عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. المشكلة التي انفجرت مؤخراً داخل قوى الحرية والتغيير وعبر عنها بيان الحزب الشيوعي السوداني الذي وجه فيه اتهامات قاسية بحق الأستاذ عمر الدقير والسيدة مريم الصادق المهدي عكست وجهاً سيئاً لتلك القوى، يضاف إلى أوجه السؤ العديدة، في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى إثبات جدارتها بالثقة التي أولتها لهم جموع المناضلات والمناضلات التي ظلت تضحي بالنفس والنفيس طوال أربعة شهور لإسقاط النظام واستعادة الديمقراطية. لست هنا بصدد من المخطيء ومن المصيب من الطرفين، ولا ما إذا كان من الصائب إصدار ذلك البيان في هذا الوقت، فعلى قوى الحرية والتغيير أن تحدد ذلك وتعلنه. الأمر الأهم هو ما أفصحت عنه هذ المشكلة من مظاهر عدم المهنية وافتقاد الاحترافية في عمل وأداء قوى الحرية والتغيير ككل. ما نعرفه هو أن قوى الحرية والتغيير كانت قد شكلت وفداً من عشرة أشخاص (اثنين من كل كتلة من الكتل الخمس الرئيسية المكونة له) لمقابلة المجلس العسكري الانتقالي لمناقشة مطالب قوى الثورة. وفقاً لبيان الحزب الشيوعي فقد تم تغييب مندوبي كتلة الإجماع الوطني التي ينتمي لها الحزب، وأن ممثلي الكتل الأخرى الذين حضروا الاجتماع أدلوا بعد الاجتماع "بتصريحات متعجلة متهافتة" "لا تعبر عن مواقف حزبنا" إلخ. بصرف النظر عن صحة اتهامات الحزب الشيوعي السوداني لبقية حلفائه فإن ذلك يعني أن الوفد الذي ذهب لمقابلة ومفاوضة المجلس العسكري الانتقالي لم يكن متفقاُ على موقف موحد حول القضايا المطروحة للنقاش والتفاوض، وتلك هي النقطة الجوهرية والأساسية والأكثر أهمية من أي شيء آخر. التفاوض لم يعد ممارسة للفهلوة أو تمريناً في الشطارة والحذلقة، وإنما أصبح علماً له أسسه وقواعده، ومهارات يدرب عليها الناس وتعقد لها الندوات والحلقات التدريبية. من أبجديات التفاوض أن تحدد الجهة أو المنظمة المعنية الأهداف التي ترغب في تحقيقها من خلال التفاوض. هذه الأهداف يجب أن تكون واضحة وجلية وقابلة للقياس، فعلى أساسها سيتم في نهاية التفاوض تقييم ما إذا كنا قد أحرزنا النتائج المطلوبة أم لا. ومن المسائل المهمة أيضاً مسألة تكوين فريق التفاوض. هذا الفريق يجب أن يتضمن كل التخصصات المطلوبة لمناقشة القضايا المطروحة وفي ذات الوقت يجب أن يكون في حدود العدد الضروري لإدارة عملية التفاوض بكفاءة، فالترهل مضر جداً ويعطي انطباعاً سيئاً منذ البداية. وبالإضافة إلى العدد، يجب أن يكون للفريق رئيس أو قائد يقود عملية التفاوض داخل وخارج القاعة ويخضع له جميع الأعضاء. يلي ذلك التحضير والإعداد الجيد والمتقن للتفاوض ويشمل ذلك أن يجتمع أعضاء الفريق قبل الشروع في التفاوض لدراسة كل القضايا المطروحة وتحديد نقاط قوتهم ونقاط ضعفهم وكذلك نقاط قوة وضعف الخصم، والنتائج المطلوبة والممكنة، وإدارة عملية التفاوض ودور كل منهم والتكتيكات التي سيتبعونها .. إلخ. من الواضح تماماً أن قوى الحرية والتغيير لم تتبع، لا هي ولا وفدها المفاوض، أياً من تلك الأسس، فلو كانت فعلت لما كان من الممكن إقصاء أو تغييب أياً من اعضاء وفدها، وحتى لو تم تغييب عضو أو اثنين أو خمسة لما كان ذلك سيحدث فرقاً، لأن بقية الوفد كانت ستكون متفقة على الأهداف وتعرف ما هو المطلوب. وكذلك لو كانت أهداف التفاوض محددة لما كان هناك لغط حول التعجل والتهافت ولما كانت الحصيلة هي ذلك السيل من الوعود المرسلة بلا التزامات واضحة أو مواقيت أو جداول زمنية محددة. إذا كانت هذه "السبهللية" هي الأسلوب الذي تتعامل به قوى الحرية والتغيير مع مسألة في غاية الأهمية، بل وحاسمة، مثل لقائها الأول مع المجلس العسكري الانتقالي، فماذا نتوقع من تعاملها مع بقية القضايا؟ إن الإيمان بالأهداف العادلة والسعي الصادق والمخلص لتحقيقها مطلوب، ولا نشك في أن تحالف قوى الحرية والتغيير ينقصه ذلك، ولكنه لا يكفي. إن امتلاك المهارات العملية واكتساب الأساليب المهنية والاحترافية أمر لا غنى عنه، خاصة في مواجهة عدو شرس وداهية عنيد مثل الحركة الإسلامية. لقد ذكر حسن الترابي أنهم قد درسوا بدقة تجربة الحزب الشيوعي السوداني في العمل التنظيمي والجماهيري وتعلموا واستفادوا منها كثيراً. ولكن الإسلاميين لم يكتفوا بذلك، وإنما أرسلوا منسوبيهم لأفضل المراكز الأكاديمية في العالم لدراسة علوم السياسة والإعلام والأمن والاقتصاد وتكنولوجيا المعلومات وغيرها من العلوم الحديثة، ليس لفائدة السودان بالطبع وإنما لفائدة تنظيمهم. وإذا عدنا إلى أداء الجبهة القومية الإسلامية خلال فترة الديمقراطية الثالثة، ثم تنفيذها لانقلابها المعلن على الديمقراطية في يونيو 1989 والذي تم في وضح النهار وتحت أنظار الجميع، لعرفنا ما أحدثه ذلك من فرق. إن قوى الحرية والتغيير، وخاصة تجمع المهنيين السودانيين، تضم كوادراً على أفضل المستويات العالمية في كافة المجالات، والموجودة داخل السودان وخارجه، والتي هي على استعداد لوضع خبراتها ومعارفها وقدراتها ومهاراتها لخدمة الثورة السودانية. أوليس من الأفضل لقيادات قوى الحرية والتغيير أن تتنازل قليلاً من كبريائها السياسي الذي يهيء لها أنها تعرف كل شيء وقادرة على كل شيء، وأن تعطي بعض الخبز لخبازه؟