عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. من تداعيات فيروس كورونا (كوفيد 19) هي محاولات تسلل روح العادية والتبلد عند متابعة رصد اجهزة الاعلام لضحايا الوباء حيث يتحول الموت الى خبر عادي ويتحول الضحية الانسان إلى رقم في احصائية يومية لايهم فيها من هم الضحايا؟ ولكن الأهم كم عددهم ؟ وهل زاد الرقم ام تناقص خلال الاربعة وعشرين ساعة الماضية ؟. في هذا الاطار اطلعت على بيان نشرته نقابة أطباء السودان بلندن تنعي وفاة الدكتور/ عادل رحمة الطيار الذي وصفه البيان بانه (جراح زراعة الاعضاء) والذي وافته المنية بعد صراع قصير مع المرض ليكون أحد شهداء المهنة والواجب. ولكن عادل (الانسان) نعته إبنة عمه السيدة/ زينب بدوي في مرثية حزينة بثتها هيئة الاذاعة البريطانية راديو 4 ووصلني تسجيل صوتي لها من رجل الاعمال/ محمد عثمان الطيب. استمعت اليه عدة مرات ولم اتحمل الاحتفاظ به عندي وقمت بنشره على كل من اعرفه. ورغم ذلك ظلت المرثية تلاحقني لانها فتحت امام عيني الابعاد المتشعبة لهذا الوباء وقدراته الهائلة على الحاق الاذى بالاسر والمجتمعات في غمضة عين وحجم المأسي التي يمكن ان يخلفها والثغرات الهيكلية في نظمنا السياسية الإقتصادية التي تسلل منها . ذكرت الاستاذة زينب انه عند اندلاع الازمة لبى عادل نداء التطوع بدون تردد وطلب من السلطات الصحية ان ترسله الى نقطة المواجهة التي يمكن ان يكون فيها اكثر فائدة. وهذا بالطبع تصرف طبيعي من انسان خبرته من تجاربها كشخص يرغب على الدوام في خدمة الآخرين باريحية وتلقائية وإبتسامة لا تغيب عن وجهه. لم انتبه لفداحة وقسوة هذا الفيروس الا من خلال قصته مع دكتور عادل كما روتها الاستاذة زينب فعند عند بداية الازمة كان عادل طبيبا مقتدرا وقادرا على العطاء يتقدم الصفوف في مستشفى كثيف الحركة متطوعا لمساعدة عشرات الضحايا... وبعد (12) يوما فقط كان هو نفسه يرقد طريحا على سرير المرض يتنفس بمساعدة اجهزة صناعية ......ثم التحق بالرفيق الاعلى. عند سماعها للنبأ التقطت، بقلب مفجوع، هاتفها لتواسي زوجته المكلومة والتي بالكاد كانت تحاول ان تلملم كلمتين مع بعضهما لتقبل التعازي ولما اعتصرتها وطأة الاسى ناولت الهاتف الى ابنتها الصغيرة (وهي ايضا طبيبة) لاستكمال المحادثة مع زينب. قالت زينب ان فيروس كورونا اثار موجة من روح التضامن والتازر بين الناس حولها آملة الى ان يتحول ذلك الي سلوك اجتماعي مستدام لاحقا ....ولكنها اردفت قائلة ان عادل كان مسبقا مسكونا بحب خدمة الاخرين قبل ظهور الوباء وكان شخصا متفائلا لاقصى درجة ولا مكان لسيناريو (اسوأ الاحتمالات) في مخيلته. كان على الدوام يعشق خدمة الآخرين... الاقرباء والغرباء على حد سواء مما جعل ذلك صفة مطبوعة في نظامه القيمي تحكم سلوكه وتصرفاته ....وأختتمت قائلة: (وهذا هو السبب الذي جعله يختار مهنة الطب. وهذا هو السبب الذي جعله يتقدم الصفوف الامامية متطوعا لخدمة الضحايا. وهذا هو السبب الذي جعله يخاطر (بحياته) لخدمة الآخرين. وهذا هو السبب الذي جعله يفقد حياته بطريقة محزنة) ولهذا السبب برز المرحوم دكتور عادل امامي كشجرة وارفة ظليلة تنتصب بقوة وسط الصحراء في زمن والجفاف والتصحر,,,والعزاء كل العزاء انه انتقل الى جوار ارحم الراحمين وهو في افضل حالات حسن الخاتمة. بالطبع ان الاستاذة زينب بدوي بثت مرثيتها في اطار حملة التصفيق التي يقودها السيد/ رئيس وزراء بريطانيا بهدف الاشادة بكوادر الادارة الوطنية الصحة وهم يتصدون لمواجهة الوباء,. لكن دورنا كما اراه هو ان نحمل الشعلة الى الامام ونقدم لمسة وفاء عملية لهولاء الذين يطلبون منا ( البقاء في منازلنا) ويقفون في خطوط المواجهة في كل بقاع الارض وهم مكشوفي الظهر. لقد كشف وباء فيروس كورونا عورة المجتمع الدولي المتحضر الذي ينفق بلايين الدولارات على شراء اسلحة الدمار الشامل وغير الشامل يكدسونها في المستودعات. اذا لم يستخدمونها تتبدد اموال دافعي الضرائب واذا استخدموها يكبدون العالم خسائر بشرية ومادية اضعاف اسعارها. وفي الحالتين فان المستفدين الوحيدين هم تجار السلاح وسلسلة السماسمرة المتشعبة. التحدى الاكبر هو ان تتحرك المنظمات الناشطة في مجال الصحة والناخبين في كل بلد على وجه الارض للضغط على المؤسسات التشريعية لإستقطاع نسب عالية من مخصصات الدفاع وتحويلها الى قطاع الصحة والامن الصحي وهذه ليست دعوة مثالية غير واقعية بل بالعكس تماما فان كل البشر يشهدون الآن ان كل اسلحة الدمارالشامل لم تستطع ان تقتل فيروسا واحدا .... كما ان تحويل المخصصات الى قطاع الصحة سيدفع تلقائيا مصانع الاسلحة الى صناعة المعدات الطبية بما فيها معدات وقاية الكوادر الصحية وحماية ظهورهم المكشوفة.