محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    تحولات الحرب في السودان وفضيحة أمريكا    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإثنية كوعي طبقي: تعليق على ورقة (الإثنية كمحفز للثّورات وفشل بناء الدولة السّودانية) للرفيق مالك عقار .. بقلم: أحمد يعقوب
نشر في سودانيل يوم 23 - 07 - 2020

أزعم أن تعليقاتي على المقال المعنون ب " الاثنية كمحفّزٍ للثورات وفشل بناء الدولة السّودانية" سيكون (إحتطاباً) في وضح النهار حيث لامجال لإختلاط الحابل بالنّابل؛ وأزعم أنّ إستخطاطيات ( إستراتيجيات) المقال يقوم على حقائق الواقع وهو إحتطابٌ بنيته ابستمولوجية في الصّيرورة أعني التّقدم والتّحول معاً؛ وهو مايطابق الديالكتيك ومعطياته الماديّة ولإفساح مجال لأن تكون النّظرية مرآة ليس لتفسير الواقع فحسب؛ وانما آلية لتغييره إذ بذلك؛ تكون النّظرية مطابقة لخطابها وأطروحاتها .
إنّ جلد الذّات وعرضها لمبضع النّقد والتّقييم في عالمٍ متغيّر هوأمرٌ شجاع ومواكب للمشهد اليومي والمُغاير المختلف، وهو شئ مفقود لدى من يتعاطون السّياسة في بلادنا اليوم وأمس وربما غداً في حال لم تتغيّر إستراتيجياتنا تجاه رؤية الذات أولاً ثم الامور التي نشتغل عليها. ويمكننا التّدليل على ذلك بأن السّودانيين قد قاموا بإنجاز ثوراتٍ ثلاث ( 1964-1985-2018) ولم تنجز ثورتي 64 و85 أي شئ يذكر فيما يتعلق بالبناء الوطني أو الاتفاق على دستور دائم، بل استُبدلت الديكتاتوريات بدكتاتورية جديدة! وغاب عن هذه الثّورات الإجابة على السّؤال التّاريخي حول كيف يُحكم السودان؟ ( المتنوّع والمتعدّد) والمعرّض دائماً للحروب ، ولم يتم وضع لبنات البناء الإقتصادي المتين ولم يحسم جدل الهُويّة ، ولا حسمت جذور المشاكل التي أدت إلى اندلاع الحروب في رقعات مختلفة من البلاد ( 18 اغسطس 1955- توريت، 16 مايو1983 بور )،وقد أُتيحت للسودانيين في هذه الثورات(64-85) ؛ وضع أسس البناء الوطني وتفادي المآزق التي لاتزال البلاد تدفع ثمنها حتى الآن ، ومن الصعوبة بمكان الحكم على ثورة ديسمبر 2018( )الآن فهي كظاهرة لم تكتمل بعد ، ولكن يمكن القول أن الاولويات التي تم وضعها لتنفيذها في الفترة الإنتقالية كمناقشة جذور أزمات الحرب ووضع الحلول لها بالاضافة إلى خصوصية المناطق المتأثرة بالحرب- وقضايا الحكم والأراضي وإرجاع الحواكير الى أهلها والتّرتيبات الأمنية المُفضية إلى قيام جيش وطني ومهني موحّد وقضايا التّهميش وعدالة توزيع الثّروة والسّلطة وكذا العدالة الإنتقالية وإنصاف الضّحايا ؛إن هذه القضايا تستحق المناقشة الجّادة فهي أُس المشكل السّوداني ، وحل هذه القضايا يعني بداية التّوافق على مشروع للبناء الوطني وكذا التّوافق على دستور متّفقٌ عليه ودائم مما يؤدي الى الإستقرار السّياسي والإقتصادي فالأزمة كانت ولاتزال سياسيّة بإمتياز.
موْقعة قضايا الإثنية :
تطرح ورقة الرفيق مالك عقار أسئلة إستراتيجية في بنيتها حول لماذا تُعرّض مُجتمعاتٍ ما في بقعة جغرافية ما؛ نفسها إلى سلسلة من الحروبات؟ وفي عالم اليوم حيث نشهد ذوبان المُجتمعات القومية في وتلاشيها بفعل العولمة أو ( الكولونيالية الجديدة) التي طوّرت نفسها باستخدام آليات السّوق الحُر والثّقافة البرجوازية القائمة على الإستهلاك لكل ماهو مادي و ثقافي ...الخ؛ ولكن؛ هل يمكننا القول عن إنتهاء مفاهيم القوميّة والإثنيّة في عالمنا الذي يطرح قضاياه بشكل متجدّد وبالطّبع من ضمنها قضايا القومية والإثنيات؟ وكيف نُموْقع قضايا الإثنيات في هذا الطّرح الجديد أعني سُلّم الأولويات؟ اذ لاتزال معظم الحروب وخاصة في افريقيا تُخاض تحت لواء القومية بعد أن كانت أوربا تتصدر المشهد بإمتياز؟ ففي كل عقد تعترف الأمم المتحدة تقريباً بأعضاء جدد وكثير من الأمم القومية التي كانت تحسب أنها متماسكة تماماً تجد نفسها إزاء تحد تطلقه قوميات ( عرقيات) فرعية داخل حدودها ؛والواقع واضحٌ تماماً بأن نهاية عصر القوميات والاثنيات التي لطالما تم التبشير بها لا تلوح في الأفق ولو من بعيد ؛ بل ان الإنتماء الى أمة هو القيمة التي تحظى بأكبر قدرٍ من الشرعية السياسية الكاملة في عصرنا. ولماذا الاثنية دائماً تعتبر محفّزة للثورات؟.
أن مقالي هذا لا يطمح للاجابة على هذه الاسئلة التي استنتجتها اثناء قراءتي للورقة والتي بطبيعة الحال تعتبر مفاتيح للنقاش الجاد والثّر؛ انما أود أن اعلق على جملة من النقاط التي أعتبرها مهمة لفهم طريقة عمل مستقبلنا السياسي ومستقبل الدولة السودانية؛ ولطالما ءامنت بأن تاريخ فكرنا السياسي يمكنه أن يحدد مستقبلنا أيضاً وهذا الامر لا يتأتى إلا بعد تمحيص ونقد للذات مع الاستفادة من الأخطاء وتحويلها الى دروس للعبرة وتلافيها والا فاننا سنعيش دوماً في مستقبل يكرر نفسه تاريخياً وهو الامر الذي يعتبر مهزلة وكارثة في آنٍ واحد.
القومية الانثربولوجية :
هل يمكننا القول أن الأمة هي جماعة سياسية متخيّلة حيث يشمل التخيل أنها محددة وسيدة أصلاً حسب اقتراحات بندكت أندرسون لتعريف أنثربولوجي للقومية؟ إنه لمن الصعوبة بمكان أن نحدد رموز ثقافية معينة للقومية أو الاثنية الحديثة ومع ذلك فاللغة والدين والاسلاف المشتركين والعادات والتقاليد هي أشياء تمارس يومياً وهي أصول أساسية لتطور الوعي الاثني. ويجب ألا نخلط بين التّعددية الثّقافية ومجرد الإعتراف بوجود مجتمع متعدد الثّقافات. لقد وُجدت، دائماً، مجتمعات متعددة الثقافات، ويمكن، من وجهة نظر ما، أن نؤكد عملياً أن كل الدول – الأمم، سواء إعترفت بذلك أو لم تعترف، هي مجتمعات ذات تعدد ثقافي، بفعل تنوع المجموعات والسكان المكوّنين لها. في كبرى العواصم المعاصرة يمتد عملياً مشهد التنوع الثقافي أمام الناظرين في كل مكان وآن. إن "الإثني يومي"، حسب عبارة آن رولان الموفقة. وليست الإحالة علي التعددية الثقافية إقتصاراً علي تسجيل هذه المعاينة. إنها مطالبة بإعتراف سياسي رسمي بالتعدد الثقافي وبمعاملة يومية عادلة لكل الجماعات الثقافية وتتعارض التعددية، إذاً ومطلقاً، مع الإستيعابية التي تحصر التعبير عن الإختلافات الثقافية في الدائرة الخاصة فقط.
حروب إثنية ووعي (طبقي) إثني :
بطيبعة الحال فان الحرب التي قامت باشعالها الدولة السودانية تجاه اثنيات محددة كانت لدوافع عديدة ؛ ومع استخدام المبررات الايدلوجية كالاسلمة والتعريب ( جنوب السودان المستقل – النيل الازرق – جبال النوبة) كانت هذه النّخب تنظر للأمر من زاوية الحاق كل هذه الجماعات كقطيع لها مع إنتزاع الاعتراف الكامل منها بشرعيتها كجماعة تقود حروب مقدسة! مما يعطيها الحق في استخدام موارد هذه المناطق بالكيفية التي تراها ؛هذا الأمر الذي ووجه بعنف مضاد وثورات إثنية مضادة من هذه الجماعات ( المناطق الثلاثة – دارفور) وكان رأي غالبية هذه الجماعات أن الدولة من حيث هي دولة بالمفهوم الحديث فان منطقها معوج وهي مؤسسة متخيّلة تقوم بنيتها الاساسية على العنف والاقصاء وهو مايشابه رؤية ماكس فيبر للدولة . يصوغ ماكس فيبر فهمه للدولة على أساس أنها "هيئة بشرية تطالب بنجاح إحتكار الإستخدام الشرعي للعنف الفيزيائي." ويستخدم بيار بورديو تعريف فيبر ليضيف إليه بعداً آخر: إذ يقول "أن الدولة هي شيء مجهول (X) وتطالب بنجاح إحتكار الاستخدام الشرعي للعنف الفيزيائي والرمزي على أرض محددة وعلى مجمل المجموعة السكانية المرتبطة بها. وإذا كانت الدولة بإطار ممارسة عنف رمزي، فإن ذلك يتجسد في الوقت نفسه في الموضوعية تحت شكل بني وميكانيزمات محددة في "الذاتية" وفي العقول تحت شكل بنى عقلية وصور من الإدراك والتفكير. ولأن المؤسسة المنشأة هي نتيجة لسيرورة تنشأتها في الوقت نفسه في بني إجتماعية وعقلية متوافقة مع هذه البنى الإجتماعية، فإنها تعمل على النسيان بأنها نتيجة لسلسلة طويلة من أفعال الإنشاء وتقدم نفسها مع كل مظاهر الطبيعة. إن مفهوم الدولة في حقل الفكر السياسي الاسلامي يأخذ أهميته من وجهتين: الوجهة الأولى هي أن هناك إلتباسات كثيرة في علاقة الدين بالدولة في تاريخ المسلمين، والثانية هي أننا في السودان قد تعرضنا وما نزال نتعرض لتجربة مريرة قائمة على سيطرة نموذج عملي ويعمل على إقامة دولة منسوبة للإسلام في بلد تتعدد فيه الاديان والثقافات والاعراق . ان الدولة هنا بهذا المفهوم الاقصائي عند الجماعات المسيطرة تتحول الى ما يسمى بالمركزية الاثنية التي إبتدعها عالم الإجتماع الأمريكي وليام. ج. سامر وظهرت أول مرة سنة 1906 في مُصنفه Folkways. وبحسب تعريفه، فإن المركزية الإثنية: "هي المصطلح التقني الدال علي تلك النظرة الي الأشياء التي تري أن مجموعتنا الخاصة هي مركز الأشياء كافة بحيث نقيس المجموعات الأخري ونقوِّمها نسبة إليها... كل مجموعة تزكي فخارها وخيلاءها وتتباهي بأنها الأرقي وتمجد آلهتها الخاصة وتنظر الي الأجانب (الآخرين) نظرة إحتقار وتعتبر أن عوائدها الخاصة folkways هي وحدها الصالحة، وإذا ما رأت أن لمجموعات أخري عوائد مغايرة أثارت هذه إزدراءها." وبطبيعة الحال فان هذه النظرة ستقابل بنظرة مضادة من الجماعات التي ترزح تحت العنف والاقصاء. فالجماعات المسيطرة بمركزيتها الإثنية يمكن أن تتخذ أشكالاً قصوي من اللّاتسامح الثّقافي والدّيني وحتي السياسي. ويمكن أن تتخذ أيضاً أشكالاً مُخاتلة وعقلانية وهو ما يحدث في بلادنا الان.
في إشارة ذكية لكتابات ماركس المتناثرة في الصحف والتي جمعت في كتاب " ماركس ومجتمعات الاطراف" حول القوميات والإثنيات والمجتمعات غير الغربية لمؤلفه كيفن .ب. أندرسون يشير كاتب الورقة إلى غياب التّنظيرات حول دور الإثنية في الثّورات ووعيها كطبقة قائمة بحد ذاتها وفقاً لمحددات العرق والثّقافة " والإثنية مُحفّز حقيقي لهذه الثّورات والعُنف عكس الصّراعات الطّبقية ( الطّبقة الإجتماعية ) التي اهتمّت بها الماركسية وأعطتها أولوية؛ لو توقّف ماركس قليلا عند مذكرات توسيه لوفيرتيه}قائد أكبر ثورة عبيد في العالم 1791 م والتي ادت لتحرير هايتي و ادوارد بلايدين}ابو القومية لشعوب غرب افريقيا 1832-1912 م ، ووليام دي بوية؛ لعاد الي منصة التّفكير وأزاح غشاوة التّفاعلات الآسيوية- الهند والصين؛ التي ركّز عليها الجُزء الأكبر من تحليلاته وعلاقات الطّبقة العاملة لتبيّن له بدرجةٍ ما؛ أن السّلالة والإثنية والعُنصرية مصادر أصيلة في تكوين الطّبقات والصّراعات الطّبقية". فهل يمكن القول بأن الاثنية يمكن النظر اليها كطبقة دون اغفال التراتبيات الطبقية داخلها؟ بطبيعة الحال فان وعي المناطق التي تحتضن اثنية ما كأكبر كتلة في الجغرافيا المعينة ومع تشاركهم في اللغة والدين والعادات والوجدان المشترك بالاضافة الى المشاكل التي تعترض حياتهم كل هذا يؤدي الى تراكمات نوعية يمكن ان نطلق عليها ( الوعي) حيث وجودهم الاجتماعي يحدد وعيهم بما يواجهونه؛ الامر الذي يجعل الاثنيات المعينة تتحد في معركة البقاء. ويمكن القول أن الهامش اليوم لديه وعيه الخاص بتمايزه عن المركزية الاثنية في الدولة ولديه قضاياه المحددة تبعاً لوعيه ووجوده.
انقسامات حركات التحرر ( من مربع الاحتجاج الى تقديم البديل):
أجدني أتفق تماماً مع الرفيق مالك عقار في تشخيصه للأزمة التي ضربت حركات الكفاح المسلح وأدت الى انقساماتها والأزمات البنيوية بطبيعة الحال التي تمر بها ؛ والتي قتلها بحثاً في ورقته ويمكن تلخيصها في ( غياب الرؤية الاستراتيجية - التقاطعات الاثنية داخل مكونات هذه الحركات ؛ إدارة المتناقضات بنفس طريقة إدارة الدولة لها أعني استلاف الآليات المفضية الى " التشرزم – التفتت...الخ" التوجهات العشائرية داخل هذه المكونات والتراتبيات الاجتماعية التي نشأت لعوامل تاريخية معينة).
بجانب هذه العناصر فإنه ولعوامل تأريخية متلعقة بتهميش الدولة لهذه الجماعات بكافة أصنافه ( العرق، اللون ، الثقافة...الخ) وموضعتها في أطرٍ دونية مع ممارسة العنصرية والتعصب العرقي تجاهها وتجاهل قضاياها الاساسية وبالرغم من أن هذه الاهانات المكشوفة والمحفزة لقيام الثورات أو أيّاً كان إسمها قد أدت الى قيام حروب دموية وصلت لحد الاباة الجماعية في بعض المناطق؛ فإن تعاطي ما يسمى ب(الهامش) كان معظمه احتجاجياً رغم الحروب التي خاضها الهامش إذ يظل المحك الرئيسي لفكرة تقديم البدائل متمركزاً في توّحد حركات الكفاح المسلح كلها وليس تفتتها لدواعي اثنية وعشائرية ضيقة ( الحركة الشعبية – العدل والمساواة- تحرير السودان...الخ) والجبهة الثورية اخيراً.
بعد ست وثلاثون عاماً من تاريخ آخر ثورة خضناها ؛ولأول مرة في تاريخنا الحديث تتصدر الجماهير المشهد السياسي بكامله باعتبارها الفاعل الرئيسي والمعنية بالتغيير؛ وفي وقت كانت حركات الكفاح المسلح التي دفعت كلفة الحرب في الريف ( وهي أحد التراكمات التي أدت الى الثورة) تتشاكس فيما بينها ؛ كانت الجماهير قد فرضت واقعاً جديداً. هذا الواقع لم يكن نتيجة لسياسات الاحتجاج على الاوضاع فقط بل كان البديل هي الثورة كآلية لاحداث التغيير ومع الثورة كانت الشعارات الرئيسية التي رفعتها قوى الكفاح المسلح تتصدر اللافتات الرئيسية سواء في جمهورية النفق أو القيادة العامة! ومن كان يعتقد أن د. جون قرنق سيقود الجماهير وهو في قبره " الشعب يريد بناء سودان جديد" هذا الشعار كان هو البديل وليس الاحتجاج فقط بل ان الاحتجاج اتبع بالعمل وهو ما نفتقده كقوى كفاح مسلح. يجب الخروج من مربع الاحتجاج بعد الثورة الى مربع تقديم البديل ومع إن فكرة توحّد كل حركات الهامش تحت مظلة واحدة يظل حلماً ولكن دخول هذه الحركات الى الخرطوم سيغير المشهد السياسي تماماً وهو أمر تدركه قوى سياسية في الداخل وستمنع حدوثه دائماً.فهل نواصل احتجاجنا أم نقدم البدائل؟.
خاتمة:
تمر بلادنا اليوم بظروف حرجة؛ وتاريخنا الراهن مفصلي حيث شعوبنا على المحك تماما بين أن نكون أو لا نكون!! إن مهام البناء الوطني متعددة وشائكة ولايمكن لحزب واحد أو مجموعة معينة أن تدّعي قدرتها على البناء منفردة وأتساءل هل يمكننا بناء كتلة تاريخية؟ حيث اعتبر غرامشي أنّه لا مفرّ من تأسيس كتلة تؤدّي هذه المهمّة التغييرية لفائدة الجميع، كتلة تضمّ أقطابا متعدّدة مختلفة في مرجعياتها تحتكم إلى برنامج محدّد الأهداف لا يستثني أحدا بسبب اختلافه السياسي أو الفكري. وكانت أن زعزعت هذه الرّؤية المسلّمات والإطمئنان الإيديولوجي العقيم لتنفتح على الآخر أيّا كان موقفه أو موقعه. والكتلة التاريخيّة عند الجابري لا تعني سيطرة تصوّر واحد، فهي تتغيّر بتغيّر المواقف. فهي أقرب إلى المفهوم العام أو المربّع الهندسي النّظري، أكثر منها طرقا إجرائيّة. فهو يتحدّث تارة عن كتلة ذات مهام ثقافية مجمّعة في مواجهة التفتيت الثقافي وتارة أخرى عن مهام قومية في مواجهة التشظّي القطري وثالثة عن رسالة "الدمقرطة" في لحظات الانغلاق والاستفراد بالسّلطة والمتأمل لوضعية الأحزاب والنقابات والجمعيات في العالم الثالث اليوم وفي بلادنا تحديداً لا بد من أن يخرج بنتيجة تفرض نفسها، وهي أن جميع التشكيلات السياسية والنقابية والمهنية قد بلغت درجة من الترهل والإنحلال- مع إستثناءات قليلة هي الشاذ الذي يؤكد القاعدة- إلى درجة أصبح معها إعادة بعث الحياة فيها نوعا من العبث وضياع الوقت. وهكذا فلا "الحزب الوحيد،" في هذا القطر أو ذاك، ولا الأحزاب القومية، ولا الأحزاب الشيوعية والتنظيمات اليسارية، ولا الجماعات الإسلامية ولا النقابات، لا شيء من هذه التشكيلات بمنأى عن الصراعات الداخلية والانقسام والتشرذم والعطالة التنظيمية والفكرية، وبالتالي ليس أي منها بقادر على أن يتابع السير بزخم وأمل، ولا أن يستأنف حياة جديدة بعملية تغيير داخلي، فضلا عن أن يستطيع القيام بمفرده بتحقيق المهام المطروحة. إذن، فالكتلة التاريخية لا تتطلب من الأحزاب والتشكيلات الحاضرة التنكر لتاريخها ولا التضحية بأحلامها، ولا حتى التخلي عن أسمائها، وإنما تتطلب منها فقط التخلص من الشرنقة التي تسجن فيها نفسها لتتمكن من الارتباط ارتباطا جديداً، حياً وفاعلاً، بجسم المجتمع والمساهمة في بعث الحركة فيه من جديد.
-------------------
مراجع:
فرانسوا بيرو – الجمهور والطبقة ترجمة د. ناجي الدراوشة – الطبعة الاولى 2012 دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر- سوريا.
أشيل مبيمبي - نقد العقل الزنجي – ترجمة طواهري ميلود الطبعة الاولى 2018 ابن النديم للنشر والتوزيع.
د. نادر كاظم – تمثيلات الاخر – صور السود في المتخيل العربي الوسيط- الطبعة الاولى 2004 المؤسسة العربية للدراسات والنشر- المركز الرئيسي بيروت.
بندكت أندرسن – الجماعات المتخيلة تأملات في أصل القومية وانتشارها – ترجمة ثائر ديب – الطبعة الاولى 2009 شركة قدمس للنشر والتوزيع بيروت لبنان.
مالك عقار اير - الإثنية كمحفز للثورات وفشل بناء الدولة السودانية – منشور في الوسائط الالكترونية.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
//////////////////////////


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.