ما بين مطرقة القوى السياسية المعارضة وسندان المؤتمر الوطنى ضاعت مفوضية الانتخابات المتابع للمشهد السياسى السودانى هذه الايام يصاب بلوثه عقلية نتيجة لحالة الارباك والارتباك السياسى التى تلوح فى الافق ما بين رؤى سياسية متباينة و انسحابات حزبية متذبذبه تنم عن عدم قراءات صحيحة للواقع السياسى السودانى ..... المؤتمر الوطنى احتكر الوطن اكثر من عقدين من الزمان و استعد للانتخابات المقبلة باللسان و السنان و هو الوحيد الذى يتحرق شوقا لقطف ثمار غرسه , اما الاحزاب السياسية المعارضة فلقد استعدت باللسان فقط مما يعنى انها ادركت ان حصاد البيدر يأتى على قدر الجهد , هذه الاحزاب ايقنت ان وخيم العواقب ينتظرها فاتخذت المقاطعة الانتخابية سلما للتجاوز , و مفوضية الانتخابات مشجبا لتعلق عليه عدم جاهزيتها لخوض الانتخابات و ربما ادرك بعضها حجمه الطبيعى .... هذا المشهد الملودرامى يلقى بظلاله الكئيبة على الوطن بأسره , بحيث يصير الوطن هو الضحية الكبرى. (1) سبق و كتبنا و حذرنا من المستقبل المبهم للعملية الديمقراطية فى السودان بأوضاعه الحالية , اجواء التسخين الانتخابية ذات الخطاب السياسى الانفعالى السائد تكاد تسد الافق و دائرة التشابك المتواصل بين المؤتمر الوطنى و الاحزاب السياسية المعارضة تلبد سماء السودان و توسع دائرة تقاطع المصالح القومية , و تأكد التشرذم الاثنى و الدينى و الجهوى, كما ان سياسة ( رزق اليوم) , عديمة التخطيط العلمى , و البناء الهيكلى الحزبى الذى تهيمن عليه ديناصورات السياسة السودانية و الذى تنتفى فى اغلبه تواصل الاجيال لا يمكنه احداث تغيير ايجابى يحسب لصالح الوطن ,, لقد انحصر التفكير الحزبى و الاعلامى فى الفوز بالانتخابات بدون برامج واضحة او حتى الاتفاق على الحد الادنى من العوامل التى تؤدى الى استقرار الوطن الذى يتهدده شبح الانفصال ... الاحزاب السياسية العتيدة لم و لن تعمل على ضح دماء جديدة فى شرائينها المنهكة بفعل عوامل البلى و القدم و ايضا انعدام القيادة الراشدة الخلاقة التى تلهب الحماس فى الجماهير فتحيله الى واقع يحقق تطلعاته ... اما المؤتمر الوطنى فقد احتكر الوطن والسلطة و اختزل كل التطلعات فى التمسك بها وجعل ما بينها والاخرين ما بين السجان و السجين... فسخرت كل المعطيات الى قيام دولة دينية ..لقد استفادوا من الاسلام الانطباعى المهيمن على قطاع عريض من السودانيين ,اما الاسلام السياسى المتنامى وسط الطلاب و منسوبى الحزب فالاسف تسوقه مشاعر التعصب العرقى و الدينى و سياسة المنع و الاعطاء , لذلك لم يجد الاخرين مكان لهم فيها , فها هم يستعدون لركوب عباب الانفصال ... نعم لقد استقرت صورة الانفصال فى الوعى العام السودانى ....الملابسات المذكورة اعلاه توفر جوا انتخابيا متكدرا و غلوا عرقيا متزايدا يضمن للمؤتمر الوطنى الفوز بالاغلبية فى انتخابات ديمقراطية او غير ديمقراطية ....نزيهة .. او غير نزيهة .................... (1) (2) قادة الاحزاب السياسية جميعها (حكومة ومعارضة ) مرهون بهم تقديم خطاب سياسى متوازن يعيد التوازن للهرج السياسى السائد ...فالتعبئة السياسية فى الايام الفائته اصابة الشارع السياسى بالذعر و الهلع و هم يرون قادتنا يسلقون بعضهم بألسنة حداد ..هؤلاء القادة هم قادة الرأى فينا فلذلك مطالبون بتغيير سياسات التعامل مع قضايا الوطن الراهنة و المستقبلية و مع بعضهم بعضا , و طالما استوجب الامر ذلك ينبغى مسح كثيرا من الاصداء السالبة التى ترسخت فى الذاكرة السياسية السودانية و خاصة وان اغلب الخطاب كان عبر الاثير و امام الجموع الغفيرة او فى وسائط الاعلام الاخرى ,, اما ماقيل فى جلسات الانس من سمج الحديث عن حرائر دارفور فموعدنا يوم الحساب للقائل ...و الناقل............... ما يزعجنى ان معظم قادة الاحزاب ما زالوا عاجزين عن قراءة مفردات و مآلات التغيير او استيعاب تحولات التغيير العالمية و الاقليمية و الداخلية ....يا هؤلاء ...التغيير و الاختلاف سنه من سنن الله فى كونه ...التغيير ليس ضعف او وهن بل دليل على فهم المقاصد و استيعاب الاخر بعيوبه قبل مزاياه و عنوانا على صدق القيادات و قابليتها للتطور فى التعبير عن امال الشعب السودانى و امانيه................ (3) مفوضية الانتخابات بما نالته من مسموم السهام فى الايام السابقة صارت الجانى لدى البعض , و الضحية لدى البعض الاخر.... ...الكل ينظر اليها اما بعين السخط او بعين الرضاء... ., موقفها يجسده قول الشاعر الامام الشافعى : و عين الرضاء عن كل عيب كليلة و لكن عين السخط تبدى المساويا و لست لهياب لمن لا يهابنى و لست ارى للمرء ما لا يرى ليا فأن تدن منى تدن منك مودتى و ان تنأ عنى تلقنى عنك نائيا ما كتب عن مفوضية الانتخابات كان كثيفا و ما قيل عنها كان مخيفا يكشف عن ثغرات خطيرة اذا صحت دعاوى الاحزاب السياسية المعارضة , و كان لابد من تحرك جدى لتصحيح تلك الدعاوى و فى مرحلة باكرة , اما اذا لم تصح تلك الدعاوى فأن ذلك القذف و التشهير لا يعدو كونه موقف غير اخلاقى و ابتزاز سياسى رخيص يجب رفضه من الجميع ,,, بل يستوجب الاعتذار العلنى الصريح (2) أ—هل تم تشكيل المفوضية بموافقة كل القوى السياسية ؟ ب—هل صاحب اداء مفوضية الانتخابات دور رقابى من القوى السياسية المعارضة ؟ و ماهو دور القوى السياسية فى التنبوء و تصحيح اداء المفوضية اذا ثبتت ان هنالك اساليب فاسدة مستخدمة ؟............ لماذا لم يتم ابعاد العناصر المشكوك فيها , او المساندة للمؤتمر الوطنى داخل المفوضية و التى تحاول اجهاض نزاهة الانتخابات منذ فترة باكرة ؟ ج—هل ساهمت الاحزاب المختلفة فى توفير الامكانيات البشرية اللازمة للمفوضية لانجاح العملية الانتخابية فى كل مستوياتها و مراحلها ؟ اسئلة دعونا نقف عندها قليلا عساها تجلى بعض الغشاوة.. عموما ان صناعة المؤامرة ليست امرا عصيا على اهل الاختصاص , خاصة و الذى بين الجميع هو ما بين الحداد و الحديد , كما ان بعضهم لا يحلو له العمل الا فى الاجواء المسممه...فى الاسبوع الماضى لفت نظرى ما قاله السيد :فؤاد حكمت , المستشار الخاص للسودان بمجموعة النزاعات الدولية ---منظمة تقدم المشورة فى قضايا النزاعات الدولية --- مقرها بروكسل ...قال : (ان الرئيس عمر البشير يعمل منذ فترة طويلة على ضمان تزوير الانتخابات , مما يجعل الفائز فى نهاية المطاف غير شرعى, على حد تعبير المجموعة .. و قال فؤاد : ( ان البينة القانونية لا تتوافر لاجراء انتخابات نزيهة ).. مشيرا الى ان على المجتمع الدولى الاعتراف , انه ايا يكون الفائز فى تلك الانتخابات سيفتقر الى الشرعية ................... للاسف اغلب الاحزاب السياسية المعارضة تتخذ اسانيدها الدعائية من مثل هذه المنظمات المشبوه ...فدائما سفير السوء يفسد ذات البين ...ما اريد ان اقوله الضرورة تقتضى من المراقب الحصيف , المجرد من الاهواء , و من كل الاحزاب السياسية ان تبدأ بالمفوضية و تنتهى بالمفوضية فى استجلاء الحقائق و معالجة الاضرار , بدلا من اخذ حديث الافك و تصريحات الاسفاف من الذين يتنبأون بما لم يحدث بعد ...فهناك القوانين و اللوائح و الاجراءات .. و هى تؤكد ان القوى السياسية جميعها شارك فى الاجراءات العملية للمفوضية منذ البدء و حتى حينه .. لقد تكاثرت الظباء على المعارضة فما درت ما تصيد ..فصادت مفوضية الانتخابات ...لقد وجدت فى المفوضية ضالتها ( الحيطة القصيرة ) , حيث سارعت فى الباسها لابس عدم الحياد ... تصرفت ان المفوضية لها دور يقينى فى دعم عمليات التدليس و التزوير من التسجيل الانتخابى و الطعون , وان مسلسل عدم النزاهة المزعوم سيستمر حتى انجلاء العملية الانتخابية بفوز الرئيس البشير ..بينما الظاهر للعيان ان الاحتمال ظنى حتى يتحقق اليقين ...كثيرا منا يدرك ان الاحكام اتسمت بعجلة غير مبررة لا تخلو من الغرض , بل تؤكد ان عدم الثقة بين الفرقاء السياسيين قد بلغ شأوا بعيد... و هو ما يستوجب ضرورة الفصل بين الخلافات السياسية و بين احترامنا لمؤسساتنا الوطنية المنوط بها المحافظة على استقرار البلاد ... حيث ان تلك الخلافات السياسية دائما عارضة و متجددة بتجدد الاحداث , بينما ينبغى ديمومة الاحترام لمؤسساتنا الوطنية ....و التى هى جزء من احترامنا للمؤسسية التى نرجو بها تجويد الممارسة الديقراطية لنجنى ثمارها ...استقرارا و رخاءا ... (3) امريكا ...و الحركة الشعبية لتحرير السودان ...و حالة الارباك و الارتباك السياسى : ان الاشارات الايحائية و الجهود المستمرة فى خلق المتناقضات و اللعب عليها يؤكد ان السلوك الانتهازى لدى الحركة الشعبية لم يعد شأنا تكتيكيا بل غدى و للاسف جزء من استراتيجيتها و التى اكسبتها و اوصلتها الى ذاك الشعور الزائف من الاحساس بأنها قد صارت (عراب السياسة السودانية ) رمانة التوازن الاستراتيجى فى السودان , فحشدت حولها مجموعة احزاب جوبا , فتارة تمانع و تتمحك مع شريكها حزب المؤتمر الوطنى و تبتزه بالانفصال , و احيانا تغازل المجموعة بالوحدة , ليس حرصا على الوحدة و لكن اتخاذ الجميع مطية لتنفيذه جندها الوحيد التى قاتلت من اجله و الاخرين لتحقيقه , والمتمثل فى ممارسة حق تقرير المصير , و بالتالى (انفصال دولة الجنوب ). ففى بيان متعجل خرجت الينا الحركة الشعبية لتحرير السودان , لتعلن سحب مرشحها لرئاسة الجمهورية و مرشحيها فى ولاية دارفور ولاحقا كل قطاع الشمال من العملية الانتخابية و , بحجة استمرار حالة الطوارىء ووجود القوانين المقيدة للحريات ...و حدوث تزوير فى الانتخابات , للمتابع يجد ان الحركة الشعبية شعرت بحجمها الطبيعى فى قطاع الشمال (وزن الريشة ) , لذلك حاولت ذر الرماد فى العيون لالهاء الشعب السودانى بتلك المسرحية ... دعونا الوقوف عند بعض الاشارات :1—قضية دارفور لم تكن وليدة اليوم كما ان حالة الطوارىء لم تسن فى هذا العام . 2- لم نشاهد جهدا من الحركة الشعبية يؤكد اصرارها على حل قضية دارفور ,اللهم الا ما يخدم مصالحها 3—القوانين المقيدة للحريات التى يتباكى عليها الجميع ,هى غرس الحركة الشعبية و المؤتمر الوطنى : فالكل يعلم ان السادة روجر ونتر (مستشار السيد سلفاكير) و القس فرانكلين جراهام المتنفذ فى الكنيسة الانجلكانية الامريكية , اضافة الى السيد الجنرال اسكوت غرايشن مبعوث الادارة الامريكية (امين التعبئة السياسية للمؤتمر الوطنى لقيام الانتخابات ) , كلهم امريكان , لقد لعبوا دورا رئيسيا فى اقناع الطرفين باجازة استفتاء ابيى و حق تقرير المصير حسب رؤية الحركة الشعبية , على ان تتنازل الحركة الشعبية عن موقفها بخصوص الامن الوطنى , التحول الوطنى الديمقراطى , قوانين النقابات , المشورة الشعبية... و هذا ما تؤكده واقعة عدم انسحاب الحركة الشعبية من المجلس الوطنى عند تمرير اجازة القوانين الاخيرة , و اصرارها على البقاء رغم الحاح مجموعة جوبا على انسحابها , وهو ما يعنى ضمنا موافقتها على تلك القوانين .. اما الانسحاب الاخير للحركة الشعبية من قطاع الشمال قد احدث ربكة سياسة فى الواقع السودانى فعلا , و لكنه ليس مستغربا , فهو صفقة سياسية خفية بين المؤتمر الوطنى و الحركة الشعبية تمت فى جوبا فى فبراير الماضى , ففى لقاء جمع السيد :على عثمان ممثلا للمؤتمر الوطنى , و د .رياك مشار ممثلا للحركة الشعبية , تم اتفاق الطرفين على سحب مرشح المؤتمر الوطنى لرئاسة دولة الجنوب , د. ريك قاى , و الذى سخر من ترشيح الحركة الشعبية لياسر عرمان لرئاسة الجمهورية , قائلا : (4) ( جلابى لجلابى احسن البشير )... تمنعت الحركة الشعبية لتحرير السودان بعض الشىء فى اجهزة الاعلام المختلفة , حيث شعرت بالحرج عندما واجهتها مجموعة احزاب جوبا بتلك الصفقة فنفت الحركة الشعبية ذلك الامر و اكدت استحالة حدوثه , وان جهودها معها لتغيير الواجهة السياسية السودانية لن تكن محل مساومة ( ضحك على الدقون ) , فى حين انها تدرك ان مشروع العمل بينها و المؤتمر الوطنى يثبت الصفقة الخفية , و المتمثلة فى انتخاب عمر حسن البشير لرئاسة السودان فى الانتخابات المقبلة , مقابل انتخاب السيد سلفاكير كأول رئيس لدولة الجنوب , و ضمان ممارسة شعب جنوب السودان لحق تقرير المصير و من ثم انفصال سلس يجنب الدولتين كثير من العنت .. ولعل التوجيه الصادر من سلفاكير فى الاسبوع المنصرم لمنسوبى الحركة الشعبية بالتصويت لعمر البشير يؤكد تلك الصفقة رغم محاولات النفى المتكررة من قبل حكومة الجنوب , فلقد وضح التوجيه , ووصلت الرسالة ... وهو ما رسخه فى الذاكرة السياسية السودانية ... فلا شىء يرسخ الاشياء فى الذاكرة و يثبتها هذه الايام كالرغبة فى تعديلها او نسيانها ......لقد تلاقت المصالح المتعارضة (المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية ) مع المصالح الامريكية التى تبحث عن موطء قدم فى المنطقة حتى تحجم النفوذ الصينى المتنامى , لذلك دولة الجنوب الوليدة , كانت ولا زالت فى نفوذ الاصولية التى تلعب دورا رئيسيا فى صياغة الاستراتيجية و صناعة القرارالامريكى , كما لا ننسى دور الدين والاعلام و المال فى السياسة الامريكية , انها دولة المؤسسات التى لا تعرف العداء الدائم ... و لكنها تعرف المصالح الدائمة ...و لا عزاء ( لناس قريعتى راحت ) ..... عموما دلالة انسحاب او سحب ياسر عرمان من سباق رئاسة الجمهورية و انسحاب جميع مرشحى الحركة الشعبية من قطاع الشمال , و قبلها الصفقات المختلفة مع المؤتمر الوطنى , تؤكد صعوبة تصنيف الذى يجرى بأعتباره اضافة الى مسيرة الوحدة الجاذبة و التغيير المرتجى , مهما حاول بعض الواهمون بتصوير ما حدث و سيحدث بأنه صورة ايجابية تتوافق مع روىء بعض القوى السياسية المعارضة (المنسحبة ) بمقاطعة الانتخابات .. الذى حدث ليس عملا من اجل الاتفاق ..و لا من اجل مجموعة احزاب جوبا .. و لا من اجل السودان الجديد.... بل مجرد لقطة كروية بارعة من الحركة الشعبية نتج عنها هدف جميل للالهاء و الالغاء (هدف جميل و لكنه اوف سايد )..... ما حدث يؤكد فقط الانتهازية و الوصولية ... انه ليس تجسيدا لموقف مسئول ترتكز عليه مجموعة احزاب جوبا و بعض الواهمون ( فى قطاع جبال النوبة ) وتطمئن عليه ...فالحركة الشعبية فى انتهازيتها و وصوليتها لا يضاهيها الا...ذات الشريك .. و بين ...هذا ....و ....ذاك .....و ....حضور ...اليانكى ...تاه الوطن ... و لكم من الود اجمله... موسى عثمان عمر على (بابو) استراليا – ولاية كوينزلاند –بريزبن e.mail : [email protected]