الضارة ضرراً محضاً، دون أدنى اعتبار لنتائج هذه الأضرار محتملة الوقوع كنتيجة مباشرة لتصرفات المسئولين بسبب فسادهم أو حتى إهمالهم أو غيره. فالمواطن لا يلمس ما يطمئنه ويريح باله، فى مواقف أو تصرفات المسئولين إزاء خبر كهذا، يعتقد أنه كفيل بأن يقلق بال أي مسئول حكومي يهمّه أمر مواطنيه أو يحفل بمصائرهم، كما ينبغي أو يفترض أن يكون.
وفى اعتقادنا أن ما يتوقعه المواطن، هو سريان ونفاذ أحكام القانون، على كل حادثة تقع، وفى مواجهة أيها فرد، يكون مسئولاً عن وقوعها، فى حال ما إذا نص القانون على، أن وقوعها مخالف لأحكامه. لذا وفى حالة قيام أقل القليل من احتمالات، صحة الخبر الذي نشرته الصحف، أو حتى مجرد شبهة ذلك، فإن المفترض فى مسئولي الدولة وفى مقدمتهم الأجهزة القضائية، والأمنية المساعدة والمعنية، التحرك الفوري للتحقيق العاجل وبأسرع ما يمكن، للتثبت من صحة الواقعة من عدمها. وبما أن الواقعة منسوبة إلى أشخاص محددين على سبيل التعيين والحصر، فإن التحقيق حول وقوع هذه الواقعة من عدمه، يشمل مساءلة الأشخاص الوارد ذكرهم فى متن الخبر، كمشتبه فى مسئوليتهم عن وقوعه وحدوثه، أياً كانت صفتهم دون استثناء، لأنه لا حصانة لأحد عن مسئولية فعله فى مثل هذه الحالات. وسواء كان إسناد مثل هذا الفعل لفاعليه فى صيغة اتهام مباشر أو غير مباشر، أو متى قامت مجرد شبهة تورطهم فيه، فأحكام القانون وقواعد العدل السماوية والوضعية، تقتضى البدء فوراً فى التحقيق معهم لاستقصاء ما توفر من بيّنات وأدلة إثبات وقوع المخالفة، ومواصلة التحري فى حالة ثبوت ذلك للتحقق من صحة إسنادها إلى فاعليها أو المشتبه فيهم، توطئة لتقديمهم للمحاكمة، و مساءلة ومعاقبة من يقوم الدليل على ارتكابه مثل هذه الأفعال الخطيرة التى تعرّض صحة الإنسان لخطر عظيم، كما تعرّض حياته، من ثم، لنتائجه الماحقة.
ويتضح من قراءة متن الخبر، أن من استدعى الصحفيين للتحقيق معهم، هي نيابة أمن الدولة، وليس نيابة الخرطوم، كما فى عنوان الخبر، و الفرق طبعاً كبير والبون جد شاسع بين الجهتين، و لو من الناحية النظرية البحتة، لمن شاء تحرى دقة التسمية والتوصيف. ولا يقتصر ما نقصده بالفرق بين النيابتين الأولى والثانية فى محض صفة الثانية المحلية – الجغرافية، بل فى طبيعة ومحتوى الاختصاص النوعي للأولى وهو مربط الفرس فى هذا المقال.
و نزعم أن إتيان أي إنسان، صرف النظر عن مركزه الوظيفي الحكومي، لأي فعل يشكل مخالفة قانونية تتعلق بالتعامل المحظور قانوناً، فى السلع والمنتجات والأدوات ....الخ ويشمل ذلك الاتجار أو العرض أو الاستيراد لسلع خطرة على صحة الإنسان وحياته، نزعم أن هذا الفعل فى الأساس من الجرائم المعتادة المنصوص على تعريفها فى قانون عقوبات السودان/ الجنائي (حالياً). وهذا يعنى أن إجراءاتها من التدابير العادية التى تتولاها وتشرف عليها الشرطة، تحت إشراف النيابة الجنائية المختصة وفق قواعد اختصاصها. ولكن لأن أصابع الاتهام تشير هذه المرة أيضاً، لمسئولين فى الدولة وجهازها التنفيذي، فإن حرص القائمين على أمر البلاد، على تحصين أنفسهم والمسئولين من المساءلة القانونية، هو الذي يلجئهم إلى البحث عن الحصانة عند أعتاب السياسة، لا القانون. ومن هنا جاءت فكرة إخضاع القانون وأجهزته دون استثناء، لمشيئة، أولى الأمر ومن والاهم من السياسيين - التجار. وبموجب هذا الإخضاع تحجب ولاية التحقيق فى مخالفة استيراد مواد ضارة بالصحة والحياة عن النيابة صاحبة الاختصاص الأصيل. حيث لم تفلح، كل حملات التمشيط والتشريد والفصل لإحلال الموالين، فى القضاء المبرم، كما أردوا، على العناصر التى لا تنقصها الجرأة والأمانة والنزاهة، وبسبب من ذلك، لا تتردد فى مواجهة الفساد، والإصرار على ملاحقته ومحاسبته، وإتباع المنهج القانوني الحق فى كل ذلك، باستقامة ودون التواء.
ولا شك أن لحجب اختصاص النيابة صاحبة الولاية، دور كبير فى تغيير مسار التحقيق والتحري. فالأمر قيد التحري والتحقيق الآن، ليس هو محتوى الخبر محل النشر، بل هو النشر المخالف لأمر منعه الصادر من الجهاز التنفيذي، مقيّداً لحقوق دستورية، لا يجوز المساس بها أبداً.
ولعلّ القارئ للخبر يلحظ ، أولاً: أن سبب استدعاء الصحفيين، ليس التحقيق معهم حول صحة المخالفة التى نشرتها صحفهم، بل للتحقيق معهم كمتهمين بمخالفة أمر منع نشر كل ما يتعلق بالمخالفة ذاتها. ولذا فليس مستغرباً أن ما يجرى، على يد هذه النيابة هو خلاف ما تستوجب مراعاة المصلحة العامة، اتخاذه من إجراءات قانونية، بل عكسه تماماً، فالاستدعاء، بحسب الخبر، تم للصحفيين الذين نشروا الخبر، فى صحفهم، كما أسلفنا القول. ورغم إشارة نيابة أمن الدولة إلى تحقيقها الجاري مع مصدر المعلومة، فلا ذكر أبداً فى الخبر للتحقيق مع الأشخاص المنسوب إليهم الفعل أو شبهة التورط فيه. علماً بأن هذه ليست هي المرة الأولى منذ استيلاء "الأمويين الجدد" على السلطة أن تثار مثل هذه الاتهامات، ضد مسئولين نافذين فى الدولة أو منتسبى حزبها الحاكم. فالمسئولون الحكوميون فى أعلى مستويات، أجهزة الحكم والإدارة دون استثناء يذكر ضالعون فى مختلف الأنشطة التجارية، إلى جانب وظائفهم الرسمية، بل وبفضلها وبتوظيفها لمصالحهم الخاصة، وإعمالها فى تخطى وتجاوز المنافسين ولتطويع النظام والتشريعات لفرض سيطرتهم على السوق بكل الطرائق والأساليب. فالولوج القاصد العمدى عبر فساد الدولة وإفسادها، إلى عطن بيئة التجارة والسوق، للولوغ من آسن صفقاته و تعاملاته، جزء لا يتجزأ من خطة الاسلامويين للهيمنة السياسية والاقتصادية على البلاد والعباد. ويعرف الناس بالطبع أن قانون السوق الأوحد هو الربح، المفضي بدوره إلى المزيد من الربح، مهما كانت النتائج المترتبة عليه، بالغاً ما بلغت من الأضرار خاصها وعامها. لذا فقد رأى الناس ورصدوا كيف أن منتسبى الحزب الحاكم من (سياسيين – تجار)، و(تجار – سياسيين) نافذين فى الحكم، جعلوا من السودان سوقاً مفتوحةً على مصراعيها، ، تتسرب إليها علناً، مخلفات السوق العالمية، من مكبات قمامة المواد والأغذية، غير الصالحة للاستعمال البشرى، و كذلك المعدات والأدوية المنتهية الصلاحية، أو المعيبة و المخالفة للمواصفات الفنية المطلوبة. ولن ينسى الناس بالطبع كيف استورد أحد النافذين فى النظام من (السياسيين – التجار)، فى سنوات حكمهم الأولى، محاليل وريدية أثارت لغطا وجدلاً واحتجاجاً، بسبب عدم مطابقتها لمواصفات الطبية السليمة. فبعض الجهات الفنية وصفتها بأنها كانت ملوّثة، ووصفها البعض الآخر بنقصان جرعاتها أو عدم فعاليتها. وكانت النتيجة الحتمية لاستخدامها فى العلاج، هي مفاقمة حالات المرض و تعقيد أحوال المرضى ومحق حياتهم، وفى المقابل كسب مستورد المحاليل الفاسدة الرهان، و ربح أضعافاً مضاعفة من الجنيهات أو قل الدولارات، بتجارته تلك المفاقمة للأمراض، و المحروسة والمحمية (فى ذات الوقت)، بسيوف ورماح دولة المشروع الحضاري.
أما مسألة كيف يربح من يستورد مثل هذه المحاليل فاقدة الصلاحية، فتوّضحها قاعدة بسيطة فى علم الاقتصاد، تتعلق بعلاقة السببية الواشجة القائمة، بين، - نفع المنتج، وجدواه فى تلبية حاجة إنسانية ضرورية، ويعرّفه الاقتصاديون (بالقيمة الاستعمالية) أو (الملموسة) للمنتج -، وقيمته بعد (تسلّعه وتبضّعه)، أي صيرورته سلعة وبضاعة قابلة للتبادل فى السوق، وتعرف هذه بالتبادلية أو (المجردة)، ومؤدى هذه القاعدة هو أن العامل الأول فى تحديد القيمة التبادلية لأي سلعة، أي سعرها فى السوق، هو قيمتها الاستعمالية. فكلما زاد طلب الاستعمال على السلعة، كلما ارتفعت قيمتها التبادلية (سعرها فى السوق). ويترتب على ذلك أن قلة الطلب عليها أو انتفاءه، بسبب قلة أو انتفاء قيمتها الاستعمالية ، يؤدى بالضرورة إلى انخفاض قيمتها التبادلية، أو انتفاءها. وهذا ما جعل هذه المحاليل المذكورة رخيصة الثمن، فى السوق العالمية، أو إن شئت الدقة غير صالحة للتسويق (معدومة أو زهيدة القيمة التبادلية) ،نظراً لأنها فاقدة للقيمة الاستعمالية، أي لا تنفع للغرض الذي أنتجت من أجله. وبسبب ذلك تدنى سعر شرائها فى سوقها أو بالأحرى انعدم. أما سعر بيعها فعال ومرتفع جداً فى سوق الأدوية فى بلد كالسودان فى (عهده الغيهب)، هذا، ما من قانون يحكمه سوى سعار (من داء الكلب) السياسيين – التجار وجشعهم ورقة دينهم وخلقهم، الدافعة لرغباتهم الجامحة المنفلتة، فى الربح الوفير ولو كان ذلك، على حساب صحة المواطنين أو حياتهم، و بأقل ما يمكن من الخسائر، و يحبذا بدونها إذا استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
كما يلحظ القارئ ثانياً أن الذي يرد على الاتهام، ويفند ما جاء فى الخبر المنشور وينفيه، ليس هم الأشخاص المتهمون بالتورط فى المخالفة المدعى بها، بل هي " نيابة أمن الدولة". والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، ما يكون ياترى موقف النيابة التابعة لديوان النائب العام، إذا ثبت ارتكاب مسئول حكومي مخالفة مثل التى اتهم بها المسئولين بحسب الخبر؟؟ هل تتولى الاتهام العام للصالح العام لحماية (صحة وحياة الشعب)؟؟ أم تتولى الدفاع عن الأشخاص المتهمين بتعريض (صحة وحياة الشعب) للخطر الماحق؟؟ وإذا كان الرد على السؤال الأول بالسلب، فلصالح من يعمل وكيل النيابة العامة، وممن يتقاضى أجره مقابل عمله؟ أمن الخزينة العامة التى تمول من ضرائب العامة أم من المسئولين الحكوميين كأفراد؟. أما إذا كان الرد على السؤال الثاني بالإيجاب فهل التهمة الموجهة للمسئولين المنسوب إليهم المخالفة هنا تتعلق بحقوقهم الخاصة (كأفراد) أم تتعلق بحق عام؟؟ فالمسئولية الجنائية فى القوانين الوضعية والشّرع ذاتية (subjective)، تقوم على الأساس الشخصي، ولا يتحمل تبعاتها أحد سوى الشخص الذي ارتكب الفعل المجرّم المنهي عنه والمعاقب عليه. ودليلنا على ذلك هو قول الحق جلّ وعلا، فى محكم تنزيله، وهو أصدق من قال: "كل نفس بما كسبت رهينة". وقوله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى". وقوله تعالى: " من يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره".
وليس القصد من كل ما تقدم، هو القول بنفي أي مسئولية للدولة، سواء كانت قانونية أو سياسية أو أخلاقية، عن أفعال وزرائها الضارة بالأفراد أو الجماعات، بقدر ما نرمى إلى تقرير أن أفعال المسئولين، المخالفة للقوانين الجنائية، بحد ذاتها، هي التى تحجب، عن فاعليها حماية النيابة العامة، المناط بها افتراضاً المدافعة عن الحق العام وأهله وليس الحق الخاص، ولا نزيد!
وثمة ملاحظة ثالثة، هي أن خبر دخول النفايات، منقول إلى الصحف الناشرة من مصدر معلوم، ويستنتج من ظاهر حديث النيابة الوارد فى الخبر أن التحقيق مع هذا المصدر، وليس مع من نسبت إليه المخالفة، هو ما تعنيه تلك النيابة، باستمرار التحقيق فى الأمر. وإذا صح اعتقادنا هذا فإن نيابة أمن الدولة هي اسم على مسمى كما جاء فى أبيات الشاعر نجم، المذكورة أعلاه. فهي، أي النيابة، لا يعنيها أو يهمها فى شئ أمر الخطر على حياة الناس قل أو كثر، ولا يعنيها من الأمر كله إلا ما يصيب الحكام، ولذا لا تقول لنا فى الخبر أنها استدعت للتحقيق من أسند إليهم الفعل المخالف للقانون والعرف والأخلاق، بل استدعت الصحفيين كمتهمين، وحققت معهم و أودعتهم فى القيد القانوني (lawful custody) الفعلي أو الحكمي، بدليل الإفراج عنهم بكفالات شخصية. وتهمتهم فى هذه الحالة، هي نشر واقعة للقراء تتعلق بخطر داهم يتهدد صحتهم وبالتالي حياتهم وحياة كافة السودانيين. أما من تسبب فى الفعل الذي يتهدد صحة الناس وحياتهم فهو حصين عن المساءلة القانونية، فى دولة الإسلام السياسي.
أما الملاحظة الرابعة، فهي ما جاء فى الخبر، بأن مصدر بيان دخول النفايات، حسب تسمية نيابة امن الدولة، قد تراجع عن أقواله، بطوعه وإرادته!! وهذا كلام غريب ومضحك، لا سيما وأنه يخرج من نيابة أمن الدولة. فالنيابة أمن الدولة، حتى فى أفضل أحوال حسن الظن بها(إن وجد)، ليست ممن يركن إلى حكمها، فيما يتعلق بطوعية الإقرارات من عدمها، لكونها تمثل فى مثل هذه الحالة العيانية الماثلة، جهة القبض والتوقيف والتحقيق والتحري والاتهام معاً. وعليه فإن من غير المألوف، أن تزعم جهة مدججة، بكل هذه السلطات الخارجة بالمطلق، من رقابة القضاء، بطواعية تراجع المتهم عن أقوال سابقة، أفاد بها وسائل الإعلام من الصحف وغيرها بمحض إرادته الحرة، ولا شك فى طواعيتها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن ما ألفه الناس، هو أن يدفع المتهم بعدم طواعية أقواله، المأخوذة فى مرحلة التحقيق والتحري، لجهة إمكان وقدرة من يحقق معه، إجباره على الإفادة غصباً عنه و ضد اختياره بالإكراه. ولكن ما أفاد به المصدر ونشرته الصحف، ليست أقوالاً أخذت منه فى إجراءات تحقيق أو تحرى، ومن ثم لا خلاف حول صدورها منه، طوعاً واختياراً. أما ما تدعيه نيابة أمن الدولة، فهو أن المصدر تراجع عن أقواله، التى نقلتها عنه الصحف، وتصف تراجعه بأنه تم طواعية واختياراً.؟ ! والجديد هنا أن هذا النفي، الذي تدعيه النيابة أمن الدولة، يصدر من المصدر حالة كونه، متهماً أمام النيابة، ومواجهاً بتهم عديدة، منها الأخبار الكاذبة والإزعاج العام والإدلاء ببيانات كاذبة والتزوير. وهكذا بدلاً من أن يكون شاكياً، أو على أقل تقدير، شاهداً للإثبات، بوصفه مصدر الخبر، فإذا به يجد نفسه متهماً!!. و أمام نيابة أمن الدولة !! التى فرضت نفسها حكماً، بينما تدل أقوالها على أنها أشد خصومة للمصدر، من المشتبه فى تورطهم فى المخالفة، أي المسئولين المعنيين بالأمر أنفسهم، فهي لم تكتف بمجرد دفع التهمة عن الأخيرين، بل تجاوزت ذلك إلى الحكم على المصدر، من على المنابر الإعلامية، فوصفته بالكذب وانتحال الصفة والتزوير. وفى مثل ظروف كهذه يتعسف فيها الجهاز التنفيذي أشدّ العسف، وتعربد أجهزته القمعية هكذا دون رقابة من قضاء، فإن مجرد الوقوع فى قبضة مثل هذه الأجهزة الفالتة، يدخل فى روع المقبوض عليه، أنه فى بحر الظلمات، وأنه لا محالة معرّض للأذى البالغ، وربما المفضي إلى الهلاك. وهذا مما يحيط أقوال النيابة، المتعلقة بطوعية إفادات من تحقق معهم، بركام من الشكوك الكثيفة، تجعل الأخذ بها مجازفة والتعويل عليها مشمولاً بمخاطر جمّة يتحسب لها القانون فى فقهه ونصوصه وتطبيقه تحسبا عظيماً. ولذا فإن قول نيابة أمن الدولة، بتراجع المصدر عن إفاداته السابقة طواعية، لا يعدو أن يكون، من قبيل القول الشائع، "كاد المريب أن يقول خذوني". هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى دعنا نسأل عن كيفية إدلائه بأقواله التى تراجع عنها كما تزعم النيابة المنسوبة لأمن الدولة؟؟ وهل كان قد أرغم على الإدلاء بها، أو أخذت منه دون رضائه بالتهديد أو الترغيب أو الإكراه الفعلي؟؟ ولماذا فى الأصل تثير النيابة هذه الادعاءات والدفوع نيابة عن الأشخاص المسندة إليهم المخالفة؟؟ فالمخالفة بافتراض اكتمال وقائعها بأركانها المعلومة، لم ترتكبها فى الظاهر الدولة وإنما منسوبة إلى أفراد يتولون مسئوليات فى الدولة؟ وإذا صحّ ارتكابهم لما اتهموا به فإنهم بذلك يكونون مخالفين لمقتضى ائتمانهم على صحة وحياة مواطني الدولة وهى (ركن ركين فيما نعلم) من مقومات أمن الدولة، الذي توليه الحكومات الرشيدة عنايتها الفائقة، وتحرسه وتسهر على حمايته والحفاظ عليه، على أساس أنه لب وجوهر أمن الدولة، ونقصد به الأمن ما جاء فى قوله تعالى:" الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"، وهو المشتق من المصدر أمن، يأمن، أماناً، فهو آمن، وليس الجهاز سيئ الصيت.
يؤرخ للدولة المركزية فى للسودان ، ببداية حكم محمّد على باشا، الموصوف بالتركية السابقة، التى احتلت جحافل جيوشها، بقيادة إسماعيل محمد على باشا، السودان فى أوائل عشرينات القرن التاسع عشر. وعرف أهل السودان منذ نشوء هذه الدولة المستعمرة، حكومات مختلفة بما فى ذلك حكومات، دولة الحكم الثنائي (الإنجليزي – المصري)، الاستعماري أيضاً. ولا نظن أن أهل السودان كافة، ومنذ نشوء، هذه الدولة المركزية الأولى، على أرضهم، حتى اغتصاب الاسلامويين الحكم، واستيلائهم على السلطة بقوة السلاح، فى 30 يونيو 1989م، وإقامة نظامهم المشئوم، قد شاهدوا حكومة استرخصت أرواحهم وسفهت حقوقهم وجرّدتهم من كل حماية أو حصانة دستورية أو حقوقية، كما فعلت حكومة الاسلامويين القائمة هذه. ففي (عهدها الغيهب) القائم هذا، ألغى استقلال القضاء والخدمة المدنية والمؤسسة العسكرية، إلغاءً تاماً وأصبح جهاز الدولة بأكمله جهازاً حزبيا تابعاً لحزبهم ويأتمر بأمره. تنحصر مهمته فى تنفيذ البرنامج السياسي لحزب الاسلامويين الحاكم، منحازاً إلى جانب الحكومة وضد الشعب. فجهاز الدولة الأيديولوجية بشقيه المدنى والعسكري، يمارس عنف الدولة اللاقانونى، فى مواجهة الشعب، بالرقابة والاعتقال والقمع بمختلف أشكاله. فهو عين الحزب التي يتجسس بها وأذنه التى يتصنت بها ويده التى يبطش بها، أما قضاء ونيابة أمن الدولة الأيديولوجية فمهتهما هي إدارة وتوجيه عنف الدولة القانوني (شكلاً) ضد الشعب مع التجاهل التام وإغفال كل انتهاكات الحكومة الفظة للقانون، ليس هذا فحسب بل وسوق المبررات والحيل والأسباب لإكسابها شرعية تفتقدها وتفتقر إليها.
ونخلص مما تقدم إلى أن قضيتنا لا تقف عند حد مسألة عدم حيدة واستقلال، القضاء والنيابة، بل تمتد لما هو أخطر و أعقد من ذلك بكثير، فجهاز الدولة بشقيه المدنى والعسكري وبأكمله مفتقر إلى الحد الأدنى من القومية والحيدة والاستقلال، بقرينة تبعيته تبعيةً مطلقة لحزب الاسلامويين الحاكم. لذا فهو لا ينظر إلى شئون المواطنين إلا من خلال منظار المصلحة الحزبية لأهل الحكم، فلا يتردد عندها فى إبداء انحيازه السافر لهذه المصلحة، بالغاً ما بلغت من تناقضها مع المصلحة العامة، وتعارضها معها أو مصادمتها ونفيها لها.
ويمكننا الاستدلال على صحة ما نقول، بشواهد لا حصر لها، نكتفي منها بالأمثلة التالية:
ارتكب مسئولون فى النظام مع آخرين من منتسبى الحزب الحاكم، جرائم مستفظعة ضد معتقلين سياسيين ونقابيين فى أيام حكمهم الأولى كانت نتائجها إلحاق الأذى المادي والمعنوي بالضحايا بلغ عند بعضهم زهق الأرواح ومحق الحياة. وقد اعترفت قيادات الحزب الحاكم بهذه الجرائم على الملأ غير أن أحدا لم يسأل ولم يحاكم حتى الآن.
ارتكبت الفظائع فى دارفور، ورغم إنكار المسئولين من على كل المنابر السياسية والدبلوماسية، إلا أن لجنة تحقيق كونتها الحكومة بنفسها برئاسة مولانا دفع الله الحاج يوسف، رئيس القضاء الأسبق، قد وضعت أمام الحكومة تقريراً عن الانتهاكات والجرائم التى ارتكبت فى حق المدنيين من أهل دارفور. إلا أن أحدا لم يسأل أو يحاكم. وفى أعقاب صدور قرار اعتقال رئيس المؤتمر الوطني من المحكمة الجنائية الدولية، احتكمت الحكومة بنفسها إلى لجنة حكماء إفريقيا برئاسة ثابو أمبيكى، الرئيس الأسبق لجنوب إفريقيا، للتحقيق فى التجاوزات التى وقعت فى دارفور، ووضعت هذه اللجنة تقريراً يؤكد ارتكاب فظائع ضد المدنيين هناك، وأوصت بتشكيل محاكم هجين لنظر المخالفات والفصل فيها. وقالت بوضوح ودون تردد بأن أجهزة العدالة الوطنية بمجملها تفتقر إلى النزاهة والحيدة والاستقلال، وخاضعة للجهاز التنفيذي. وهو ما نؤكده فى هذا المقال، ونضيف أنها عاجزة عن مجرد مساءلة، الأشخاص المتورطين فى جرائم وتجاوزات قانونية، كبرت أم صغرت، وسواء كانت جرائم بسيطة أو فظائع وجرائم حرب. أما الجهاز التنفيذي فيكافئ هؤلاء ليس بالتمتع بالحصانة وحسب، بل و بالتعيين فى أعلى المناصب.
وارتكبت جرائم قتل المتظاهرين بإطلاق النار عليهم، فى أمري والحامداب والمناصير وبور تسودان وكجبار، وظل المسئولون عن هذه المجازر فى حصن حصين من حماية الدولة ونيابة أمنها التى تفتح التحقيق فقط مع مصادمى الدولة لانتزاع حقوقهم و مطالبيها بإقرارها وعدم جحدها وإنكارها. فوكيل النيابة و القاضي التابعان للدولة والمؤتمران بأمرها، يحنثان القسم ويخونان شرف المهنة، ولا يعملان بمقتضى القانون والحق وقواعد العدل. لذا فهما يستحقون فعلاً، وصفهما بأنهما "تبع البتاع" على رأى الشاعر نجم ، فى قصيدته "البتاع" حيث يقول:
(ياللى فتحت "البتاع"
فتحك على مقفول
لأن أصل "البتاع" واصل على موصول
فأي شئ فى "البتاع" الناس تشوف على طول
والناس تموت فى "البتاع" فيبقى مين مسئول
وساد قانون "البتاع"
ولا علة لا معلول
فالقاضي تبع "البتاع"
فالحق ع المقتول
والجهل زاد فى "البتاع"
خلى الديابة تصول).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.