تتقدم الثورة بعبقها وعبقريتها متغلغلةً في مفاصل المجتمع وأهازيج الأطفال ، شاحذةً همم الشباب ومواهبهم وإبداعاتهم في فنون الحياة والاستشهاد وفي الرقص والإنشاد والانضباط ، مداعبةً آمال الشيوخ وأمنياتهم أن يمد الله في أعمارهم ليشهدوا سقوط الكابوس وانطلاق وطنهم الي الأمام ، ناشرةً أجواء المحبة والتسامي والتسامح بين الجميع ، متجاوزةً مختلف محاولات الكبح ومبادرات الحلول الجزئية من الداخل والخارج ، متجهةً الي هدفها (تسقط بس) لوضع البلاد على عتبات المواجهة الجدية لأزماتها المزمنة المتفاقمة ، ومؤكدةً لما ظللنا نقول للمشفقين والمتشائمين ، أو قل اليائسين ، أن الانفجار قادم وأنها لهزة في المجتمع وفي النفوس فتعود إلينا الفضائل الانسانية المعهودة (المتوارية) في الإيثار والحب والاحترام والانضباط .... إلى آخرها .. وبالفعل ، فإن ذلك هو الذي يحدث الآن بإبداع بائن ، ولكنه لا يمنع من توجيه الأنظار إلى نواقص وسلبيات هنا وهناك كظواهر أحياناً وكعادات في أحيان أخر ؛ في حياتنا مثلاً توجد - بدرجات متفاوتة - عادة اتخاذ موقف أو اعتناق مفهوم وترديده دون تدبر أو فحص بطريقة انطباعية ونمضي في تكرارها موقفاً ومفهوماً (لا اريد ان اقول بطريقة ببغائية) إذ لا شك أن البعض بقصد .. وآخر الأمثلة في ذلك تسجيل صوتي انتشر مؤخراً في وسائل التواصل وبنفس المقدمة التي تقول : (تحليل رصين من الأستاذ "فلان" يوضح ....) ، بدأه بتضخيم متوهم للذات من نوع : (دخلت في عصف ذهني ، وأنا لما أبدا أنظر وأفكر وأتابع وأستنتج ....) !! وبعد كل فقرة وأخرى يردد عبارة : ( دي معلومات بقي) (اقولها ليك في الخاص) .. والذي يهمني في هذا (التحليل الرصين) ما ادعاه صاحبه (أن البشير والإسلاميين تواصلوا مع نداء السودان ليأتي الصادق المهدي في سيناريو الهبوط الناعم وتدخل الحركة الاسلامية في جسم حزب الأمة عبر الهبوط الناعم ويتم تسليم وتسلم هادئ ، وهي الصيغة المتفق عليها بين الجميع والمجتمع الدولي ، غير أن شعب السودان اكتشف اللعبة وقام بانتفاضته وكسر فكرة الهبوط الناعم وانتخابات 2020 كسيناريو ) .. في هذا الإدعاء اقحم الاستاذ نداء السودان ، الهبوط الناعم والسيد الصادق المهدي في (التحليل الرصين) ، فإذا اعتبرنا أن إلصاق صفة الهبوط الناعم على نداء السودان كان في مبتدئه من باب مكائد المناوئين ، وأن ترديدها إلي زوال ، فلماذا أصلاً الموقف السلبي عند البعض من السيد الصادق ؟ وبعبارات مكرورة يتناقلونها : (عشان الصادق يجينا تاني) (ما تجيب لينا سيرتو) (البلد استفادت شنو من قدراتو البتقولوها) ، وغيرها من التعبيرات المحفوظة والمتناقلة وحتى المتوارثة : اذا اتفقنا (جدلاً) مع أغلب المنتقدين للمهدي بوعي ، أنه في تجارب حكمه السابقة كان دائم التردد في اتخاذ القرارات ، ومجاملاً للإخوان المسلمين ، وأقرب فترتي حكمه كانت قبل ثلاثين عاماً ، فإن ذلك يعني أنه متجمد عند آنذاك !! ، فهل يعقل لرجل مفكر وفقيه نابه يتمتع بحيوية فائقة وقدرات شاملة مثل السيد الصادق أن يتجمد ثلاثين عاماً عند صفات ورؤي كان عليها آنذاك ؟ .. ثم أين هو الآن ؟ أليس هو رئيس حزب الأمة القومي المعارض ورئيس نداء السودان المتحالف مع تجمع المهنيين وقوى المعارضة الأخرى في الإجماع الوطني والحركة الاتحادية ؟ ، هل نريده - بثقل حزبه وثقله الإقليمي والدولي وخبراته - في صف الثورة أم في الصف البغيض ؟ ، ألم نتفق على قبول أي قادم إلى مظلة الثورة خصماً علي النظام ، وأنه بعد إسقاط النظام وإنجاز مهام الفترة الانتقالية سنحتكم إلى صناديق الاقتراع ليختار سيدنا الشعب من يريد ؟ ، وكيف أصلاً نكون ديمقراطيين و مكافحين من أجل الديموقراطية دون أن نقبل بعضنا داخل الخندق الواحد ؟ .. وبعيداً عن "التحليل الرصين" والأوهام الذاتية المرافقة ؛ هيا نتخلص من عيوب الانطباعية في المفاهيم والمواقف ، ومن التكرار والترديد السهل لها دون تبصر ، هيا لنستعيد - تحت ظلال الثورة - قيمة الكبير وتوقيره ، أن نختلف لكننا نحترم .. راجياً من كل معترض على هذا الحديث أن يقرأه (متحرراً من مواقف مسبقة) ثم أن يتأمل الأمر مرةً أخري عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. //////////////// /////////////////