مع حلول الذكرى الأولى لاندلاع ثورة ديسمبر المجيدة,على مجلسي السيادة والوزراء والجهات ذات الصلة مراجعة النظم والقوانين واللوائح, التي كان يتبعها النظام البائد في إجراءات قبول واستيعاب المتقدمين للالتحاق بالكلية الحربية و كلية الشرطة و جهاز الأمن, فكما هو معلوم للقاصي و الداني أن انصار الحزب المحلول قد استنوا سنة غير حسنة, وهي تمكين الموالين لهم في الفكرة و اقصاء المختلفين معهم في الرأي, عند توظيف المواطنين السودانيين بجميع مؤسسات الدولة, وبالأخص الكليات العسكرية و الأمنية , بل ذهب النظام البائد إلى أبعد من ذلك بازكاء نار الجهوية بسلوكه مسالك ظالمة في اختيار المتقدمين للانضمام الى هذه الكليات العسكرية, مما انتج مؤسسات غلب عليها الاستحواذ الجهوي و المناطقي و القبائلي , الأمر الذي يتطلب الضرورة القصوى و السرعة الناجزة لحسم هذا الخلل البنيوي الخطير, والذي يعتبر مهدداً كبيراً لتماسك الوحدة الوطنية. جميع البلدان التي تتمتع بذات التنوع الذي يمتاز به القطر السوداني , اتخذت من الفدرالية نظاماً إدارياً ودستورياً لها, فحينما يجيء ذكر النظام الاتحادي (الفدرالي) تتبادر إلى الذهن الخارطة الجغرافية الأولى التي ينقسم السودان فيها الى ستة أقاليم, إقليم دارفور , إقليم كردفان, الاقليم الأوسط , الإقليم الشرقي, الإقليم الشمالي وإقليم العاصمة (الخرطوم – بحري – ام درمان) , فعلى الحكومة الانتقالية أن تقوم بوضع هذه المرجعية التاريخية نصب عينيها , عندما تشرع في صياغة القوانين والاجراءات المؤدية الى اختيار المواطن المتقدم لشغل الوظيفة العامة , ذلك لأن السبب الرئيسي والجوهري في حدوث جميع الانتكاسات والمخازي الوطنية, التي المت بمشاريع الاصلاح المبتدرة من قبل النخب السياسية المتعاقبة, هو قصر النظر و محدودية الرؤية لدى منظرينا و ساستنا ومفكرينا وحكامنا, إضافة إلى اصرارهم العنيد على التمترس في زاوية الحي و المنطقة و المدينة و الجهة بينما هم يديرون شأن دولة شاسعة واسعة ثرية بالتعدد والتنوع مثل السودان, فتجد مثلاً رجل الدولة القادم من أم درمان لا يرى السودان إلا من خلال زاوية نظره الخاصة والمحدودة , و ترى الآخر الآتي من كادقلي قد حصر وعيه الوطني في جغرافيا الجبال. فالالتحاق بهذه الكليات العسكرية والأجهزة الأمنية يجب أن يتم بناءً على نظام الكوتة , ولابد أن تكون هذه الكوتة محسوبة على أساس الكثافة السكانية , وهذا الأمر يتطلب إعادة إجراء تعداد سكاني جديد لا يعتمد على قاعدة البيانات الموجودة في أضابير أرشيف حكومة المؤتمر الوطني البائدة, فتلك القوائم مأخوذة من السجل المدني المشكوك في أمره والذي أنجز في عهد دولة التمكين, بل نجد أن عملية الاعادة والهيكلة ضرورية لاستحقاق دستوري أكبر من مجرد اجراءات قبول طلاب الشهادة الثانوية للالتحاق بالكليات العسكرية والأمنية , الا وهو سباق الانتخابات العامة الذي سيجرى بعد انقضاء الفترة الانتقالية. إن البند الثالث و الأخير من شعار الثورة (العدالة) ليس أمراً سهلاً, ولا كلاماً هتافياً يطلق له العنان في أثير الهواء من غير التزام أخلاقي, فالذي لا يستطيع إقامة العدل بين أهل بيته, يجب أن لا يوجع حنجرته ويصدع رؤوس الناس بترديد لهذه المفردة النبيلة (العدالة), فانّ مبدأ العدل والانصاف يمثل أقصى درجات تحمل مسئولية الأمانة, التي ناءت بحملها السماوات والأرض والجبال, تلك المهمة العظيمة التي ضعف امامها معشر المجتمع البشري الذي دائماً ما يحدوه الأمل وتجتاحه العاطفة الجياشة, في إقامة دولة الخليفة الراشد (عمرو بن عبد العزيز) وإرساء قواعد المدينة الأفلاطونية الفاضلة. بناء الأوطان ليس كتشييد بيوت (الجالوص), ولا يماثل رصف أسوار المنازل والطرقات بالطوب الحراري , أرجعوا إلى المواثيق والعهود التي تأسست عليها الولاياتالمتحدةالامريكية , و اقتدوا بالمنهج الذي أخرج رواندا وجنوب أفريقيا من ركام الجماجم البشرية , إلى آفاق الأوطان التي يعيش في كنفها الجميع في سلام وأمان, هذه البلدان الشهيرة تأسست وبنيت على مبدأ الحقيقة والمصالحة, وليس اعتماداً على سن القوانين الممهدة للشقاق و الفرز الأيدلوجي والمناطقي والجهوي. شمول الرؤية في عملية الاصلاح الوطني واجب مقدس يجب الوفاء به عاجلاً لمعالجة المشكلة السودانية, ونعود لنكرر ونقول أن البلاد ومنذ خروج رفاق كتشنر حتى زوال منظومة حكم اخوان حسن البنا لم يتغير حالها, ولم يطرأ عليها جديد في منهاج وطريقة إدارة مؤسسات الدولة. هل تعلم يا عزيزي القاريء أن دارفور كانت دولة قائمة بذاتها (سلطنة الفور)؟ , وأن إقليم كردفان عاش ردحاً من الزمان مستقلاً (المسبعات), و وسط السودان تمتع بسيادته الكاملة على أراضيه كسلطنة مشهورة في افريقيا والشرق الأوسط (سنار), و أن الشرق الحبيب كان كياناً قائماً بحاله حين من الدهر, وأن الشمال الأقصى به أعرق حضارة إنسانية (كوش), فاذا توحدت هذه الكيانات وتعاهدت على عقد اجتماعي متين, و التفت حول ميثاق شرف وطني سديد, وعقدت اتفاق (جنتلمن) خالص ومبرأ من رغبات الانتهازيين, وسالم من مؤامرات الوصوليين وضعاف النفوس, برأيك يا عزيزي القاريء كيف ستكون المحصلة النهائية؟ الاجابة عند المواطن السوداني (محمد احمد) وهو خير العارفين وسيد الحكيمين. إسماعيل عبد الله عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.