وما لبث الوضعُ أن تدهور مرة أخرى، فهَانَ حنطورُ اللَّبْؤُة حتى صارت تجره الحمير المجردة من الرَّونقِ والبهاء. ولكن القطَّ الدَّهين، اشار عليها، بعد بلوغِ بغال الكرنفال الحلم، بتوحيد الحَيْوَانَات التي تسحب حَنَاطِير وفود العَرِيْن بأكملها، وتمم جميلهُ بأن أشار عليها للمرَّةِ الثانية، بأن تكون تلك الحَيْوَانَات المُختارة هي: بغالُ الكرنفال الفتيَّة. وانتقلت تفاصيلُ الحوار الذي دار بين الأسدِ المفارق وزوجتِهِ حتى وصلت إلى أسماع الجواميس، ليس بموجبَ صُدفةٍ، في غابةٍ عرف عنها أنها: لا تعرف الأسرار. وانتبهت الجوميس إلى قدراتها وخطورتها، لأن الكلام قد لفت انتباهها وكان جديداً عليها هي الأخرى، وهو كلامٌ ليسَ بالهزل، لأنه صادرٌ عن أَسَدٍ يتقنُ فُنون وشُجون ساس يسوس، من مداخِل الشَّر أَجمَعين. وقررت، فور ورود موجات الأثير الحامله لبوح وتداعيات العَرِيْن، قررت النُزُوحَ جنوباً إلى حواف البُحَيْرَة. وقد وجدت نصحاً فيما بعد من خاصتها، بأن تخوض حرباً للمياه متى استعدت مع حكومة الأجزاء الشماليّة من الغَابَة، فتبدأ أولاً بالسيطرة على جريان المياه من مخارج البُحَيْرَة، وتتدرَّج فتمنع إنسيابه نحوالشمال خصوصاً إذا ما استطاعت حكومة الجواميس بناء سدود، بحيث تتوزع المياه العذبة التي تدور وتفور في البُحَيْرَة في أى اتجاه عدا الشمال. وكابَرتِ اللَّبْؤُةُ، وتعنَّت مُستشارُوها لشئون الري والسُّقيا، وفاقَ غضبُهُم غضبَ اللَّبْؤُة ذاته. وبدأت تلك الجموعُ من خبراء العرين بحثاً مُضنياً ويائس عن المياه في الجوف الشمالي، ولكن التوفيق جانب بحثها، فعطشت الأجزاء الشمالية من الغَابَة، وكادت تموتُ من العطش، وبحثت عن أيِّ ماء، ولكنها لم تجده: ولا حتى في قعرِ القُلَّة! كانت مشاعرُ الأَسَدِ مُقسَّمةً ووجدانُه مُضطرباً إزاء فكرة فناءه واحتمالات موته الذي بات وشيكاً. فمن ناحية، كان ينعي نفسه لنفسه وينفجرُ باكياً، كلما سيطرت عليه نداءات غريزة البقاء، ونازعته أوهام الخُلود، مُعللاً خوفه من الموت لنفسه وهو يُناجيها، برغبته في استكمال تدريب اللَّبْؤُة على تصريف شئون الغابة ونقل الخبرة الإدارية لها، كاملةً غير منقوصة، لتوطيد حكمها، وضمان استمرار تأدية الأمانة التي حملها هو ثقيلةً عن الأجداد، ولكن كان عندما تضايقه ألآم الجسد، وتهاجمه أمراض أرذل العمر، خصوصاً الإسهال وسلس البول، فيتعفن لا العَرِيْن وحده، بل جسد سَعادتُو أيضاً، كان يكره حياته. ويتبدَّى أمامه الطريق نحوالكرنتينة سالكاً وهو محمولٌ على ظهر نسرٍ للإستحمام في شطِّ البُحَيْرَة، فتراوده الهواجس، ويخاف ويشفق على نفسه، ويدخُل في مُوجه من البكاءِ الحزين أعمق بكثير، من تلك الموجات التي كانت تنتابهُ بسبب تفكيره في إحتمالات دُنُو الأجل، فقد كان ولوجه المحتمل إلى عالم الكرنتينة، أبغضُ إليه، عشرات المرات، من الإنتحار ذات نفسه. وركزت اللَّبْؤُةُ وكانت صبُورةٌ عليه، ولكنَّ للصَبرِ حُدُود، ولكلِّ شيءٍ نهايةٌ. بعد كُلِّ إستحمامٍ في مياهِ البُحَيْرَة، كان الأَسَد المهزول، يشعر بالإنتعاش ويحس بالجُّوع، فيأمُر النسر الذي يحملهأن يمر بالمنطقة الصناعيّة، لا لتفقد أحوال الصناعة كما كان يُعلن له ويدعي، وإنما للفوز بكوبٍ من لبنٍ أو قطعة جبن من مصانع التعبئة والتعليب وانتاج الأجبان، أوجرعةٍ من عسل المناحل اللذيذ، شرطاً من دونَ علمِ اللَّبْؤُة، إذ كان اللَّبن والعسل، في ذلك الوقت، قد دخلا هما الآخران ضِمن لائحة الممنُوعات التي دبجتها هيئة أطباء العَرِيْن، عندما بات جهاز المهزول الهضمي لا يحتمل ولا يقوى على مجرد مرور نسيم الهواء العليل والماء القراح من خلاله. وأمست حتى الخضروات والفواكه عسيرةٌ على جهازه الهضمي وعصيّةٌ على ما يتوفر في بطن الأسد من انزيمَات وعُصارات هاضِمة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.