يعتبر مصطلح الاقتصاد الاجتماعي (Social Economy) مصطلحاً حديثاً ظهر أولاً في ألمانيا وفرنسا في ثمانينيات القرن الماضي، وفي مطلع القرن الحالي انتشر في بقية دول العالم، ويعتبر الاقتصاد الاجتماعي عمومًا قطاعًا ثالثًا من الاقتصاديات الرأسمالية المختلطة التي تختلف عن القطاعين العام والخاص؛ يعتمد الاقتصاد الاجتماعي على أنشطة تعاونية وغير ربحية وتطوعية في المقام الأول بدلاً من الأنشطة المدفوعة في المجتمعات المحلية وعبر الاقتصادات الوطنية والدولية. يشار إليها بشكل مختلف على أنها القطاع غير الربحي، واذا نظرنا الى فكرة الاقتصاد الاجتماعي بمعناها الحديث نجد انها ظهرت كمحصلة للنتائج الكارثية والصعوبات الاجتماعية الناشئة عن الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، كضرورة اجتماعية اقتضتها حالة المجتمع وضرورة معالجة اختلالات تلك الفترة الاجتماعية والمالية، لذلك يمكن تعريف الاقتصاد الاجتماعي من خلال مجموعة من الأهداف الاجتماعية المختلفة للمنظمات التي تتكون منها. ووفقًا للمفوضية الأوروبي، يتم تصنيف منظمات الاقتصاد الاجتماعي على أنها تعاونيات ومجتمعات تبادلية ومنظمات طوعية ومؤسسات اجتماعية؛ تعتمد جميعها على المشاركة والعضوية الطوعية، وتسترشد بأهداف اجتماعية بدلاً من السعي فقط لتحقيق عائد من تشغيل رأس المال. وبما أن هذا الاقتصاد ظهر في ظل أصعب الأزمات الاقتصادية فنحن في امس الحاجة اليه في السودان فهو اقتصاد قائم على قيم العدل والمساواة والتعاون، والالتزام بالتضامن الاجتماعي الذى يوسع مداركنا نحو البدائل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمبادرات المتعلقة بالتجارة العادلة والتمويل ذو البعد الاخلاقي، والاستدامة البيئية؛ وتعمل الكثير من منظمات الاقتصاد الاجتماعي على تقديم الخدمات لأعضائها أو غيرها من المنظمات المجتمعية التي تهدف إلى خدمة المجتمع وليس السوق، وتشارك منظمات الاقتصاد الاجتماعي الأخرى المعروفة باسم المؤسسات الاجتماعية، في أنشطة تجارية من أجل إفادة أعضائها أو الذين تخدمهم. من خلال إعادة استثمار الفوائض والأرباح المكتسبة، أو توزيعها على مجموعات أصحاب المصلحة، أو استخدامها لصالح من تخدمهم وتدعمهم المؤسسة. ويمكن أن تشمل هذه الجمعيات مجموعة متنوعة من منظمات الاقتصاد الاجتماعي مثل اتحادات المزارعين والحرفيين، والجمعيات الخيرية والمؤسسات الخيرية، وجمعيات الأحياء والمنظمات المجتمعية، والنقابات العمالية، والاتحادات الرياضية، والمستشفيات، ومجموعات حماية المستهلك، والجماعات الدينية، المجموعات البيئية، المجموعات الفنية، والأندية الاجتماعية، والمنظمات السياسية، تعاونيات المنتجين، الجمعيات التعاونية والمهنية، وديوان الزكاة. ومن الامثلة الدولية شبكة التضامن الاقتصادي لأمريكا اللاتينية وتشمل، البرازيل والمكسيك والأرجنتين وبيرو ونيكاراغوا وبوليفيا وكولومبيا واسبانيا، وفي عام 2004م عقد المنتدى الاجتماعي العالمي في بومباي في الهند وأسفر عن ظهور 47 شبكة عمل لاقتصاد اجتماعي تضامني اقليمية ووطنية من مختلف قارات العالم. أما في المنتدى الاجتماعي العالمي الأخير في مارس 2018م بمدينة سالفادور البرازيلية، فلقد شكلت موضوعات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ثلث برنامج المنتدى بأجمعه. ومن أهم المبررات الفلسفية لحاجتنا لهذا الاقتصاد هي عجز الحكومة في التغلب على الصعوبات والتحديات التي تواجه مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ونحن نلحظ تواضع الأداء الاقتصادي بصورة خاصة، وبالتالي عدم تحقيق المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي استهدفتها الخطط الاقتصادية والاجتماعية منذ تبني الحكومة لمنهج الخصخصة واقتصاد السوق الحر. مع الابتعاد عن العمل ذي المنهج الواضح المخطط مع وجود العشوائية والارتباك في القرارات والسياسات النقدية والاجراءات الاقتصادية، لذلك نشهد الآن ضعف الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذى كان من ثماره المظاهرات التي يشهدها السودان حالياً؛ وتدني نسب النمو الاقتصادي وفشل السياسات الاقتصادية والنقدية في التصدي للتضخم، وهذا أدى الى تضاعف مستويات الفقر، اضافة الى عزوف المؤسسات المالية الدولية عن اقراضنا مما زاد من تفاقم مشكلاتنا الاقتصادية. وبما أن كثير من الدول ضمنت في دساتيرها الاقتصاد الاجتماعي، لذلك نحن في أمس الحاجة الى اعتماد قانون وتشريعات خاصة بالاقتصاد الاجتماعي تضع اطار قانوني يغطى جميع مكونات الاقتصاد الاجتماعي ويوفر لها الحماية اللازمة لأداء دورها، ويعزز دورها مع القطاع العام والخاص لمعالجة المعضلات والاختلالات التي يعاني منها اقتصادنا. ونشير هنا الى ان الاقتصاد الاجتماعي لعب دوراً هاماً وبارزاً على المستوى الدولي سواءً من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية، حيث فر الوظائف لنحو 5,14 مليون شخص في اوروبا وحدها، وأسهم بأكثر من 10 في المائة من الناتج المحلي لبلجيكا وفرنسا وهولندا، وساعد حوالى 25 مليون برازيلي في تخطي عتبة الفقر، ومن خلاله تم تحويل مؤسسات مفلسة في الارجنتين الى مؤسسات تعاونية مما مكن من الاحتفاظ بحوالي 10.000 وظيفة، وفي ايطاليا توجد حوالي 710 منظمة تعاونية وفرت وظائف ل 23 الف شخص عاطل عن العمل. ايضاً نحن في امس الحاجة الى التنبيه الى اجراء ابحاث من خلال الجامعات ومراكز الابحاث العلمية بأهمية الاقتصاد الاجتماعي والفرص التي يوفرها، وعلى الحكومة. ويُنظر حالياً إلى مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي، والمنظمات غير الهادفة الي الربح على أنها باتت تلعب أدوارًا اقتصادية كبيراً في تلبية الاحتياجات التي لم تلبها قطاعات الاقتصاد الخاصة والعامة، والمنافسة مع المؤسسات الهادفة للربح، وتعزيز الإنتاجية الاقتصادية، وتحسين جودة تقديم الخدمات العامة، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير فرص العمل. بالإضافة إلى ذلك ، نظرًا لأن الاتجاهات العالمية تهدف إلى زيادة إنتاج الخدمات وخصخصة الخدمات الحكومية، ومن أهم مؤشرات إدراك فعالية الاقتصاد الاجتماعي في السياسات الاقتصادية الوطنية اهتمام العديد من الدول به مثل المملكة المتحدة وإسبانيا وفرنسا وكندا وعدد من بلدان أمريكا اللاتينية. وطور كذلك الاقتصاد الاجتماعي أشكالاً متعددة من وسائل الوصول إلى منظومة ائتمانية التي تعمل على الإدماج المالي، وابتداع أشكال من المدخرات الجماعية، والاتحادات الائتمانية، والخدمات المصرفية الأخلاقية والقروض متناهية الصغر؛ مع اشراك مؤسسات مهمة مثل ديوان الزكاة لتفعيل دوره غير التقليدي بزيادة اساهمه في اخراج الفقراء من دائرة الفقر الى دائرة الانتاج. في الاقتصاد الاجتماعية الأولوية للفرد والاهداف الاجتماعية وليس رأس المال، العضوية الطوعية والمفتوحة، والارتكاز على الأسس الديمقراطية، الاستقلالية، وتخصيص الأرباح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. الانتباهة : 01/04/2018 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.