صادف العيد فى بريطانيا مع عزلة الكورونا يوم عطلة رسمية ( الإثنين) إضافةً لنهاية الاسبوع فى أروبا. قلت للأصحاب ماذا تتوقعون من الجديد فى ما تقدمه القنوات السودانية خلال أيام العيد؟ قالوا طبعاً معظم العيدية ستكون عبارة عن غناء وغناء مستمر وتكرار القديم. قلت أصدقكم إنني أكاد أتنبأ وأجزم أنني سألتقي للمرة الألف بشاعر الحب فلان وشاعر الغربة فلان وشاعر المسادير فلان وفلان وسنزور البيوت والشوارع والحارات التي دخلناها من قبل وندخلها كل رمضان وفى كل عيد خاصة حي العرب بإمدرمان العرضة والعباسية وشمبات والحلة الجديدة بالخرطوم كما سنشاهد نفس الوجوه التي سهكت أسطوانات حقيبة الفن لدرجة أن الإنسان صار كالذي أصابته سكتة دماغية لأنه لا يمكنه إستيعاب ما يتفوه به المغنون من كلام فقط يتذكر معرفته بالأغنية ويطرب إذا سمع لحنها رغم نشاذ علوا وإختلاط أصوات و تكدس الأجهزة الموسيقية فصار الأستوديو يبدو كأنه دكاناً لبيع الأجهزة الموسيقية. ورغم تعدد الوجوه الفنية تظل هي نفسها خاصة تلك الحديثة وليدة مدارس نجوم الغد وأغاني وأغاني. كثير من هؤلاء مشكلتهم الفشل فى توضيح نطق مخارج الحروف وتظن أحدهم كأنه يترنم فقط يغني ليطرب نفسه. إذا كان المواطن السوداني نفسه يعجزه فهم ما يتغنى به هؤلاء الشباب فكيف للأغنية السودانية رائعة الكلمات والمعاني أن تجد قبولاً لدى من هم غير سودانيين خارج الوطن وأساسًا مشكلتهم فهم لهجتنا الدارجة. إذا نريد تصدير لهجتنا الدارجة عبر الأغاني يجب تجويد نطق مخارج الحروف كما يجب ضبط صوت الآلات الموسيقية المصاحبة لكى لا يطغى على صوت المغني خاصة إذا كان هو نفسه يعاني من قصر النفس وانخفاض الصوت. تحققت نبوءتي فالتقينا خلال كل أيام العيد، رضينا أم أبينا ، بنفس الشعراء ونفس الفنانين ونفس المتحدثين ونتيجة الإفلاس كأنما بلداً كالسودان قوامها أربعين مليون نسمة تفتقر المثقفين والمبدعين. لذلك تشاهد نفس تلك الوجوه تتكرر (يالكليوم معانا وما قادرين نقوليك) في أكثر من قناة وبعض الأحيان فى نفس اليوم . أما إن كانت مقدمة البرنامج هي نفسها مستضافة (لكسر الروتين ) من مصر مثلاً ، فموضوع حلقاتها وضيوفها لا جديد فيه لأنهم هم من نفس النخبة المختارة. للأسف معظم الذين يديرون حوارات هذه القنوات يطيلون فى ما لا يفيد من كلام طويل فى تقديم الضيف أو مقدة سبب موضوع النقاش. مثلاً فى كثير من الأحيان تجد تقديم موضوع النقاش قد لخصه مقدم البرنامج بنفسه بل حتى حلول كل المشكلة التي ستناقش. ما يهم المشاهد هو نتيجة الحوار من إفادات وحلول من قبل الشخص المستضاف وليس من المضيف الذي فى كثير من الأحيان يسيطر ويثرثر فلا يصبر على ضيفه ليكمل حديثه عن معلومة مهمة يكون المشاهد بعيداً عنهما يرغب في الحصول علي كل ما يتعلق بها من إفادات قد تهمه لكنه يفاجأ وهو ينتظر على احر من الجمر بأنها قد طواها نسيان التواصل خاصة بعد إعلان كل فاصل قصير. لذلك نتيجة ذلك الروتين والتكرار الممل لجأ بعض الشبان من بث قنوات بمجهودهم الخاص على اليوتيوب وقد وجدوا استحساناً ودعماً من ألاف المتابعين خاصة جيل الشباب . أناشد المهتمين فى مجال الثقافة والاعلام (خاصة المسموع والمرئي) من مخرجين وباحثين أن يخرجوا من قوقعة العاصمة المثلثة وأن ينطلقوا إلي كل أقاليم السودان لأنها هي عالم التراث والعادات والفن الرفيع فى التشكيل والغناء والشعر وحتى جمال الطبيعة وإن حتى كانت صحراوية أو جبلية فمن الممكن إبراز جمالها. السودان الحمد لله ربنا حباه بتنوع الطبيعة وتنوع البشر وتنوع لبسهم وأكلهم وسكنهم وسبل كسب عيشهم وعاداتهم وفنونهم بمنظورها العريض، كلها كنوزًا لماذا ننتظر مخرجين ومصورين من دول الجوار لكي يحظون بحقوق ملكية كل ذلك التراث توثيقاً ونحن نستضيفهم بكل أريحية وطيبة السودانيين. الحمد لله لقد انتهى عهد محو أمية التصوير الفوتوغرافي والتشكيلي والثقافي فى السودان. نفتقر فقط الأفكار والتخطيط والثقة مع الإمكانيات المادية فى تنفيذ تلك الأفكار. دئما نظلم الإمكانيات وهذا ليس بصحيح إذا فكرنا فى إيجاد الحل المناسب . مثلاً قبل حوالي أكثر من عشر سنوات عاد تموثي كارني ( كان السفير الأمريكي بالخرطوم 1995-1997) ليصور الوجه الآخر للسودان حالة السلام بعد إتفاقية نيفاشا بكتابه المعنون (Sudan The Land and The People ) السودان الأرض والناس أو السودان - الوطن و الأمم* (تقديم جيمي كارتر ) كلها تعني أن أرض السودان تقطنها أمم ولد منها إنسان السودان السوداني التفرد رغم التنوع. يساعده في التصوير والإخراج المصور الفوتغرافي المشهور عالمياً مايكل فريمان والصحفية فكتوريا بتلر. طبعًا بكل أريحية وافقت الحكومة على منحه حرية التنقل وتسهيل مهمته وفوق كل ذلك جمع بذكاء أؤلئك القوم تبرعات من الشركات والمؤسسات الكبيرة ومعروفة في الخرطوم لتساعد في تكلفة إنجاز المشروع الخيري التوثيقي المهم لتاريخ ينتظر بعد السلام، على أن يتضمن الكتاب المصور ذكر وشكر خاص لتلك المؤسسات والشركات. وقد كان أنه أوفى بوعده ففعل ثم عاد الرجل ليبيع نسخة الكتاب ( على أساس أنه عمل خيري، قدم له كارتر رئيس اميريكا السابق) إلي الشركات ورجال الأعمال السودانيين وغيرهم من أصحاب الأعمال ، النسخة الواحدة بمبلغ مائة وخمسين دولارا أميركيًا فكان هو رابح اللعبة فى الميدان والمتفرجين كان رجال هم الأعمال الذين دفعوا من قبل تكلفة المشروع ومن ثم إشتروا الكتاب المصور بعد الطبع بضعف الثمن. أنا اشتريته من مكتبة في لندن فقط بثلاثين جنيه استرليني hard cover . السودان غني بالمصورين المحترفين المهرة وبإمكانهم القيام بمثل ذلك المشروع أو بمستوى أفضل منه إذا توفرت لهم إمكانيات الدعم والمناخ المناسب إلى السيد وزير الثقافة والإعلام المحترم: أرجو فى زحمة وباءً الكوفد -19 مع التمنيات بشفاء المرضى وزوال الوباء، أن لا تنسى أن الإستثمار الحقيقي الأول هو فى التركيز بعد الزراعة والتعدين وإعمار الطرق السريعة والداخلية والمواصلات الأخرى يجب أن يوجه نحو السياحة لأن أرضيتها الخصبة من مناظر وأماكن آثار وتراث شعوب ومياه عذبة وبحرية كلها جداً متوفرة فى كل أقاليم السودان. أيضًا لا أنسي بهذه المناسبة أن أناشد الحكومة السودانية بأن يتحقق ضمن هذا الإستثمار السياحي الإستفادة من إمكانيات كل شواطئ النيل الستة التى تحوط بالعاصمة السودانية والتي لابد من إعادة النظر فى تخطيطها من جديد ( مهما تكون التكلفة المادية والعاطفية) وفتحها للسياحة وإن استدعى ذلك دعما استثماريا عالمياً، وتعويض كل من يملك أرضاً زراعية أو مسكناً أو مزرعة أو ناديا تحتكره فقط فئة معينة ومحدودة مثل نادي الزوارق كمثال ( تبعة الاستعمار، ممنوع الدخول إلا للأعضاء أصحاب اليخوت). لا اتحدث هكذا عن حقد أو شماتة أو لغرض ما فى نفس يعقوب بالعكس إنني بحمد الله وشكره أتمتع بوضع مريح كمغترب لا يحيجني للإنخراض فى أي عمل خاص أو سياحي بالسودان أو خارجه ، لكنني صادقاً أشعر بالأسي عندما أتجول فى الساحات الخضراء المهولة أو على شواطيء أنهار المدن الأوربية أو غيرها من بلاد الدنياء الجميلة وإن صغرت ، وأتذكر ساعتها موقع الخرطوم السياحي الجميل المميز نادر الوجود عالمياً لكنه للأسف يبدو لك بوجه: "لا تعليق أكثر" . فهل من حل جذري فاعل سريع؟ أرجو ذلك. ولا ننسي أنه لا بد من توفير بنية تحتية بمواصفات سياحية عالمية لكي ينجح قيام أي مشروع سياحي سواءاً بالعاصمة أو خارجها الشكر والتقدير هنا للسيدة والأستاذة ، السودانية البريطانية ، زينب البدوي من مؤسسة البيبيسي على توثيقها الممتاز لحضارة كوش النوبية السودانية فى أبهى حلة من روعة التصوير والتوثيق حتى صوتيًا وإخراجًا لذلك التاريخ العظيم الذي هو فخر لكل سوداني إبتداءً من نمولي جنوباً إلى حلفا القديمة شمالاً ومن الجنينة غرباً إلى سواكن شرقاً، رغم أنف السياسة. *Sudan The Land and The People Timothy Carney & Victoria Butler Published by Thames & Hudson Photographs by Michael Freeman Forwarded by Jimmy Carter عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.