التصحيف والمطالعة في حياة العظماء ومدارسة سيرتهم من اهم أخلاقيات التدوين والرواية وتتعاظم صدقيته خاصة إذا ارتبط بشخوص وعبقريات جمعتك بهم الجغرافيا او التاريخ فيكون التدوين والكتابة مشبعة بعبق المكان ومحفوفة بيقينيات غارقة في ثنايا التفاصيل . لم تكن رغبتي في الكتابة عن هذه السيدة المربية الفاضله هو من اجل الكتابة فحسب بل وجدت نفسي أمام لوحة باذخة وبساتين وارفة الظلال متنوعة ذات غلب محدودقة بأطايب الأكل يصعب علي من يمر ببابها او يدنو من سورها الا يخطف منها شيئا كانت فاطمة سيف الدين احدي حارسات الضمير الوطني في السودان تنتمي الي ارومة فاضلة فوالدها سيف الدين الدخيري الذي تعود اصوله الي قبائل دارحامد التي استقرت بدارفور منذ عهد السلطان محمد الفضل الذي وصلت فتوحاته تخوم نهر النيل كانت مدينة امكدادة في تلك الاعوام عامرة بخيراتها الوفيرة فارضها كانت بكرة معطاءة وحياتها رغدة ياتها رزقها من كل مكان والدها سيف الدين كان الاخ الاصغربين اخوته كان الوالد سيف الدين شابا نشطا عرف من بين اقرانه بحب العمل لا تعرف حياته الراحة والاستجمام وقد حكي احد اصدقائة ان سيف الدين عندما يذهب براويته لجلب الماء من امكدادة تستودعه معظم اهل القرية راويتهم فيصطحب معه قافلة ضخمة من الحمير والجمال فرغم المعاناة والمخمصة الا انه كان سعيدا بهذا التكليف ولم يعرف يوما كلمة لاء فهو رغم صغر سنه اصبح سيد القرية وزعيمها الاوحد انا شخصيا رايت العم سيف الدين وتحدثت اليه مرات ومرات فهو هاديء الطبع له وجه شاحب ولكنه وضاح المحيا جسمة نحيل فارع الطول اذا مشي اسرع رغم تطاول السنين الا انه ظل محافظا علي رشاقته ونشاطه كان عندما يزور امكدادة يطوف علي معظم اصدقائه داخل السوق يحيهم فردا فردا يعود سيف الدين الي القرية تستقدمه القافلة ومعه وسق بعير زائد من السكر والشاي ودقيق الطحين فيستقبله اهل القرية ويسلمهم جميع وصاياهم التي احضرها وفي احايين كثير يضطر للمبيت .الاستاذة فاطمة كان ترتيبها الربع من حيث لاقدمية من بين ثمانية معلمات من بنات امكدادة فقد سبقتها الاستاذة حواء الشريف الصديق ادم وهي كريمة احد ارابيب الندي والذي يعتبر من اثري أثرياء دارفور وهي زوجة الاستاذ محمد احمد حمدان وهو من خريجي جامعة اكسفور اما الثانية فهي زخرف عمر خوف حفيدة الأمير خوف احد وزراء السلطان علي دينار وهي حرم الاستاذ مالك الزاكي وثالثة الاثافي الاستاذة نفيسة ضو البيت عبد الدائم ابنة ناظر عموم شرق دارفور والثلاثة تخرجن من كلية معلمات امدرمان والرابعة كانت الاستاذة زهراء الدخيري والأستاذة زهراء ابوبكر اسحق وأختها مريم ابوبكر اسحق وقد تخرجن جميعا في العام 1953 من معهد معلمات الدلنج ودخلن معترك الحياة العملية بمدرسة ام كدادة التي تعرف حاليا بمدرسة الأم بنات بعد انفصالها من مدرسة البنين في العام 1950 . تقول الاستاذة زهراء ابراهيم الدخيري وهي ابنة عمها أنهن تم قبولهن بمعهد معلمات الدلنج بالدفعة الثالثة وقد لاقي نجاهن فرحة غامرة وسط الأسرة والأهل فذبحت الذبائح واقيمت الاحتفالات وعاشت المدينة أفراحا ليست كبقية الأفراح اذ كان لهذا التفوق الأنثوي طعما مختلفا عن بقية الأفراح ،فقد احدث هذا النجاح زلزالا هز عموم مجلس شرق دار فور واصاب الممانعين والرافضة من دعاة حبس البنات في البيوت بصدمة قوية وعضوا بنان الندم علي تفريطهم وإهدارهم للفرص التي أهدتها لهم السلطات الإنجليزية ولم تفلح مناشدة المامور في إقناعهم باهمية تسجيل بناتهم للمدرسة . كان مامور المركز يقوم بزيارات ميدانية لمنازل الأهالي ليقف علي مستوي النظافة في الطرقات وداخل المدينة ويقوم بتسجيل المواليد الجدد ويستخرج لهم شهادات الميلاد فيحث الآباء علي حمل الأطفال الي المدارس استجاب بعض الأهالي وأرسلوا ابنائهم الذكور الي المدرسة وحرموا الإناث منها حتي زعزع الناظر ضوالبيت عبد الدائم قناعتهم وهزم هذه الممانعة إذا احضر كريمته نفيسة الي المدرسة فانكسر الحاجز النفسي وتيقنوا ان فيي تعليم البنات فائدة وقيمة وقد كان لقادة الانصار رأي واضح في تعليم البنات وبثوا في وسط العامة ان المدرسة تتورك البنات (من الترك ) وتجعلهن متحررات وينحرفن عن الجادة وقد ذكر لي البروفيسور عبد الله عثمان التوم انه سال والدته ست النساء وهي ابنة الشرتاي مهدي سبيل ابوكدوك وهي اول بنت من دارفور دخلت المدرسة في الفاشر سالها احجام أهل دارفور عن ارسال ببناتهم الي المدرسة فأجابته ان الاباء تأثروا بالدعايات التي اطلقها بعض علية القوم والتي وصفوا فيها تعليم البنت بانه يغير طبعها ويجعل منها بنتا صائعة وتختلط بالرجال وتتحرر من قيود المجتمع . واستجاب الاباء وانبروا في منافسة شديدة بعد ان رأوا بنت الناظر تقدمت الصفوف ووقفت في طابور المدرسة الصباحي وحاز منكبها منكب أخاها الرجل فتسابقوا اليها حتي فاضت المدرسة واكتفت من التلميذات وقد كتب الاستاذ مالك الزاكي في احدي الدوريات ان بعض أولياء أمور التلميذات الائ لم يجدن مقاعد للدراسة رفعوا شكوي لمأمور امكدادة تظلمو فيها لديه واتهموا مدير المدرسة بالانحياز الي بعض الأسر وتحول القبول الي عينه وجوه وأصبح بين خيار وفقوس بل اتهموا مستر مايكل مدير المدرسة باستلام بعض الرشي والبلسات من بعض الاباء وأكدوا انهم شاهدو المدير. يستلم كميات من السمن البلدي وعسل النحل وبعض فراء الاصلة من بعضهم . حسب تعبير الاستاذ مالك عليه الرحمة عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.