صلاح يفتح النار: شخص يريد رحيلي.. وليفربول تخلى عني    تحذير علمي: السمنة تُسرّع تراكم علامات الزهايمر في الدم بنسبة 95%    بكري المدني يكتب: كردفان-لا شيء يدعو للقلق!!    بيل غيتس يحذر : ملايين الأطفال قد يموتون بنهاية هذا العام    السودان.. احتجاز مدنيين في 6 مناطق بأمر الميليشيا    هيئة مياه الخرطوم تعلن عودة محطة كبيرة للعمل    المريخ يستضيف كيجالي وعينه على الانتصار    الجزيرة تقسو على الجامعة في دوري الدامر    الرابطة السليم يكسب شكواه ضد الأمير دنقلا    شاهد بالصور.. بحضور عدد من المطربين أبرزهم محمد بشير.. الفنانة أفراح عصام تفتتح محلها التجاري الجديد بالقاهرة    شاهد بالفيديو.. العروس "ريماز ميرغني" تنصف الفنانة هدى عربي بعد الهجوم الذي تعرضت له من صديقتها المقربة الفنانة أفراح عصام    بالصورة.. سيدة أعمال سودانية تشعل ثورة من الغضب داخل مواقع التواصل بعد تعذيبها لخادماتها الجنوب سودانيات بالقاهرة والسبب مجوهرات ذهبية    شاهد بالصورة والفيديو.. سودانية تظهر ب"تشيرت" المنتخب الوطني وتهدي لاعبي صقور الجديان أجمل "زغرودة" وزوجها يحمسها: (أبشري بالخير)    بعدما لقطتها كاميرات القناة الناقلة للمباراة.. شاهد ماذا قالت مشجعة صقور الجديان الحسناء عن لقطة إنهيارها بالبكاء: (راسنا مرفوع وما دموع انكسار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنانة ريماز ميرغني تخطف الأضواء وتبهر الحاضرين في "جرتق" زواجها    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنانة ريماز ميرغني تخطف الأضواء وتبهر الحاضرين في "جرتق" زواجها    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    تكريم الفنان النور الجيلاني بمنطقة الكدرو    خسارة المنتخب الوطني بهدفين نظيفين من المنتخب العراقي    سلطة الطيران المدني تعلن عن فتح مسارين جويين جديدين بالسودان    أطباء بلا حدود: أكثر من 1.5 مليون سوداني فروا من الحرب إلى مصر    للمرة الأولى.. السعودية تواجه نفس الخصوم في كأس العالم    فوائد النعناع واستخداماته العلاجية.. تعرّف عليها    ترامب .."لا أريد الجوائز... أريد إنقاذ الأرواح"    السكري وصحة الفم.. علاقة متبادلة    السودان يندّد بالمذبحة الجديدة    رئيس مَوالِيد مُدَرّجَات الهِلال    نتيجة قرعة كأس العالم 2026.. تعرف على طريق المنتخبات العربية في المونديال    بالصورة.. الفنانة أفراح عصام تفتح النار على مطربة شهيرة عقب نهاية حفل زفاف ريماز ميرغني: من عرفتك نحنا بنسجل في البرنامج وانتي في محاكم الآداب وقبلها المخدرات مع (….) وتبقي فنانه شيك كيف وانتي مكفتة ومطرودة!!    "يارحمن" تعيد الفنانة نانسي عجاج إلى القمة.. أغنية تهز مشاعر السودانيين    تنويه عاجل لهيئة مياه الخرطوم    كامل إدريس يوجه برفع كفاءة قطاع التعدين    تصريحات ترامب المسيئة للصومال تثير غضبا واسعا في مقديشو    قرار عاجل لرئيس الوزراء السوداني    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    إدارة ترامب توقف رسميا إجراءات الهجرة والتجنيس من 19 دولة    إدارة التعدين بولاية كسلا تضبط (588) جرام و (8) حبات ذهب معدة للبيع خارج القنوات الرسمية    الخرطوم تعيد افتتاح أسواق البيع المخفض    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    بشكلٍ كاملٍ..مياه الخرطوم تعلن إيقاف محطة سوبا    فيلم ملكة القطن السوداني يحصد جائزة الجمهور    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    العطش يضرب القسم الشمالي، والمزارعون يتجهون للاعتصام    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة    مصر.. تحذيرات بعد إعلان ترامب حول الإخوان المسلمين    شاهد.. بعبارة "كم شدة كشفت معادن أهلها" صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تزين شوارع العاصمة السودانية الخرطوم    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صوت الصارخ في البريّة !! .. بقلم: حسن خضر/ كاتب وناقد فلسطيني
نشر في سودانيل يوم 05 - 09 - 2019

أطرف ما في محاكمة حاكم السودان المخلوع، عمر البشير، أنه متهم بالفساد، وحيازة عملات أجنبية، وغسيل أموال. هل يُعقل أن يُحاكم شخص اغتصب السلطة، وانتهك الدستور، وارتكب جرائم حرب، بشهادة محكمة دولية، وجثم على صدر شعبه ثلاثين عاماً، بالحديد والنار، ولم يصن وحدة البلاد ولا كرامة العباد، بتهم كهذه؟
وهل يُعقل أن يُحاكم شخص أجاز له خيال شيطاني مريض إمكانية أن يقتل ثلث شعبه، أي ما يزيد على عشرة ملايين إنسان، بناء على فتوى دينية قال لزبانيته إن مصدرها المذهب المالكي، وزاد عليها أن بعض متشددي المالكية أجازوا للحاكم قتل خمسين بالمائة من شعبه، بتهمة غسل الأموال ؟
الجواب: يُعقل، بدليل أن هذا ما حدث فعلاً. وإذا كان الأمر كذلك، والأمر كذلك، فلماذا وبماذا يُفسّرُ، وهنا مربط الفرس، وبيت القصيد، وفي كليهما ما يتجاوز السودان، وينسحب على تُهم طالت حكاماً سقطوا في موجة الربيع الأولى، وعلى صدّام حسين، الذي أطاح به احتلال أجنبي، وحوكم في محكمة عراقية بتهمة قتل مواطنين في قرية اسمها الدجيل.
فما الجامع بين محاكمة مبارك في مصر، وبن علي في تونس، بتهمة قتل متظاهرين، وصدّام في بغداد بتهمة قتل مواطنين في قرية نائية، والبشير في الخرطوم بتهمة حيازة النقد الأجنبي؟ وعلى الرغم من حقيقة أن الليبيين لم ينتظروا تقديم القذافي للمحاكمة، وقتلوه، وأن اليمنيين لم يتمكنوا من محاكمة صالح، الذي قتله حلفاؤه الحوثيون، لا يبدو من قبيل المجازفة توقّع ألا تكسر محاكمة المذكورين، لو قُدّر لها أن تقع، السقف القضائي العام لما جرى في مصر، تونس، والعراق، ويجري في الخرطوم.
الجامع أن تهماً كهذه لا تنسجم مع مطلب إسقاط النظام، الذي أطلقه المتظاهرون، وأجمعوا واجتمعوا عليه، فقتل المتظاهرين عرَضٌ لمرض نجم عن الاستبداد، واحتكار السلطة، ونهب الثروات، ومصادرة الحريّات. وفي كل محاولة لإنشاء مسوّغات قضائية، وأدلة الجنائية، انطلاقاً من العَرَض، واعتماداً عليه، ما يُخرج المرض من دائرة الاتهام والاهتمام.
وهذا يصدق، أيضاً، على الحالة العراقية، فتهمة قتل مواطنين في قرية نائية تبدو هامشية تماماً، وبلا قيمة تقريباً، مقارنة بقتل العراق نفسه، فصدّام قتل بلداً غنياً بالموارد والإنسان، صادر حرياته، وبدد ثرواته، وزج به في حروب عبثية، وأوصله إلى عتبة، وقبضة، الاحتلال الأجنبي.
ولكن هل ثمة ما يكفي من الرصيد الأخلاقي والإنساني والديمقراطي في الدساتير العربية، والثقافة السائدة، والذاكرة التاريخية البعيدة والقريبة، لتشخيص مرض كهذا، أم أن في الدساتير، والثقافة السائدة، والذاكرة التاريخية البعيدة والقريبة، ما يمثل حائطاً للصد في وجه كل محاولة لوضع الاستبداد، واحتكار السلطة، ونهب الثروات، ومصادرة الحريّات، على رأس قائمة الجرائم التي يُعاقب عليها الحُكّام؟ لم يثبت حتى الآن أن ثمة ما يكفي من هذا الرصيد.
ولو كان ثمة ما يكفي من هذا الرصيد لتحوّلت محاكمات مبارك، وبن علي، وصدّام، والبشير، إلى مناسبات تاريخية لمحاكمة النظام أولاً بوصفه شخصية اعتبارية يمكن اتهامها، والحكم لها أو عليها، ومحاكمة رأس النظام ورموزه ثانياً. وفي الأمرين، لو اجتمعا، ما يكفي لتحويل محاكمات كهذه إلى مناسبات تاريخية، وعلامات فارقة في تاريخ القرن الواحد والعشرين.
وبهذا المعنى، كانت المناسبة تقتضي استدعاء علماء في السياسة، الاجتماع والاقتصاد، والثقافة، لتقديم شهادات، والإسهام في صياغة لائحة الاتهام الموجهة إلى النظام ورؤوسه في آن. فعالم الاقتصاد أقدر من القاضي والخبير القانوني في تشخيص وتعريف معنى تبديد الثروة الوطنية، وعالم السياسة أقدر من القاضي والخبير القانوني في تشخيص وتعريف معنى تبديد كرامة الإنسان، وانتهاك الدستور، والرئاسة مدى الحياة. وهذا يصدق في، وعلى، كل مجال آخر. لو حدث هذا، أو نصفه، أو ربعه، لجاز الكلام عن محاكمات القرن. بيد أن هذا لم يحدث لأن الأنظمة لم تسقط بل أعادت إنتاج نفسها.
والمفارقة، التي تنطوي على كوميديا سوداء، أن دساتير الجمهوريات تنص على حصر مدة الرئاسة في فترتين رئاسيتين، وأن كل الذين أطاحت بهم موجة الربيع انتهكوا الدستور، وأعادوا صياغته ما يضمن البقاء في سدة الحكم مدى الحياة. وفي الحالة السورية بما يضمن التوريث. ومع ذلك، لم يتحوّل موضوع الرئاسة مدى الحياة، ولا التلاعب بالدستور، وتزييف الانتخابات، والاستفتاءات، وتمرير التعديلات الدستورية الكفيلة بضمان البقاء في سدة الحكم، إلى تهم تستحق العقاب.
من الأهم قتل متظاهرين، أو مواطنين في قرية نائية، أو حيازة النقد الأجنبي، أم انتهاك الدستور، والرئاسة مدى الحياة؟ المحاكمات التي جرت، والتي تجري في الخرطوم هذه الأيام، تُخرج موضوع انتهاك الدستور من لوائح الاتهام وتغض النظر عن الرئاسة مدى الحياة.
ومن الأهم، والأخطر والأكبر في موضوع الثواب والعقاب، وبالنسبة لمستقبل النظام السياسي في السودان: الرشوة، وغسيل الأموال، وحيازة النقد الأجنبي أم ارتكاب جرائم حرب في دارفور، والتفريط في وحدة البلاد الترابية، وقبل هذه وتلك اغتصاب السلطة في انقلاب على حكومة مدنية؟
لا وجود لأشياء كهذه في محاكمة البشير. ولن توجد في وقت قريب. ولكن التذكير بأشياء كهذه مطلوب ومرغوب حتى وإن كان صراخاً في البريّة.
* كاتب وناقد فلسطيني، ومدير التحرير السابق لفصلية "الكرمل الثقافية"، التي كان يصدرها الشاعر الراحل محمود درويش.
Hassan Khader
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.