الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غياب المشروع الوطنى و الازمة المستحكمة ، التنمية السياسية و الثورة (11/12) .. بقلم: عبدالغفار سعيد
نشر في سودانيل يوم 19 - 12 - 2018

لقد أكملت كتابة هذه الورقة فى اغسطس 2017 ، لكنى لم انشرها كسلسلة مقالات ، بل قدمتها فى سبيل نشر المعرفة والوعى وسط الشباب والمهتمين كمحاضرات بالفيديو عن طريق البث الحى المباشر من خلال وسيلة التواصل الاجتماعى ( الفيسبوك) ، وكنت قد قدمت المحاضرة الاولى يوم 6 سبتمبر 2017 ثم تلتها سلسة الحلقات.
انتفاضة سبتمبر 2013 المجيدة و قضايا التغيير
بدأت الاحداث ليلة الثلاثاء 21 سبتمبر 2013، باعتقالات احترازية شملت عدداً من قيادات الاحزاب وتمت مداهمات بالمنازل وتفتيشها، حيث تم اعتقال بعض الناشطين على إثرها. و شملت تلك الاعتقالات قيادات من الأحزاب المعارضة والناشطين الشباب.
أعقب ذلك المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس البشير و الذي استمر لساعتين عرض خلالها ما سمي بالبرنامج الثلاثي السياسي والاقتصادي والأمني للإصلاح في البلاد ودعاوى زيادة الأسعار. تلى هذا الخطاب دعوات لتظاهرات على مواقع التواصل الاجتماعي والاتصالات.
و قد ابتدرت التظاهرات في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة في وسط السودان يومي العشرين و الحادي و العشرين، وقد امتدت التظاهرات في السوق ووسط المدينة و أحياء متفرقة من المدينة. وقد كانت مدينة ود مدني من أوائل المدن السودانية التي أعلن بها تطبيق الزيادات في السلع.
انتفض الشارع فى العاصمة المثلثة يوم 23 سبتمبر في سلسلة مستمرة ومتواصلة من التظاهرات اليومية والمسيرات، ردت عليها الحكومة بأعلى درجات الوحشية
إنتفاضة 23 سبتمبر 2013 بدأت كإحتجاجات شعبية وتفجرت بعدد من ولايات ومدن السودان ,وكانت الاحتجاجات على رفع الدعم عن المحروقات الذي أقرته الحكومة الذي هو في حقيقته عجز في الموازنة تتحمل خطأه الحكومة و لكنها فرضت على الشعب سداده , فأدى ذلك إلى زيادات في أسعار كل شيء فاقت طاقة المواطن السوداني في تلبية أبسط متطلبات الحياة ,و قمعت الحكومة تلك الاحتجاجات بوحشية بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين في الرأس والصدر غالباً، وتقدر اعداد الشهداء بالمئات فضلا عن مئات الجرحي بجانب المعتقلين الذين اكتظت بهم السجون والمعتقلات.
1 - تم إستخدم الرصاص الحي في رشق المتظاهرين مباشرة في الصدر والرأس بفتح الأسلحة النارية على التظاهرات السلمية. و يقدر عدد الشهداء ، بأكثر من المائتين حسب تقارير طبية من المستشفيات والمشارح
2 - صرّح نقيب الأطباء أحمد الشيخ في يوم 7 أكتوبر 2013م بأن عدد القتلى في يومين فقط في العاصمة كان 110 شهيداً رصدوا في مستشفيات العاصمة المختلفة وذلك بخلاف شهداء منطقة الفتح بأم درمان
3 – كان يتم دفن شهداء منطقة الفتح بأمدرمان بواسطة السلطات بدون الرجوع للمستشفيات،
4 – صرح نقيب الاطباء الشيخ: (الشهداء في الولايات الأخرى حوالي خمسين، العدد الأكبر هو في العاصمة القومية، حتى يوم الخميس الموافق25 /09/2013 أي بعد 48 ساعة من بداية الحراك العدد كان 110 فيما عدا الفتح ففي الفتح كان هناك عدد يموت ويدفن طوالي)، وهناك عدد آخر من الشهداء سقط متأثراً بجراحه لاحقاً.
5 - خلافا لذلك لم تتمكن لجنة التضامن من معرفة أسماء وعنواين وتاريخ استشهاد كل الشهداء ، ذلك ان الذين تمكنت لجنة التضامن من معرفة أسماءهم وعناوينهم وتاريخ استشهادهم وأهاليهم يقل عن العدد الحقيقى ، حيث رصدت لجنة التضامن في ولاية الخرطوم فقط عدد (94)
شهيد وشهيدة تعرفت على أسرهم، وما كان يعيق عمل اللجنة تخوف البعض من تهديدات المؤتمر الوطني لهم ورفضهم بالادلاء بأية معلومات خوف تعرضهم لمشاكل أخرى.
6 - جاء في تقرير نقابة الاطباء أن عدد الجرحى الذي وصل للمستشفيات في أول 48 ساعة،(فى يومى 23 و 24 سبتمبر) فاق المائتين، كان أغلبها في هامش المدينة، كقرى الفتح غربي أم درمان، ومعظم الضحايا كانوا من صغار السن وطلاب الجامعات، ومعظم الإصابات كانت في الرأس، والصدر، والعنق والبطن، مما اعتبره التقرير دليلاً على أن الخطة كانت "التصويب للقتل".
7 – الافظع من ذلك هو ان التقرير وضح إن السلطات لم تقدم أية مساعدة لدعم العمليات الجراحية للشباب الجرحى، فطلب الأطباء الدعم من لجنة التضامن بسبب ارتفاع تكاليف العلاج.
8- كما أوضح تقرير لجنة الاطباء ان الرصاص المستخدم كان من نوع (حارق ينفجر داخل الجسم ومحرّم استخدامه بالقانون الدولي). وأن الأطباء والكادر الطبي العامل بالمستشفيات تعرضوا للضغوط من قبل السلطات ووجهت إليهم الأوامر بعدم كتابة تقارير طبية تسلم لأهل الضحايا، وسمح لهم فقط بإعطاء أذونات بدفن موتاهم بدون تحرير شهادات وفاة. وجاء في التقرير أن السبب في منع الاطباء من تحرير شهادات الوفاة هو ضرورة كتابة سبب الوفاة في الشهادة.
9 - قدرت الشرطة عدد المعتقلين ابان انتفاضة سبتمبر بحوالى ال600 معتقلاً ومعتقلة. بينما قدرت منظمات حقوقية أعداد المعتقليين بأكثر من 1000 معتقل ومعتقلة بالعاصمة والولايات.
الخسارة قطعا تتجلى في الدماء الزكية التي أهرقت و الأرواح الطاهرة التي أزهقت برصاص جهاز الأمن ، مليشيات الجنجويد وقوات الشرطة عند قمعهم الوحشي للتظاهرات السلمية التي أخرجها الغضب و تراكمات الإهمال و البطالة و الإحباط و عدم المساواة في إتاحة الفرص . كما تتجلى الخسارة في التخريب و التدمير الذي أصاب بعض الممتلكات العامة و الخاصة , و رغم إتهام السلطة الإنقاذية لعناصر مندسة قد قامت بهذا الفعل و
كانت الرسالة التي أرادت الحكومة إرسالها للمتظاهرين هي أنها مستعدة لنقل مشاهد الحرب والرصاص والقتل من مناطق الحرب إلى داخل الخرطوم ومدني وبورتسودان وغيرها من المدن ، وأنها في سبيل البقاء لا تبالي بقتل كل من يخرج إلى الشارع.
الإنتفاضة إبتدأت ذاتية الدفع بعد أن بلغ سيل التضييق زباه بالزيادات الأخيرة في الأسعار ,بمبادرة الشباب وبدون تحرك القوى السياسية و التنسيق مع الشباب ، و لذلك كانت يتيمة التنظيم و القيادة ، خاصة و مما حتم الدعوة لشباب الثورة للتصدي لتنظيم مسار الثورة .
كان انتفاضة سبتمبر فرصةٌ جيدة ، برغم كلفتها العالية ، لتكوين تصور واقعى وموضوعى عن مجمل عملية التغيير من قوى و ادوات ، وخطط ، على سبيل المثال ادوات التغيير وعلاقتها بالظروف الموضوعية التاريخية الراهنة، عن ضرورة دعم ادوات التغيير التى عرفها الشعب فى الماضى وجربها بادوات جديدة تستجيب لاحتياجات الواقع الجديد ، فقد أكدت الأحداث أن الشارع مستعدٌ للخروج والتضحية .
لكن هنالك ظروف منعت القوى و الاحزاب السياسية من ان تكون فاعلة وتقوم بواجباتها ، وهى ظروف موضوعية تتعلق بانها تعرضت من هذا النظام الفاشى الشمولى الدموى لأفظع حملات الترويع والتخريب التى شهدها تاريخ السودان الحديث حيث فصلت كوادرها عن العمل وتعرضت للاعتقلات و التعذيب وهاجر جزء كبير منها ، واخترقت الاجهزة الامنية صفوفها وزرعت فيها الخلافات ، ذلك المناخ الذى لم يتح لها الفرصة فى تجديد رؤاها وقياداتها وبرامجها. وكذلك ظروف ذاتية لها علاقة بتركيبتها التنظيمية الداخلية و تصوراتها لضوابطها، وبانماط قيادة غير ديمقراطية ، اشياء تتعلق باطرها التنظيمية وعلاقاتها الداخلية.
لم تكن القوى السياسية تملك الاستعداد والجاهزية لقيادات الحراك ودعمه بالكوادر ذلك انها لم تكن من ناحية متماسكة داخليا بما فيه الكفاية لتعمل على استنهاض الجماهير ولم تكن من ناحية اخرى قد استعدت وتسلحت بالمشروع الوطنى والتحالف الوطنى الواسع الذى يجمع كل مكونات الكتلة التاريخية ، لقد كانت سبتمبر إنتفاضة شعبية مكتملة الأركان ، لكنها لم تجد من يقودها لنهاياتها الطبيعية المتمثلة في التغيير الذى يبتدئ بتغيير النظام .
استطاع الشباب فى انتفاضة سبتمبر 2013 الانتصار لكرامة وعزة الشعب السودانى بخروجهم البطولى للشوارع و بالتضحيات الكبيرة المتمثلة فى ارتال الشهداء التى قدموها فداء للوطن.
أعظم أثر إيجابي لانتفاضة سبتمبر 2013 كان تعرية نظام الإنقاذ بسقوط ورقة التوت الاخيرة عن عورته ، بنزع القناع عن وجهه البغيض أمام المخدوعين بشعاراته الدينية داخل السودان و خارجه ! هذا بجانب آثار إيجابية أخرى .
.
تحركات قيادات قوى الاجماع اثناء الانتفاضة ، نظرة نقدية حول الامر:
تم منع قيادة تحالف قوى الإجماع الوطني من الإجتماع عند قيام الإنتفاضة , و عندما قرروا الذهاب إلى منزل الزعيم الأزهري للإلتقاء فيه وجدوا أن سيارات الأمن قد سدت الأبواب , و عندما تجمعوا خلف المنزل أتى إليهم جنود الأمن و أشرعوا أسلحتهم الأتوماتيكية على ظهورهم و أمروهم بالتفرق و إلا فسوف ينفذون التعليمات بإطلاق النار عليهم.
ولم يكن منع قيادة قوى الاجماع الوطنى شياء جديدا ، ففي كل السنوات السابقة كانت السلطات تشترط أخذ تصاديق من مراكز الشرطة للتجمعات و المسيرات و لكن كانت الشرطة تماطل في إعطاء التصاديق و إذا خرجت المسيرات تقمعها حتى و لو كانت تحمل تصاديقها ! القمع للمسيرات السلمية عادة يكون بإطلاق القنابل المسيلة للدموع و الرصاص بأنواعه و بالضرب و الإعتقال .
من الواضح ان قوى الاجماع الوطنى لم تكن تضع خطط بديلة للاجتماعات المباشرة و التى كان امر منعها متوقعا بحكم التجارب كما اسلفنا ، حيث كان يمكن للقيادات الاجتماع عن طريق استخدام التكنلوجيا ، وفى حال تعذر اجتماع القيادات كان يمكن توجبه القيادات البديلة بقيادة غرفة العمليات لتفعيل الانتفاضة وقيادتها ، ثم ووفق التطور المنطقى للاحدث على الارض ، كان من الواضح ايضا انها لم تكن قد وضعت واتفقت على خطط واضحة للتحرك وسط الجماهير المنتفضة لدعم الحراك بالقيادات المدربة المتسلسلة و التحركات اللتى تهدف لاستنهاض جماهير المدن .
من الملاحظ ان قوى الاجماع الوطنى وبدلا عن تنظيم الجماهير واستنهاضها ودعم الانتفاضة بالكوادر المدربة و بالخطط البديلة تحولت خلال احداث انتفاضة سبتمبر 2013 الى (منظمة حقوق انسان) ، ترصد عدد القتلى بدلا عن ترك منظمات المجتمع المدني، منظمات حقوق الانسان ، تقوم بتلك المهام، ليس لان واجبات منظمات المجتمع المدنى الحقوقية الاساسية بعيدة عن السياسة ، بل لان هذه الواجبات بالتحديد هى اقرب لبعض مهامها، هذا ان دل على شيئ فانما يدل بالاضافة الى االمعضلات العديدة التى تعانى منها القوى السياسية فان منظمات المجتمع المدنى بما فيها منظمات حقوق الانسان ايضا تعانى من قصور واضح وبين فى اداء واجباتها .
مؤسسات الوعي و الاستنارة تلك المعنية بحقوق الانسان ،الجانب الثقافي ، التنظيمات الاجتماعية، المهنية، التدريب وتلك المعنية بتقديم مختلف الخدمات مهمة جدا فى هذه الظروف الاستثتائية الحرجة من عمر السودان ، وقد لعبت ويمكن ان تلعب دورا مهما ، وما تلك الهجمة الشرسه التى عانت منها المنظمات ابتدأ باغلاق النظام لمركز الدراسات السودانية يوم الاثنين الموافق 24/12/2012 ، ثم توالت الاغلاقات لتشمل الكثير من المنظمات خلال الاعوام الماضية الا دليلا واضحا على تخوف السلطة منها.
قدمت انتفاضة سبتمبر 2013 المجيده اكثر من مئتين وخمسين شهيد وهواكبر عدد وبكثير من كل الشهداء الذين سقطوا فى انتفاضتى اكتوبر 1964 وابريل 1985 (فى الواقع ليس هناك اى وجه للمقارنه) ، اى ان عدد شهداء انتفاضة سبتمبر اكبر عدد شهداء سقط فى فعل ثورى سلمى فى ( الحضر ) السودانى منذ استقلال السودان عن بريطانيا فى ياناير 1956
إن انتفاضة سبتمبر المجيدة حدثت نتيجة لتراكم السخط الشعبي العارم والمتزايد ضد سياسات النظام الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المدمرة، ولكن ما كان لها أن تستمر وتتقدم نحو غاياتها المنطقية والنهائية بدون قيادة موحدة توجه هؤلاء الشباب وفق برنامج سياسي تلتف حوله القوى الشبابية والجماهيرية، فجماهير وقواعد الأحزاب قد ساهمت وشاركت بصورة فاعلة في التحرك والتظاهر وقدمت شهدائها وجرحاها، بمعزل عن قيادات الأحزاب التي تقاعست عن المشاركة كدأبها وتخاذلت عن القيام بدورها الطبيعي والطليعي في قيادة جماهيرها المنتفضة. ولذلك من وحي الذكرى الخامسة لهذه الانتفاضة الباسلة يجب ان نستخلص ونستوعب الدروس والعبر حتى نتفادى نواقصها وسلبياتها في مقبل الأيام حينما تتهيئ الظروف وتخرج الجماهير بكامل ارادتها ساعية للإنتفاض والثورة على النظام.
نناج لتراكم الخبرة و الوعي ، حول مسالة النضال ضد هذا النظام ، يبدو ان الوعي الجمعي لنشطاء الشعب السوداني في اتجاه مفارقة محطة عفا الله عما سلف
دروس انتفاضة سبتمبر 2013
من اهم دروس انتفاضة سبتمبر 2013 هو ان العملية الثورية الجارية فى ظاهر وباطن الحراك السودانى تعبير عن ازمات جزرية تستدعى حلول جزرية وهى تتحدى أدوات انتاج المعارف السائدة وتستدعي ، فحصها، النظر النقدى فيها تطويرها واحيانا انتخاب بدائل لها.
ايضا من أهم دروس انتفاضة سبتمبر 2013 المجيدة ، انها طرحت اسئلة جادة حول قوى التغيير و ضرورة التحالف الوطنى الواسع ، خاصة فى هذه الظروف وبعد تدمير الخدمة المدنية و النقابات ومنظمات المجتمع المدنى ، طرحت اسئلة حول القيام بالمهام الملقية علي عاتق قوي التغيير السودانية بكل فصائلها ابتداع الاشكال التى تمكننا من تجاوز القصور فى الحراك السودانى و تنهض بتنفيذ مهام التغيير وتشكل عصب حماية الثورة خلال عملية التغيير و في الفترة الانتقالية.
من الدروس المهمة لانتفاضة سبتمبر 2013 الشبابية المجيدة أن جسارة الشباب وشجاعته لم تكن مسنودة بخبرة كافية في العمل السياسي و التنظيمي، أن ضعف القوي و التنظيمات السياسية هو السبب في هذيمة الانتفاضة بسهولة ويسر، أن الشباب وحدهم دون سند شعبي قوي ومشاركة فعالة من معظم قطاعات الشعب لن يستطيعون تحقيق التغيير المنشود ودون عمل يتم التخطيط له باشتراك و التنسيق بين معظم القوي المعنية بالتغيير.
اثبتت انتفاضه سبتمبر 2013 ان السلطه الفاشيه على استعداد كامل وبخطط مدروسه لمواجهة اى تحرك سلمى مدنى بالقتل المباشر رميا بالرصاص فى الرأس و الصدر ، حيث انها استخدمت فى ذلك اجهزتها الامنيه ومليشيا الجنجويد.
من أهم دروس انتفاضة سبتمبر 2013 هو أن هذا النظام وعبر اختبارنا له خلال ال 29 عاما الماضية أثبت بأنه لم ولن يتورع عن اغتيال المتظاهرين بدم بارد وسيرتكب أبشع الجرائم في سبيل بقائه في السلطة، عليه فان من السذاجة وعدم المسئولية عدم التفكير الجاد في رفد الأدوات التي جربها الشعب السوداني في التغيير( فى ظروف مختلفة كليا عن واقع اليوم) ، وهى ظروف انتفاضتى اكتوبر 1964 و مارس ابريل 1985 ، و التى تتمثل فى التظاهرات والإضراب السياسي و العصيان المدني ، ذلك أن الظروف المختلفة التي استجدت تتطلب أدوات جديدة تسند ظهر الأدوات المجربة وتحمي الجماهير من غدر السلطة الفاشية مثل العمل علي توفير كل المعينات لحماية التظاهرات في حال قيام أجهزة السلطة باغتيال إعداد كبيرة من المتظاهرين ، خاصة أن السلطة عملت خلال ال 29 عاما الماضية علي تصفية كل العناصر التى لاتدين لها بالولاء من كل اجهزت وادوات القمع مثل الجيش و الشرطة وجهاز الأمن ، ويعلم المراقبين أن التنظيم الإسلامي قد بدأ السيطرة التدريجية علي الأجهزة الأمنية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي بعد
ما سمي في الأدب السياسي السوداني بالمصالحة الوطنية بين الاخوان المسلمين بقيادة الترابى و الاحزاب التقليدية ( الامة و الاتحادى الديمقراطى ) ، مع نظام مايو فى 7 يوليو 1977 واستطاع الاخوان المسلمين من التغلغل فى كل اجهزة الدولة و السيطرة على المؤسسات خاصة الاجهزة الامنية بعد تنفيذ قوانين سبتمبر 1983 ، كما توسعت ونمت ارصدتهم ونشاطاتهم المالية و التجارية (البنوك الإسلامية) ، فصاروا اغنى الاحزاب السياسية فى السودان خاصة و المملكة السعودية كانت تضخ لهم الاموال بتوصية من امريكا تحت بند محاربة الشيوعية . .
شكلت انتفاضة سبتمبر 2013 معلما مهما فى تاريخ الثورة السودانية لانها كشفت الوضع السياسى فى السودان بكامله ، (سلطة ومعارضه) ، واتاحت الفرصة لقرأة مفصلة لحقيقة الوضع ، حيث انها كانت مختبر حقيقى و واقعى لقوى التغيير ولادوات التغيير ، هذا من ناحية من ناحية اخرى وضحت للشعب السودانى حقيقة سلوك السلطة عندما تواججها الجماهير فى الشوارع .
بناء على ما تقدم علينا بناء تحالف جبهوى واسع من (المعارضة الرسمية و الشبابية و الشعبية) ، يتبنى مشروع وطنى يلبى كل حاجات الجماهير السودانية فى الريف و الحضر وبكل تنوعها( الكتلة التاريخية) ، يتبنى اعادة هيكلة وتاسيس الدولة السودانية ، على ان يتم وضع حجر اساس التنفيذ العملى للمشروع الوطنى فى الفترة الانتقالية ، وان تتناسب الفترة الزمنية للمرحلة الانتقالية مع الاحتياجات الحقيقة المطلوبة لاكمال تنفيذ المشروع الوطنى ، يجب ان يتم الاستعانة بالتكنوقراط فى التخطيط النظرى للمشروع الوطنى وفى تنفيذه على الارض ، مع ضرورة استشارة الجماهير السودانية فى مختلف مناقهم حول افضل نظم وسبل الادارة .. الخ.
الآن وبعد ان الحقت السلطه مليشيا الجنجويد برئيس الجمهورية واصبحت قوة موازية للجيش ، تتبع مباشرة للبشير وتتلقى مرتباتها و اوامرها منه، بعد ان كانت قد الحقت بجهاز الامن تبدو هى و الاجهزة الامنية اكثر اصرارا و استعدادا للقمع الدموى والتصفية الجسدية لكل من يشارك فى النشاطات المدنية السلمية فى الحضر السودانى.
على المثقفين السودانيين العاملين فى مجال التنوير و التوعيه و الخدمات الاجتماعيه ادراك حقيقه ان هذا النظام غير قابل للاصلاح باى مستوى من المستويات وان الطريق الوحيد لانقاذ البلاد قبل انهيارها هو اقتلاعه تماما من جزوره ، وان الطريق الى ذلك سيتطلب ادوات جديده تسند ظهر تلك الادوات التى عرفتها وجربتها قوى الشعب السودانى فى الحضر من تظاهرات و اضرابات وعصيان مدنى ، وانه دون الاعتراف الشجاع بهذا الحقائق و مواجهه هذا الواقع بكل فداحته وبما يتطلب من الاستعداد و التنسيق مع كل الجهات المعنية و الاستعداد لباهظ التضحيات و الاعداد للمواجهة الكبرى مع السلطه لاسبيل للخلاص من هذاالنظام الفاشى.
تظل المهمة الأولي التى لم تنفذ بعد أو التى لم يكتمل تنفيذها بعد وفق الظروف الموضوعية في الوقت الحالي هي تنظيم الجماهير في الأحياء وتكوين لجان الانتفضة فى مجالات العمل والدراسة ومواصلة المعارك اليومية ، إقامة حلقات التدريب للشباب علي أداء مهام محددة تقود لنهوض الشارع ، تكوين حلقات ، بداية التظاهرات الليلية ، تدريب مجموعات على أداء مهام اُثناء إشتعال التظاهرات ، تكوين وتدريب وتهيئة قيادات الظل لاداء مهام القيادة فى حال اعتقال قيادات الصف الاول و الثانى .. وهكذا .
السؤال هل ستشهد المرحلة التاريخية الراهنة نهوض النشطاء بالمهام النظرية و العملية التي تعني بطرح الأسئلة حول قضايا البلاد المزمنة، و وضع الخطط الجادة التي تؤسس للحراك وأدواته وكل قضايا بناء الحركة الجماهيرية؟
هل تستجيب المعارضه الرسمية لنداءت الواجب الوطنى بالالتقاء فى جبهة عريضه مع المعارضه غير الرسمية فى اتجاه العمل من اجل اكمال واجبات المرحلة من التجهيزات و العمل المشترك فى اتجاه انتخاب المشروع الوطنى والتخطيط للفترة الانتقالية والاتصال من الان بالتكنوقراط فى مختلف التخصصات وتكليفهم بالاستعداد والاعداد للفترة الانتقالية و التى ستكون عصب التغيير و التى ستضع حجر اساس الثورة التاسيسة الديمقراطية وإعادة بناء الدولة؟
الأمر الذي يزيد من صعوبة الإجابة علي هذا السؤال هو ضعف الكيانات التنظيمية لمجمل الحركة السياسية السودانية وتراجع الأداء لكل مكوناتها في الجانبين الفكري و التنظيمي. هذا الضعف حقيقة امنت عليها معظم القوي ، ولما كان معرفة مكامن الضعف هي الخطوة الأولي نحو الإصلاح و التطوير، نتوقع في الفترة القادمة خاصة وكل الظروف تشير لاكتمال العناصر التي يفترض انها تؤسس و تمهد لحراك جماهيري واسع من أجل اقتلاع الحقوق التى نص عليها الاعلان العالمى لحقوق الانسان.
نسبة للوضعية الخاصة التى يعشها السودان نتاج التدمير المنظم للخدمة المدنية وللمشاريع و المصانع المنتجة و الحروب فى الريف السودانى التى تشنها مليشيات السلطة على المواطنين ، ارى ان تحالف الكتلة التاريخية هو ابتداع لشكل نضال يناسب الظروف الموضوعية الحالية بكل تعقيداتها ،حيث يستوعب العمل الجبهوى ممثلا فى الكتلة التاريخية المعارضة الرسمية السلمية و المسلحة ، داخل التحالفين الرئيسيين الاجماع الوطنى ونداء السودان ، والمعارضه الرسمية خارج هذين التحالفين بالاضافة الى المعارضه غير الرسمية المتمثلة فى القوى الشبابية و القوى الشعبية (المنظمات الشعبية المقاومة لسياسات النظام) ،على ان الشرط الاساسى هو ان يتبنى هذا الحلف الجبهوى الواسع مشروع وطنى لانتشال البلاد من حالة الانهيار الكامل للدولة و الاقتصاد خلال الفترة الانتقالية و الوصول بها الى وضع يسمح بقيام انتخابات حرة نزيهة .
*صحفى وباحث سودانى
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
//////////////////////


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.