[email protected] خصخصة جميع وسائل الإعلام بما فيها المحطات التلفزيونية والإذاعية جزءٌ من الحل.... وإعادة هيكلة المناهج والمقررات الدراسية بعضُ الدواء لم أجد وقتاً كافياً لكي أسهم عبر الكتابة في القضايا أو الهموم العامة ، رغم إهتمامي واشتغالي بها ‘ إلا أنه قد نشطتني على هذا الصعيد ( صعيد الكتابة) دعوتان في بحر الشهر المنصرم ، فلقد تشرفت بإستلام دعوتين كريمتين للإشتراك متحدثاً في منتديين بمدينتين مهمتين ومهتمتين بالبحث في القضايا المهمة. فقررت تلبيتهما معاً هذه المرة. حالفني التوفيق في اللحاق بالدعوة الأولى ، وكان المنتدي بمدينة أدنبرا الإسكتلندية البريطانية، وكان عن المرأة في دافور وكيفية تمكينها وعن مستقبل دارفور بشكل عام . وقد نشر أحد المشاركين تلخيصاً لم يحالفه التوفيق عن محتوى ما أدليت به، مسقطاً الجزء الأكبر والأهم من ما قلته و مضيفاً من عنده الكثير الذي لم أقله ونسبه إليّ . وسوف أقوم بترجمة مشاركتي تلك كاملةً ونشرها في وقت لاحق، أن شاء الله. وأمّا الدعوة الثانية فكانت من كلية سينت أنطوني بجامعة أكسفورد البريطانية ، إلاّ أنه قد حبسني حابس في اللحظات الأخيرة ففاتني الملتقى، فقررت أن أنقل ما كنت قد نويت المساهمة بها( أو بجزء منها حسب ما كان سيتيحه الزمن المخصص لي في ذلك اللقاء) إلى هذا الفضاء الإسفيري. وكانت عن الهوية في السودان... فإليكموها ... ******************************************************** رغم إيماني بأن إشكال الهوية ما هو إلا إفراز طبيعي لإختلال ميزان السلطة والثروة وليس العكس، ،وأختلف مع كثيرين هنا‘ إلا أنني مقتنع أيضاً أن مسألة الهوية ستبقى قائمةً حتى لو إعتدل ذلك الميزان. السبب في ذلك ليس لأن إشكال الهوية هو الأصل وما سواه إنعكاس له، ولكن السبب، فيما أرى، أن آلية المعالجة هنا مختلفة عنها في حالتي الثروة والسلطة، وسوف يأتي التفصيل فيما يلي. من المعلوم بالضرورة أنني أتناول هنا إشكال الهوية في السودان في إطار السودان الديمقراطي ،لا الشمولي، إذ أن من يبحث عن حل لهذه المسألة المفضية إلى غياب التوادد و الأريحية من ناجية ، وتفشي الأنانية و عدم المقبولية بدلاً عنهما ، في ظل وضع شمولي، يكون حاله كمن يبحث عبثاً عن أسباب عدم مقدرة أحد المطربين على أطراب وإسعاد الناس بينما يرقد ذلك المطرب على سرير المرض. فالأولى عندئذٍ هو علاج المرض"الديكتاتورية" في المقام الأول ومن ثم النظر في المعوقات الأخرى. أو معالجتهما معاً، كما هو حال ثوار السودان الجديد. ولكن ليس عن طريق محاولة معالجة العرض والتغاضي عن المرض. إن إشكال الهوية في السودان يتجلى على محورين: المحور الأول يقع على صعيد وضع السودان ككيان ضمن المنظومة العالمية، بمعنى هل السودان دولة أفريقية أم عربية؟ أما المحور الآخر فهو على صعيد الشخصية السودانية، أي هل يجد كل سوداني فرصاً متساوية مع الجميع في التعبير عن هويته؟ ولمخاطبة ومعالجة الوضع الأول نقول يجب تثبيت حقيقة أن "السودانوية" هي التوصيف المقبول لتعريف هويّة السودان، كخطوة أولي ولازمة، نظرياً على الأقل ، وأقول نظرياً لأن بعضنا ربما يقوله نفاقاً أو مراوغةً ، ولكنه يتوارى هرباً عندما تأتي ساعة الوقوف إلى جانب ذلك التوصيف عملياً. ولا يمكن لأحد أن يماري أن هذا التعريف الواقعي غير قائم حالياً عبر تصنيف السودان كدولة عربية. لكن دعونا نبدأ بخظوة فنكتب هذا التوصيف في دستورنا أولاً ثم من بعد نتبع تلك الخطوة بأخرى بأن نعيد تعريف عضوية السودان بالجامعة العربية على أنه إنتماء ثقافي، أو بالأحرى إنتماء إلى جزء من المكون الثقافي، ولا غبار على ذلك لأن الإنتماء المتعدد ممكن، بل هو ممتع ويعتبر تميزاً في ذاته ، تماماً كعضوية السنغال بمنظومة الفرانكوفون. وهذا مقبول إذ أن اللغة العربية تمثل أحد أهم مكونات هوية السودان الدولة - وليس السوداني كفرد - لأن هناك أفراد سودانيين لا يحسنون نطق كلمة عربية واحدة، ومع ذلك لا ضرار أن يكون السودان عضواً في الجامعة العربية و أية منظومة أخرى إذا توفر الحد الأدنى من مبررات أو محفزات العضوية دون أن تدعي تلك العضوية أن بإمكانها التلاعب بسودانوية السودان. ولكن ذلك قد يستدعي تغيير عبارة (جامعة الدول العربية) إلى (الجامعة العربية) أو( منظومة الناطقين بالعربية) أو (رابطة اللسان العربي) أو نحواً من ذلك. والقصد هنا أن يتلاشى التضاد بحيث أنك إذا قلت أن هذه الدولة عربية فذلك يعني أن تلك الدولة لن تكون شيئاً آخر في ذات الوقت سوى أنها عربية. أما إذا قلت أنها – اي تلك الدولة - عضو بالجامعة العربية فليس ثمة تضاد يتبدى من وراء هكذا قول . فإمكان الإنتماء إلى أكثر من جامعة يظل قائماً في الحالة الأخيرة. أما أفريقية السودان فهي خارج معادلة الجدال ، فإن ذلك كمن يقول لك أن أفريقيا تقع في الكرة الأرضية. وإذا كان القصد أن السودان أفريقي الثقافة فيجب أن يعلم قائل ذلك الكلام أن أفريقيا ليست ثقافة واحدة ، تماماً مثلما ليست هناك ثقافة إسمها الثقافة الآسيوية أو الأوربية أو الأمريكية. فالسودان إذن ، ثقافياً ، لا هو عربي و لا هو أفريقي، ولكنه ينتمي إلى كليهما، كما أن جنوب أفريقيا ليس أفريقياً ولا إنجليزياً، من وجهة النظر الثقافية. فالسودان وكل بلد في العالم إنما ينتسب لذاته، أما إنتماءاته الأخرى فهي إنتماءات تفاعل وليست إنتماءات نسب. ولم أجد أمةً تجادل في هذا إلا أمة السودان. فإذا سألت مواطناً بريطانياً من أصول آسيوية أو أفريقية: هل أنت أوروبي؟ لا شك أنه سيضحك في وجهك من غباء السؤال خاصة إذا علم أنك لست أميّاً، إذ أن بريطانيا لا تقع في القارة الأفريقية أو الآسيوية، ولا يمكن إلا أن تكون أوربية . أما إذا حاولت أن تقول له أنك تقصد من الناحية الثقافية فسوف يعاجلك هو بالسؤال هذه المرة : وما هي الثقافة الأوربية؟ فيبهت المسؤول. ولكنك إذا رددت الكرة وحورت السؤال هذه المرة وقلت له: ما هويتك؟ فتجد الإجابة منسابة بين شفتيه بكل بساطة : أنا بريطاني. وللتدليل على ما نقول فإن الأوربيين عندما يختارون مدينةً ما لتنوب عن القارة في سنةٍ من السنوات لتنظم عملية عرض الثقافات المتعددة ، فإنهم يطلقون على تلك المدينة لقب ( العاصمة الأوربية للثقافة) وليس( عاصمة الثقافة الأوربية) والفرق بين اللقبين كبير كما تلاحظون... أما الخرطوم التائهة فتقول عن نفسها أنها (عاصمة الثقافة العربية) ثم تقوم بعرض ثقافات الزاندي والبجا والحلفاويين والفور بألسنة غير عربية ... ولو قالت عن نفسها أنها (عاصمة للثقافة نيابة عن الجامعة العربية) لأغنتها عن هذا الرهق. وأما فيما يخص حرية التعبير عن الهوية بالنسبة للفرد السوداني أو المجموعات السودانية المتعددة، فإنها - أي الحرية- ليست محجورة عليها في كل تاريخ الديقراطية في السودان فيما يتعلق بالأديان أو وسائل التخاطب أو المظهر، ذلك إذا كان التعبير عن الهوية أو ممارستها يأخذان مكانهما عبر الوسائل أو المنابر الخاصة ، فإن الخلاف ينحسر بالتالي في التعبير عنها عبر الوسائل والمنابر العامة التي تمولها الدولة ، أوتلك التي تعتمدها الدولة وتقبل منتجاتها على الأقل، والتي تمثلها قناتان إثنتان، هما : وسائل الإعلام المناهج والمقررات الدراسية بالنسبة إلى المراحل غير الإختيارية هل توافقون أن الإشكال إذن، هو في كيفية تحقيق العدالة في توزيع فرص الإستخدام المتساوي لهذه المنابر العامة لكل مكونات الطيف السوداني؟ وهل تتفقون أن توزيع هكذا فرص على مجتمع شديد التعدد، مثل مجتمعنا السوداني، يعتبر أمراً مستحيلاً؟ وبما أن التقسيم العادل مستحيلٌ في مثل هذه الحالة، بل يعتبر مدخلاً للظلم والإنحياز، فهل توافقونني على أن العلاج هو في خصخصة الإعلام و إعادة هيكلة مناهج ومقررات التعليم ، وذلك على النحو الآتي: بالنسبة لوسائل الإعلام، تتم خصخصتها بالكامل بحيث لا تكون هناك محطات تلفزيونية أو إذاعية بتمويل حكومي تتصارع عليهما الثقتفات المتعددة،وذلك أسوةً بالخصخصة التي حدثت للصحف، فتتفرغ الكيانات المتعددة إلى نشر ثقافاتها والترويج لها بإمكانياتها الذاتية.وبالتالي يتساوى الجميع عن طريق إبعاد الدعم الحكومي القابل للتحيز. من الضرورة بمكان أن تكون الخصخصة تحت مظلة الحريات العامة بحيث لا يجد أحد نفسه خارج دائرة التصريح أو التصديق. ذلك مع الإبقاء على المتاحف والآثار كمسؤولية رسمية، فإنني إنما أعني هنا خصخصة نشر الثقافات الحية عبر المجال الإعلامي لأن هذا أحد ميادين الخلاف. أما بالنسبة لوسائل ومناهج التدريس، فالحل أن يتم الإتفاق على الحد الأدنى لوسائل التدريس( إعتماد اللغتين العربية والإنجليزية كوسيلتين حصريتين للتدريس). بينما تتاح الفرصة لكل اللغات والثقافات الأخري أن تصبح مواد إختيارية ( وليست وسائل) للدراسة حسب العرض والطلب. هل يوافقني بعض ألناس على أن العلاج عبر هذا المدخل قابل للنجاح ؟ أنني أراهن على ذلك وأطمح في حوار هادئ بشأن هذا المقترح [email protected]