السياحة في اعماق المشاهير وسير الأعلام في بلادنا لها متعة ذهنية تحرك في وجداننا غريزة الفطرة التي نبحث فيها عن ذواتنا وشخوصنا . فرغم تباعدحقب التاريخ فقد استطاع كثير من الاعلام الصمود علي منصة القيادة والريادة رغم المجايلة الزمانية والمكانية للانجازات الباهرة التي سطرها أؤلئك الإعلام ومضي منهم من مضي ولكنها ظلت مشاعل حية تنير لنا الطريق وتهدينا الي قصد السبيل . كنت قد تهيبت تقليب صفحات هذا العملاق والكتابة عن حياته والتنقيب عن سيرته ومسيرته الفخيمة فهي بؤرة ماسية وسلك كهربائي معروفة نتائج لمسه او الاقتراب منه مكتوب علي شواهد قبره بالخط الأحمر (منطقة ضغط عالي ممنوع اللمس والاقتراب ) فأهل شرق دارفور مجموعة سكانية وسيمة الجغرافيا، وثرية التاريخ غنية بمواردها الحضارية والفكرية أنجبت أفذاذ متفردين في العطاء والنوال فامكدادة حضنت في أحشائها شعوبا وقبائلاً شتي، أنتجت هجينا متنوعا جعلت منها وطن في متناول القلب، فأجاها المخاض بلا طفولة وعاشت بلا شيخوخة . من هذه السبخة المحروسة بجبالها والمكتظمة بعتاميرها وتبرها خرج الشيخ ابوبكر اسحق . ولد بقرية النيلة بالقرب من مركز الشريف كباشي الواقعة شرق مدينة امكدادة و الشريف هي المركز الفاصل بين حدود دارفور وكردفان وهي منطقة تداخل وتعايش بين قبائل البني عمران وقبائل الحمر الكردفانية والشريف كباشي هو الفضاء العربي لدارفور من الناحية الشرقية . تاريخ ميلاده كان في نوفمبر من العام 1890 يقابله في التاريخ الهجري ذي القعدة 1289 هجرية وقد قوقلت هذا التاريخ فظهر لي مناخ مرتفع الحرارة حيث تعامت الشمس بين خط الاستواء ومدار الجدي وصلت درجة الحرارة فيه ستون درجة في سواكن وتراوحت بين خمسة واربعين وخمسون فهرنهايت في معظم بقية مدن السودان وبالمقابل شهد ذلك العام هطول امطار غزيرة وصلت الي اكثر من خمسمائة ملمتر بين الأقاليم الجنوبية وتدرجت ناحية الغرب حتي استقرت في ثلاثمائة ملمتر علماء الجيوبلوتك يعتقدون ان المناخ وتنوعاته وابراجه يؤثر في الحياة العامة للمواليد من حيث الخصائص الجثمانية والنفسية وشيخنا هو من مواليد تلك الحقبة التي تعتبر من أعوام الرخاء والسعد فقد شب وترعرع في قرية النيلة التي لها نصيب وحظوظ متوفرة من اسمها فهي بوطة تحتفظ بالماء ولذا اطلق عليها اسم نيلة من النيل فالقرية محاطة بالجبال التي تنساب من أعاليها المياة فتغرق القرية في لجة من الماء الذي يظل لفترات طويلة راكدة فوق سطح الارض فتشرب منها حيوانات القريةويحفر السكان جمادة بالقرب من شاطئها لتتجمع في المياه النقية التي تصلح للشرب وهذه الجمادة تعرف في الثقافة الشعبية الدارفورية باسم (التمد ) وقد ذكر احد الرواة الشفاهين المتواترين ان هذه الجمادة استمرت تنبع وتتجمع مياها طوال العام حتي فصل الخريف ويعتقدون ان هذه من بركات ذلك الطفل الذي ولد في ذاك العام فقبل ميلاده كانت المياه تنقطع بعد أربعة او خمسة أشهر وأصبح أهل القرية يتحدثون عن حظ هذا المولود ونسجوا عنه أقاصيص وحكاوي أضفت اليه هالة وتقديسا وذهب بعضهم ان هذا الطفل معتوق السرة ولديه كرامات ظاهرة سيما وان في ذاك العام امتلاء الضرع ودر ونبتت سنابل الدخن وتمددت حبال البطيخ وامتلأت القرية بالخيرات الوفيرة وتحولت حياتهم من بعد مسغبة وجوع الي شبع وريا وربط بعضهم بين قدوم الطفل وولادة معظم حيوانات القرية بالتوائم .بمقدم هذا الطفل الذي عرف والده بالتقوي وشهدوا له بالصلاح فقد كان الشيخ اسحق صواما قواما وزاهدا في متاع الدنيا ولديه خلوة مشهورة يتبتل داخلها بعد ان يهجر رجزه ويطهر ثيابه وينقطع عنهم اياما وايام لا يلتقي بأحد فيصوم عن الطعام والحديث لايكلم منهم انسيا فقد كانت زوجته زينب بت صالح شرشار والدة ابوبكر كلما سالها أهل القرية عن زوجها تقول لهم الشيخ في الخلوة . والده الشيخ اسحق عالم القرية الوحيد فهو حافظ لكتاب الله يصلي بأهل القرية في الصلوات المفروضة ويغادر القرية احيانا ليؤدي صلاة الجمعة اماما بمسجد الشريف كباشي ابتهج أهل القرية بالمولود الجديد واستبشروا بقدومه فذبحت الذبائح وابتهج الجميع وكعادة أهل دارفور يختارون الأسماء حسب الأيام فالذي ولد يوم الاثنين يسمونه محمد والذي يولد يوم الثلاثاء يسمونه ابوبكر لانه ولد بعد الاثنين ويعتبرونه خليفة رسول الله (ص ) تيمنا ومحبة لمقامات النبوة. شب ابوبكر علي كنف والديه تحرسه العناية الالالهية فرغم تفشي الأوبئة والامراض الفتاكة المهلكة للطفولة فقدحفظه الله منها جميعا وعند بلوغه سن الخامسة بدأ والده في تلقينه القرآن وعند بلوغة سن العاشرة تمكن من حفظ القرآن وتعلم الكتابة والقراءة وأصبح والده يدارسه ويساعده حتي تعلم احكام التجويد وأصبح ينوب عن والده في تدريس أطفال القرية وأقرانه بل احيانا يجثوا له أكابر القرية ركبتيهم ليتلقوا منه صحيح القراءة والتجويد .كان رغم صغر سنه لا يحب اللهو كما يفعل اقرانه كانت تبدوا عليه امارات الرشد وإشارات الهداية والنبوغ فقد اوشك ان يكون نسخة مكررة من والده الذي عرف بالتقوي والصلاح عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.