المفكر المغربي محمد عابد الجابري في مشروعه الفكري، الذي أراد من خلاله البحث و الكشف عن الأسباب التي جعلت الأمة تتخلف عن ركب الحضارة، و النظر في كيفية أن تعيد بناء نفسها المعرفي مرة أخري لكي تنهض، و تخلق ظروفا فكرية و معرفية أفضل، نجده قد جاء بمصطلح جديد في التداول المعرفي و السياسي " الكتلة التاريخية" و هو مصطلح الهدف منه تجاوز العديد من المصطلحات التي فشلت سابقا، و هي مصطلحات جاءت بها النخب السياسية أو المثقفة لكي تعزيز موقفها أن كان في الصراع الطبقي أو الطليعة ثم المثقف العضوى و غير العضوي و غيرها، و هدف الجابري من ذلك أن يوسع من القاعدة الاجتماعية التي يجب عليها أحداث التغيير. خاصة أن توسيع الدائرة يؤدي إلي توافقا مجتمعيا يؤسس لشروط بناء الديمقراطية. و حاول أن يسند المصطلح الجديد بالاستنارة من خلال إعادة العقلنة في المعرفة و أيضا ترسيخ المنهج النقدي. هذه الفكرة؛ الهدف منها التأكيد أن أي عمل يستهدف قطاع عريض من المجتمع، عليه أن ينطلق من فكرة واضحة، تحدد معالم المشروع السياسي، و لكن الرجوع للتاريخ، و محاولة استنهاضه لكي يكون مشروعا استقطابيا، لا يدفع صاحبه لمقدمة الركب. فالتاريخ دروس و عبر تساعد علي تجاوز سلبياته في بناء المستقبل، خاصة في عصر يشهد تطورا كبيرا في تكنولوجيا الاتصالات، أتاح كمية كبيرة من المعلومات و سهل الوصول لها، و أيضا معرفة تجارب الشعوب التي استطاعت أن تتغلب علي تحدياتها، و تتجاوز مشاكلها، و تقدم تجارب نهضوية ناجحة. لذلك مطلوب من القيادات الاتحادية إنتاجا فكريا لكي يبين طريقها و يكون هو أداة الاستقطاب وسط الأجيال الجديدة، بعيدا عن أي دعوات إقصائية. أردت من هذه المقدمة حوار ما كتبه الصحافي عثمان ميرغني رئيس تحرير جريدة " التيار" في عموده "حديث المدينة" عن " الاتحاديون .. أين ذهبوا!! في معرض تناوله للموضوع قال " بكل الزخم و القوة التي جعلت التجمع الاتحادي علي صدارة المشهد السياسي، يبدو الآن راضيا ب " القسمة و النصيب" هذا يطرح أسئلة يجب أن تجيب عليها قيادة " تجمع الاتحاديين" ما هي العوامل التي ساعدتهم لكي يبرز التجمع في الثورة كتيار ثوري، ثم تراجع هذا الدور بعد الثورة؟ هل يعاني التجمع من خبرة أو مشكل كيفية إدارة الأزمة؟ أم هي مشاكل خارجة عن إرادته؟ الإجابة علي الأسئلة يجب أن تبين أين المشكل و ما هو المطلوب. أن أشكالية القوى السياسية بعد انتصار الثورة جعلت من "وثيقة قوى الحرية و التغيير" التي كان قد كتبها " تجمع المهنيين" و وقعت عليها العديد من القوى السياسية، و بعض منظمات المجتمع المدني، هي المشروع السياسي...! رغم أن الوثيقة كانت مقترحا يحتاج إلي تطوير من قبل القوى السياسية، و لكنها لم تقدم علي تطويرها خوفا من تفجير الصراع بينها، لذلك نجد أن كل القوى قرأت الوثيقة من خلال رؤاها الفكرية، ثم اتجه الجميع للبحث عن موطئ قدم في السلطة لكي تعطيها شرعية دون الآخرين. فالتجمع الاتحادي الذي تأسس بهدف وحدة الاتحاديين، فجأة قرر أن يتحول لحزب سياسي، و يتنازل عن مهمته لوحدة الاتحاديين، و اعتقد أن توقيعه علي الوثيقة، و دخوله في تحالف " قحت" أكسبته شرعية تجعله في حل عن الآخرين و مواصلة هد ف الوحدة، و طالب القوى السياسية أن تتعامل معه باعتباره التيار الثوري دون التيارات الأخرى، و خاصة الاتحادي الأصل الذي يسيطر عليه الميرغني، هذه الرؤية جعلته يضيق علي نفسه، و كانت لديه فرصة عظيمة جدا أن يفتح كل الملفات المختلف عليها في حوار يقوده التجمع الاتحادي، دون أن أي محاولة للإقصاء، فمثلا بدلا من خلق مواجهة مع الطائفية، و كان عليه أن يفتح حوارا يؤكد فيه علي دور المؤسسية، و كل عضو في الحزب يملك صوتا واحدا دون أي تمييز عن الآخرين، مثل هذا الحديث سوف يجد قبولا واسعا بدلا من مصطلحات الأقصاء و الضد. أن الاتحاديين منذ تأسيسهم كانوا أحزاب متعددة، و سيظلوا كذلك، لكن تجمعهم "الفكرة" و لا تستطيع القيادة أن تضبطهم كما تضبط القيادة في الأحزاب الأيديولوجية عضويتها، فالفكرة يلتفون حولها. كما كانت فكرة " وحدة وادي النيل" لذلك في اعتقادي أن أي تيار من التيارات الاتحادية إذا استطاع أن يأتي بالفكرة الجامعة و مؤمن بها و علي تنفيذها و يقدم أدوات جديدة تتلاءم مع الفكرة و محفزة للعمل، إلي جانب مساهمة الجميع في الطرح الفكري الذي يؤسس علي مباديء الديمقراطية. و أن تكون قيادة التيار واسعة الصدر مفتوحة الذهن، الأمر الذي يؤهلها أن تقدم مبادرات سياسية متواصلة لحل الأزمات. و أن تتواصل مع كل التيارات الأخرى. مثل هذا العمل يكسب القيادة الفكرة و يفتحها علي أفكار جديدة. صحيح أن الثورة دفعت بأجيال جديدة لساحة العمل السياسي، و هؤلاء مكسب كبير لعملية التغيير إذا استطاعت القيادات الديمقراطية أن توظف قدراتها الإبداعية في عملية التغيير، من خلال تقديم أفكار جديدة و تصورات جديدة للعمل السياسي، بعيدا عن الشعارات التي لها انعكاسات سالبة علي العملية الديمقراطية. و معروف الديمقراطية تؤسس في أي مجتمع أن تجمع حولها أكبر قاعدة اجتماعية مناصرة لها، لكي تسهل عملية الوفاق الوطني. فالفكر الاتحادي الذي يؤسس علي القيم الديمقراطية يحتاج إلي إنتاج غزير للثقافة الديمقراطية لكي تحتل محل الثقافة الشمولية المتداولة اليوم رغم الثورة. هذه لابد أن تقدم العناصر التي تشتغل بالفكر، لأنها القادرة علي إدارة الحوار و الاقناع. و نسأل الله حسن البصيرة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.