الغرب يستخدم "سلاح القمح" الأوكراني ضد الحكومة السودانية    المريخ يستانف تدريباته اليوم وينهي أزمة المحترفين    الاتحاد المحلي بالأبيض يعلن انطلاقة دوري الشباب في سبتمبر    هلال كوستي يضم الخماسي    قائد الهجانة يتفقد الخطوط الأمامية والارتكازات للقوات المسلحة بالمنطقة    الأمم المتحدة : انعدام الأمن والعوائق البيروقراطية واللوجستية يقيد العمليات في السودان    عندما حاولوا التواصل مع (القوني) وجدوا هاتفه مغلقاً !!    زيادة حصة الحجاج السودانيين بنسبة 100% موسم حج 1447 ه    اجتماع مهم بين بنك السودان المركزي والشركة السودانية للموارد المعدنية حول عائدات الذهب ودعم الاقتصاد الوطني    شاهد بالفيديو.. "بقى مسكين وهزيل".. ماما كوكي تسخر من الفنان شريف الفحيل بعد تعرضه لهجوم شرس وإساءات بالغة من صديقته التيكتوكر "جوجو"    رئيس الوزراء يدشن الحملة الكبرى لاصحاح البيئة والنظافة بولاية الخرطوم    شاهد بالفيديو.. أطفال سودانيون يدهشون الجميع ببراعتهم الفائقة في ركوب الخيل وسباق الفروسية بالقاهرة    توجيه مهم لوزير بالخارجية السودانية    إجراءات عاجلة لتشغيل مستشفى "التمييز" و"التركي" بالطاقة القصوى    شاهد.. ناشط مصري يعقد مقارنة بين عملاقي الكرة السودانية "الهلال" و "المريخ" عبر التاريخ ويمنح الأفضلية المطلقة للأحمر: (الموضوع اتحسم بالنسبة لي الصراحة)    شاهد بالصورة والفيديو.. بفستان زفاف مثير.. عروس سودانية تتبادل الرقصات مع فنان حفل زواجها محمد بشير في حضور عريسها    الخميس.. قرعة دوري أبطال أوروبا    (كل من فشل في حياته صار شرطياً)    ترامب يشعل جدلاً قانونياً وسياسياً    (المحللاتية والشرطة السودانية)    روايات خاصة: حين تنساب الدموع    عثمان ميرغني يكتب: شركة كبرى.. سرية..    المنتخب السوداني يودع"الشان"    مجلس الوزراء يعقد أول اجتماع في الخرطوم    الشرطة تلقي القبض على أحد المتهمين بحادثة نهب أستاذة في أم درمان    محمد بن زايد يصل مصر    شاهد.. "دا منتخبنا برانا وقوم لف يا جنجا قحت".. الإعلامي السوداني حازم حلمي يتعرض لهجوم إسفيري واسع بعد مباركته تأهل المنتخب لنصف نهائي الأمم الأفريقية    مسلحون تابعون للجيش ينهبون مُعلّمة تحت تهديد السلاح في أم درمان    ما حكم شراء حلوى مولد النبى فى ذكرى المولد الشريف؟    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    انتشال جثث 3 شقيقات سودانيات في البحر المتوسط خلال هجرة غير شرعية    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    كامل إدريس: دعم صادر الذهب أولوية للدولة ومعركة الكرامة    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    (للخيانة العظمى وجوه متعددة ، أين إنت يا إبراهيم جابر)    الذهب السوداني تحوّل إلى "لعنة" على الشعب إذ أصبح وقودًا لإدامة الحرب بدلًا من إنعاش الاقتصاد الوطني    اتهام طبيب بتسجيل 4500 فيديو سري لزميلاته في الحمامات    طفلة تكشف شبكة ابتزاز جنسي يقودها متهم بعد إيهام الضحايا بفرص عمل    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    عفيف محمد تاج .. شاهد بالفيديو كيف حقق هذا المقطع أكثر من 16 مليون مشاهدة للطبيب الإثيوبي الذي درس في السودان    وزير الزراعة بسنار يبحث مع مجموعة جياد سبل تعزيز الشراكات الذكية في العملية الزراعية    تطول المسافات لأهل الباطل عينا .. وتتلاشي لأهل ألحق يقينا    الشرطة في الخرطوم تعلن عن إنهاء النشاط الخطير    وقف تدهور "الجنيه" السوداني امام الدولار.. د.كامل يتدخل..!!    بوتين اقترح على ترامب لقاء زيلينسكي في موسكو    الموظف الأممي: قناعٌ على وجه الوطن    أقوال مثيرة لصاحب محل بقالة اشترى منه طفل نودلز وتوفى بعد تناوله    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    سوداني في المهجر يتتّبع سيرةَ شخصية روائية بعد أكثر من نصفِ قرنٍ    اجتماع في السودان لمحاصرة الدولار    ترامب: "تقدم كبير بشأن روسيا.. ترقبوا"    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    تقرير أممي: «داعش» يُدرب «مسلحين» في السودان لنشرهم بأفريقيا    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زلازل سد النهضة وزلازل السد العالي .. بقلم: د. احمد عبد الله الشيخ
نشر في سودانيل يوم 11 - 06 - 2020

من خلال ما نقرأه أو نسمعه من أنباء حول مساعي وفد السودان واستعداده لاستئناف مفاوضات سد النهضة من جديد، نلاحظ تواصل الارتباك والتناقض على مواقف وتصريحات المسؤولين أو أعضاء وفد السودان، وتواصل التداخل بين لعب دور الوسيط النزيه، أو دور العضو المستقل ذو المصالح والدفوعات الخاصة، ذلك رغم النفي المتكرر من قبل البعض أن السودان ليس بوسيط.
في اعتقادي أن واحدة من أهم أسباب الارتباك والتناقض هو تشكيل الوفد السوداني، حيث لم يراعى فيه تنوع التخصصات والخبرات، فهو مكون بشكل أساس من خبراء الري على أهمية دورهم. ولعل هذا هو أحد الاسباب وراء تركز النقاش وحصره حول المسائل الفنية الهندسية، في حين أن نقاشات المياه دائما ما تتسم بتعدد الأوجه، وذلك لأهميتها وحيويتها.
من المؤكد أن لقضايا مياه النيل عدة أوجه وأبعاد:
فهناك الوجه القانوني (يتعلق باتفاقيات ومعاهدات تتضمن حقوقاً والتزامات)، وهناك الوجه الاقتصادي، (تتفرع منه الزراعة كهدف أساسي من توفير المياه، وإلى الطاقة الكهربائية كهدف أساسي من تدفق المياه)، ثم هناك الوجه الأمني (بمعناه الضيق ومعناه الشامل بهدف وعنصر من عناصر الحياة)، وأخيراً وليس آخراً الوجه الدبلوماسي (لتأثيراته على العلاقات بين الدول).
والحاضنة لكل هذه الأوجه والأبعاد هو الوجه والبعد السياسي، لأن ما يحيط بجملة الأوجه المذكورة هو ما يصدر من قرار سياسي نهائي. والواقع أن جميع الأوجه والأبعاد تعتبر على درجة من الأهمية، وبالتالي يجب أن لا يطغي وجه على وجه، وأن يجري العمل عليها في تناغم تام، وبنظر شامل، للوصول إلى حلول مثالية مبنية على مصالح الدولة (والمعني هنا بلدنا السودان).
من إحدى تجليات مشكلة حصر المناقشات على المسائل الفنية الهندسية علي أهميتها وعدم أشارك جميع الأطراف المختلفة المذكورة أعلاه في اول المقال قبل اصدار الاحكام، كانت مذكرة بعنوان السودان وسد النهضة تساؤلات متواترة" بقلم كل من البروفيسور سيف الدين حمد وزير الري الأسبق والرئيس الأسبق لجهاز الفني للموارد المائية في مفاوضات سد النهضة الاثيوبي، والمهندس مصطفي عبد الجليل المهندس الاستشاري بشركة ستانتك الاستشارية تورونتو كندا. في هذه المذكرة حاولا فيها بروف سيف والمهندس مصطفي الإجابة على العديد من الأسئلة المتداولة عن سد النهضة، وتناولا القضايا من وجهة النظر المؤيدة للسد، ولكن عدم اشراكهم لأطراف اخري او حتى الاستماع إليهم أوقع المذكرة في كثير من المغالطات الواضحة الجلية (unforced error) التي اضعفت حجج المذكرة في الرد على تساؤلات سد النهضة.
وكأحد المناوئين لقيام سد النهضة بالكم والكيف اللذين ينفذ بهما، سأوضح هنا بعض من تلك المغالطات التي وردت في المذكرة بالرد، وذلك بحكم المعرفة القائمة على التخصص، ولأن النقاش حول هذه الموضوعات يجب أن يكون علمياً قائما على بسط الأدلة ومناقشتها، هذه الموضوعات هي الزلازل - المياه الجوفية - الري الفيضي.
أولاً: الزلازل
تناولت مذكرة بروف سيف والمهندس مصطفي في صفحتي 13 و14 تحت عنوان هل السودان فعلا مهدد بالدمار الشامل بسبب ضعف معامل أمان السد وامكانية انهياره "كذلك أكدت الدراسات والرصد الزلزالي أن المنطقة لم تشهد زلزالا من قبل، وأنها تبعد أكثر من 500 كم من الفالق الأرضي) الأخدود الافريقي العظيم (والذي يمر بمدينة اداما الإثيوبية جنوب شرق أديس أبابا. إضافة لذلك فقد تم تصميم السد كمنشأة مقاومة للزلازل، وتمت زراعة أكثر من 2500 جهاز رصد داخل جسم السد، يمكنها أن ترصد أي ضغط أو حركة بالسد مهما تناهت في الصغر، مقارنة مع 24 جهاز بسد الروصيرص قبل التعلية، كما أن العقود الأخيرة قد شهدت تطورا كبيرا في التقنيات الخاصة بسلامة السدود، لقد أعربت اللجان الفنية السودانية والمصرية عن رضاها التام عن مستوى أمان السد، وتم تأكيد ذلك صراحة في اتفاق المبادئ الموقع عام 2015، اذ ينص البند الثامن الخاص بمبدأ أمان السد على أن الدول الثلاث تُقدّر الجهود التي بذلتها أثيوبيا حتى الآن لتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية المتعلقة بأمان السد"
رداً على القول بعدم حدوث زلازل في منطقة سد النهضة، أورد هنا نص تقرير مكتب الاستصلاح الأمريكي الذي قام بأول دراسة لإمكانية بناء سدود في منطقة حوض النيل الأزرق في اثيوبيا ومن تلك السدود السد الحدودي أو ما يعرف الآن بسد النهضة.
ذكر تقرير المكتب الأمريكي في الملحق الثاني الصادر عام 1964 بعنوان الأرض ومصادر مياه النيل الازرق في إثيوبيا صحفة 51:
"The Blue Nile River Basin is an earthquake area and this fact must be considered in the design of engineering works"
وترجمتها "أن منطقة حوض النيل الازرق منطقة زلازل، وهذه الحقيقة يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تصميم الاعمال الهندسية". أي ان منطقة حوض النيل الأزرق والتي تضم منطقة سد النهضة منطقة زلازل والقول بانها ليست منطقة زلازل قول غير صحيح.
يمكن أن يفهم من مقولة مكتب الاستصلاح الأمريكي أعلاه أن البناء في منطقة حوض النيل الأزرق ممكن إذا روعيت جميع الاعتبارات الهندسية، وهذا ما ظل يردده كثيرا من المختصين السودانيين المؤيدين للسد ومنهم البروف سيف الدين. إذ طالما ذكروا أن الوفد الفني السوداني قام باقتراح تعديلات أساسية لزيادة درجة الأمان في جسم سد النهضة والسد السروجي. وقد قامت اثيوبيا مشكورة بتنفيذ اقتراحات الوفد السوداني وقد كلفت هذه التعديلات الجانب الاثيوبي مبلغ 1.5 مليار دولار. بالإضافة أن السد يبني باستخدام أحدث التقنيات، وأن السد زرعت فيه ما يقارب 2500 جهاز رصد التي يمكنها رصد أي حركة مهما صغرت. كما أن أثيوبيا لا يمكنها أن تخاطر بمشروع ضخم ذو تكلفة عالية دون التيقن من أمان وسلامة السد، وهذا القول ينطبق أيضا على الشركة المنفذة للسد التي لا يمكن ان تخاطر بسمعتها وتشييد سد قابل للانهيار. إذن السد آمن جدا لأنه روعي في تصميمه وتنفيذه أقصى درجات السلامة الممكنة.
تعقيباً على ذلك، انه قد أصبح من المسلمات في علم الزلازل الحديث أن البحيرات التي تكون خلف السدود تسبب زلازل، وهذه الظاهرة تسمي الزلازل بفعل الانسان (Induced Seismicity). وتنشأ هذه الأنواع من الزلازل بسبب تسرب كمية من المياه من بحيرة السد الي داخل القشرة الأرضية عن طريق الفوالق والصدوع الموجودة في داخل القشرة الأرضية. ترسب هذه المياه يساعد الفوالق والصدوع على الحركة، لأن الماء يفعل هنا فعل (التزييت) المؤدي الي انزلاق الفوالق والصدوع مما يسبب الزلزال، كما أن وزن الماء الموجود في البحيرة يمثل ثقلاً على القشرة الأرضية. ونسبة لتذبذب حجم المياه في بحيرة أي سد بسبب استخدام المياه في انتاج الكهرباء، يظل الجزء الأعلى من القشرة الأرضية في حالة صعود وهبوط (كما يحدث لحبل الغسيل المشرشر) مما يوثر تأثيرا شديدا على مرونة القشرة الأرضية. تكرار عمليات الصعود والهبوط مع نقصان المرونة وتسرب المياه الي الفوالق والصدوع ينتج عن كل هذا وقوع زلازل لا محالة.
وإذا كانت القشرة الأرضية في منطقة ما ذات طبيعة نشطة جيولوجيا وأنها تحتوي على زلازل، ثم اقيم عليها بحيرة وحتى ولو كانت تلك البحيرة صغيرة الحجم، فإن ضغط وزن البحيرة على القشرة الأرضية بالإضافة الي الماء الذي يتسرب من تلك البحيرة الي القشرة الأرضية يمثلان عامل تحفيز واثارة للقشرة الأرضية التي هي أصلا نشطة، كما يقال في المثل العامي دراويش لاقوا مداح. أما القول بان اثيوبيا قامت باعتماد اقتراحات الوفد السوداني وان احتياطات الأمان مستوفاة في سد النهضة، هذا النوع من التبرير قد يكون مقبولا لو كان الحديث عن منطقة توجد بها قشرة أرضية مستقرة وغير نشطة جيولوجيا، أما في حالة القشرة الأرضية النشطة والغير مستقرة فإن تلك التدابير الهندسية لا تجدي نفعاً، وهذا النوع من الزلازل لم يجد الانسان لها حلولا ناجعة الي يوم الناس هذا.
خريطة توزيع الزلازل في منطقة حوض النيل، توضح بجلاء حدوث زلازل متوسطة الي كبيرة (بقوة تساوي أو أكبر من 4.0) درجات على مقياس ريختر في منطقة حوض النيل الأزرق والتي عادة يتم رصدها من قبل المحطات الاقليمية والدولية لرصد الزلازل، وذلك لخو منطقة حوض النيل الأزرق من محطات رصد وتسجيل الزلازل.
الزلازل الصغيرة التي هي أقل من 4.0 درجات على مقياس ريختر عادة لا يتم رصدها بواسطة المحطات الإقليمية والدولية، وإذا كانت منطقة الزلازل منطقة غير مأهولة بالسكان وكانت الزلازل في المنطقة غير محسوسة من قبل الانسان، فإنه لا يتم التبليغ عن تلك الزلازل ولا يوجد لها آثارا في سجلات الزلازل. ولعل هذا القول يفسر قلة الزلازل المسجلة في منطقة النيل الازرق واختفاءها تماما في منطقة السد، لأنها قد تكون زلازل غير مرصودة أو غير مبلغ عنها.
عادة ما يتم تقييم الزلازل بعدد الضحايا من البشر وما تخلفه من تدمير للمنشآت، لذلك لا يلقي الانسان بالاً لزلازل كبيرة تحدث في أعماق المحيطات بصورة مستمرة، مالم تنذر بتسونامي. نذكر هنا بأن أكبر زلزال حدث بقارة إفريقيا في القرن الماضي كان في جنوب السودان بتاريخ 20/05/1990، بقوة (7.2) درجة على مقياس ريختر ولكنه لم يحدث أي دوي في الاعلام لقلة الأضرار ولخلو مركز الزلزال من السكان ولك عزيري القاري أن تتخيل لو حدث هذا الزلزال في مدينة الخرطوم-سلمها الله.
وبالنظر إلى ضخامة سد النهضة الذي يعتبر من أكبر السدود في أفريقيا، وبالنظر إلى منطقة حوض النيل الأزرق التي تعتبر من مناطق النشاط الزلزالي في إثيوبيا، فإن ذلك كله يجعل من إمكانية حدوث زلازل كبيرة في منطقة النيل الأزرق والسد أمراً راجحاً، إن لم يكن مؤكداً. وأجدني لا أدرى ماهي الدراسات او أجهزة الرصد الزلزالي التي اعتمد عليها بروف سيف ومهندس مصطفي لتصدير فكرة خلو منطقة السد من الزلازل إذا كانت منطقة السد خالية تماما من محطات رصد الزلازل وبها عدد قليل من السكان.
زلازل السد العالي؟
بعد اكتمال بناء السد العالي ضرب زلزال بقوه (5.3) بقياس ريختر في عام 1981م جنوب منطقة السد العالي، وبعد هذا الزلزال قامت الحكومة المصرية بتركيب عدد من محطات رصد الزلازل في محيط السد العالي وحوالي مدينة اسوان. تم رصد وقياس أكثر من 15 ألف زلزال في الفترة ما بين 1982 الي 2019.
وقد لاحظت جميع الدراسات العلمية المنشورة في موضوع زلازل السد العالي ان حوالي 70% من زلازل بحيرة السد العالي تحدث في أعماق سطحية (أي اقل من 10 كيلومتر). وعزت معظم الدراسات ارتباط الزلازل ببحيرة السد العالي إلى زيادة وزن البحيرة الضخم على الجزء العلوي من القشرة الأرضية، وتسرب المياه من بحيرة السد العالي الي الشقوق والفوالق الأرضية مما يسبب حركتها ومن ثم حدوث الزلازل. وقد تكررت هذه الظاهرة في الهند والصين والولايات المتحدة، وفي عدد من الدول الأوروبية لتؤكد العلاقة بين حدوث الزلازل والهزات الأرضية وبين إقامة السدود والبحيرات الاصطناعية بحيث أصبحت هذه بديهة من البديهيات، وعدم الإلمام لا ينفي وجودها.
لماذا لم ينهار السد العالي؟
لماذا ينهار سد النهضة ولم ينهار السد العالي بالرغم من إحداثه الزلازل العديدة؟
هذا سؤال منطقي جدا! وللإجابة على هذا السؤال يجب النظر الي القشرة الأرضية في منطقة السد العالي والتي تتصف بأنها قديمة وسميكة وصلبة لأنها جزء من ما يسمي جيولوجياً بصحاري ميتا كريتون .(Saharan Meta Craton)
وبمقارنة القشرة الأرضية في منطقة السد العالي، مع القشرة الأرضية في منطقة سد النهضة فإن هذه الأخيرة تتسم بأنها أقل سمكا وصلابة، وأنها غير مستقرة، لذلك تحدث فيها الزلازل.
وعدم حدوث زلزال كبير إلى يومنا هذا في منطقة السد العالي يؤدي الي انهياره، لا ينفي البتة احتمالية حدوثه في المستقبل (على الرغم من صلابة القشرة الأرضية). أما حدوث زلازل مدمر في منطقة سد النهضة، فيظل مؤكداً لأن القشرة الأرضية هنا ضعيفة وغير مستقرة وشهدت زلازل في الماضي، أما متي؟، فلا أحد يستطيع الإجابة، كما لا أحد يعلم في سان فرانسيسكو او لوس أنجلوس او اليابان متي يحدث زلزالهم المدمر، لكن الجميع يعلم أنه حادث لا محالة.
أما القول بأن جسم السد يحتوي على أجهزة رصد عالية الدقة لأي حركة، فهو قول فطير لأنه لا يمكن التنبؤ بوقت ومكان حدوث الزلزال، كما أن تلك الأجهزة ترصد الحركة ولا تمنعها، كما هو الحال في جهاز قياس نسبة السكري في الدم، يقيس ولا يمنع صدمة السكري، مع الفارق في هذا القياس حيث يمكن تدارك حالة مريض السكري، ولكن يتعذر تدارك تداعيات انهيار او تصدع سد النهضة.
ثانياً: المياه الجوفية
ذكرت دراسة البروف سيف الدين والمهندس مصطفي في صحفة 9، "أما بخصوص المياه الجوفية فقد قامت وزارة الري بمساعدة اللجنة الفرعية للمياه الجوفية، المنبثقة من اللجنة القومية لسد النهضة، بعمل دراسة لتأثير سد النهضة على المياه الجوفية بالسودان، استعانت فيها الوزارة بمجموعة من الخبراء المختصين في هذ ا المجال من جامعة الخرطوم وجامعة السودان. خلصت الدراسة الى أن منسوب المياه الجوفية سوف يزيد زيادة طفيفة بعد تشغيل السد، وذلك بخالف ما كان يُعتقد قبل هذه الدراسة".
وقد أوضح لي المهندس مصطفي عبد الجليل مشكورا (بالإضافة الي استماعي الي حديث مسجل منسوب الي الدكتور جمال مرتضي) بأن المقصود من أن منسوب المياه الجوفية سوف يزيد زيادة طفيفة بعد تشغيل السد هو ان سد النهضة سيؤثر تأثيرا إيجابيا وان كان طفيفا على عملية تغذية المياه الجوفية في منطقتي حوض النيل الأزرق وحوض الحجر الرملي النوبي، حيث أن منسوب المياه في تلك الأحواض لن يتناقص بعد قيام السد.
هذه ليست بمعضلة ابتداءً خصوصا في منطقة حوض النيل الأزرق والتي تشمل المشاريع الزراعية في جنوب النيل الأزرق، سنار، والجزيرة والتي تعتمد بالأساس على الري الانسيابي من السدود السودانية بالإضافة الي الأمطار وليس على المياه الجوفية.
تكمن المشكلة بعد قيام سد النهضة في اختلال الدورة الطبيعية لعملية تغذية المياه الجوفية في حوض النيل الأزرق وتأثير هذا الاختلال على العمليات الزراعية في جنوب النيل الأزرق، سنار، والجزيرة. ظلت الدورة الطبيعية لتغذية المياه الجوفية تتم عن طريق ارتفاع منسوب المياه الجوفية في موسم الفيضان وانخفاضه بانحسار الفيضان. ولكن بعد اكتمال سد النهضة سيرتفع منسوب المياه الجوفية في حوض النيل الأزرق إلى مستوي عالٍ طوال العام نتيجة من التغذية المستمرة. هذه التغذية المستمرة تحدث كمحصلة من الارتفاع الدائم لمنسوب مياه نهر النيل الأزرق. هذا الارتفاع المتوقع لمنسوب المياه الجوفية يقود الي زيادة في ملوحة التربة مما يودي الي مضاعفة عدد مرات الري لأي محصول، كما يمكن ان تعاني جذور النباتات كثيراً من المشاكل بسبب ارتفاع منسوب المياه المستمر وقد لوحظت هذه الظاهرة بوضوح تام في مصر بعد قيام السد العالي.
أما التغذية الإيجابية للمياه الجوفية فغير ذات فائدة، لأن نهر النيل يغذي المياه الجوفية في المناطق المجاورة له (في حدود تقل عن 25 كم)، بينما لا يغذي النهر المياه الجوفية أبعد عن هذه الحدود. أما تغذية مياه النيل لحوض الحجر الرملي النوبي فيتم في منطقة صغيرة جدا في أقصى شمال السودان ولا ذا أهمية تذكر. وهنا تبرز أهمية اشراك وزارة الزراعة ودورها في تكوين وبلورة نظرة شاملة لموضوع المياه. ويظل السؤال قائما لماذا التغذية المستمرة للمياه الجوفية التي تجعل منسوب المياه الجوفية عاليا خلال العام أفضل من الدورة الطبيعية التي يتم فيها ارتفاع منسوب المياه الجوفية في موسم الفيضان وهبوطه بعد انقضاء موسم الفيضان؟
ثالثاً: الري الفيضي (زراعة الجروف)
ذكرت مذكرة بروف سيف الدين والمهندس مصطفي في صفحة 8 الاتي "سوف يؤدي انتظام سريان النهر، بعد تشغيل سد النهضة، إلى تقليص المساحات المزروعة في الأحواض الفيضية والجروف، وهو تأثير محدود لمساحة تم تقديرها ب 50 ألف فدان". ولكن هذا الرقم يقل بمقدار 100 ألف فدان عن الرقم (150 ألف فدان) الذي ذكره الدكتور ياسر عباس وزير الري في ندوه له في العاصمة الامريكية واشنطن أواخر العام المنصرم. كما أن تقديرات بعض الخبراء تشير إلى أن الرقم الحقيقي أكبر من 150 ألف فدان بكثير. ولكن هذا التباين الكبير بين رقمي بروف سيف الدين حمد ووزير الري الدكتور ياسر عباس يوضح إما أن وفد السودان يستند الي دراسات علمية غير متسقة أو أن الحكاية محض تخمين، وفي الحالتين يتأكد الارباك والغموض، وأن الحقائق لا تبسط لعامة السودانيين. دعك من أن المسألة الأساسية هنا ليست حول عدد الأفدنة أهي قليلة أم كثيرة، إنما المسألة تتعلق بالقدرة الإنتاجية والاثر الاقتصادي والاجتماعي وعدد الأفواه التي تعتمد في أقواتها على زراعة الجروف.
تظل قضية سد النهضة أحد أعظم التحديات التي تواجه وجود السودان ومع ذلك تستند دفوعات الوفد السوداني الي حجج ضعيفة او تخمينات ويجب على الحكومة السودانية عرض القضية على البرلمان المرتقب لمناقشتها قبل توقيع حكومة على اتفاقيات ملزمة تضر بمصالح السودان.
د. احمد عبد الله الشيخ
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.