شاهد بالصورة والفيديو.. رغم جلوسهم على فصل دراسي متواضع.. طلاب وطالبات سودانيون يفاجئون معلمتهم بإحتفال مدهش والجمهور يسأل عن مكان المدرسة لتعميرها    شاهد بالصورة والفيديو.. فنان سوداني يحمل زميله المطرب علي الشيخ على أكتافه ويرقص به أثناء إحياء الأخير لحفل بالقاهرة وساخرون: (لقيت وزنه 5 كيلو وقعدت تنطط بيهو)    الهلال السودانى يتأهل ويواجه الجيش الرواندى في نصف نهائي سيكافا وأهلي مدني يخسر    بالصورة.. المريخ يجدد عقد نجمه الدولي المثير للجدل حتى 2028    بالصورة.. المريخ يجدد عقد نجمه الدولي المثير للجدل حتى 2028    شاهد بالصورة والفيديو.. فنان سوداني يحمل زميله المطرب علي الشيخ على أكتافه ويرقص به أثناء إحياء الأخير لحفل بالقاهرة وساخرون: (لقيت وزنه 5 كيلو وقعدت تنطط بيهو)    النائب العام تلتقي رئيس مجلس حقوق الإنسان بجنيف وتستعرض جرائم وانتهاكات المليشيا المتمردة    ذبحوا البطّة التي تبيض ذهباً، ولسّة بفتّشوا في مصارينها!    شاعر سوداني كبير يتفاجأ بمطرب مصري يتغنى بأغنيته الشهيرة أثناء استغلاله "توك توك" بمدينة أسوان    إصبع كباشي .. عهر جيش وعنوان مرحلة!    الهلال يتأهل ويواجه الجيش الرواندى في نصف نهائي سيكافا    سفارة السودان القاهرة وصول جوازات السفر الجديدة    ميسي يحقق إنجازا غير مسبوق في مسيرته    تبدد حلم المونديال وأصبح بعيد المنال…    ترامب: الهجوم على قطر قرار نتنياهو ولن يتكرر مجددا    جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث الغارات الإسرائيلية على الدوحة    في الجزيرة نزرع أسفنا    السودان..تصريحات قويّة ل"العطا"    اعتقال إعلامي في السودان    الصقور خلصت الحكاية… والهلال اليوم تبدأ الرواية    نوتنغهام يقيل المدرب الذي أعاده للواجهة    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني تستعرض جمالها بإرتداء الثوب أمام الجميع وترد على المعلقين: (شكرا لكل من مروا من هنا كالنسمة في عز الصيف اما ناس الغيرة و الروح الشريرة اتخارجوا من هنا)    أعلنت إحياء حفل لها بالمجان.. الفنانة ميادة قمر الدين ترد الجميل والوفاء لصديقتها بالمدرسة كانت تقسم معها "سندوتش الفطور" عندما كانت الحياة غير ميسرة لها    شاهد بالصور والفيديو.. شاب سوداني يشعل مواقع التواصل الاجتماعي ببلاده بزواجه من حسناء تونسية وساخرون: (لقد فعلها وخان بنات وطنه)    شاهد بالفيديو.. أطربت جمهور الزعيم.. السلطانة هدى عربي تغني للمريخ وتتغزل في موسيقار خط وسطه (يا يمة شوفوا حالي مريخابي سر بالي)    والي الخرطوم يدين الاستهداف المتكرر للمليشيا على المرافق الخدمية مما يفاقم من معآناة المواطن    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    هذا الهجوم خرق كل قواعد الإلتزامات السياسية لقطر مع دولة الكيان الصهيوني    إيران: هجوم إسرائيل على قيادات حماس في قطر "خطير" وانتهاك للقانون الدولي    نجاة وفد الحركة بالدوحة من محاولة اغتيال إسرائيلية    ديب ميتالز .. الجارحى ليس شريكا    التدابير الحتمية لاستعادة التعافي الاقتصادي    ضبط (91) كيلو ذهب وعملات أجنبية في عملية نوعية بولاية نهر النيل    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    تمويل مرتقب من صندوق الإيفاد لصغار المنتجين    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية    وزارة المعادن تنفي توقيع أي اتفاقية استثمارية مع شركة ديب ميتالز    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تفاصيل جديدة حول جريمة الحتانة.. رصاص الكلاشنكوف ينهي حياة مسافر إلى بورتسودان    قوات الطوف المشترك محلية الخرطوم تداهم بور الجريمة بدوائر الاختصاص وتزيل المساكن العشوائية    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    من صدمات يوم القيامة    "وجيدة".. حين يتحول الغناء إلى لوحة تشكيلية    فعاليات «مسرح البنات» في كمبالا حنين إلى الوطن ودعوة إلى السلام    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكتوبر وديسمبر: شجون ثورية بين الجدة والحفيدة .. بقلم: محمد فقيري
نشر في سودانيل يوم 22 - 10 - 2020


لم تكن ثورة شعبي محض صدفة
لم تكن من شارع الليل إنطلاقا
هي كانت في ضمير النيل نطفة
ثم صارت للملايين إنبثاقا
مُحي الدين فارس
من قصيدة أكتوبر الأخضر
مَثَلُ أكتوبر فينا كمثل سحناتنا التي تتبعنا منذ الأزل وسوف تبقى فينا للأبد ، فلا تُذكر الثورات ولا تذكر السياسة ولا تذكر الديمقراطية ولا تذكر الشعارات إلاّ ويذكر أكتوبر ، هل لأنها أولى ثوراتنا بعد الإستقلال؟ ، بمعنى أنها قامت ضد نظام وطني ، وإن كان عسكرياً فإن الحكام كانوا سودانيين ، وثورات ما قبل الإستقلال كثيرة ولكننا لا نذكرها ولا نحتفل بها ، لماذا يسكن أكتوبر في مسامات ذاكرتنا الجماعية ويسيطر على أحاديثنا السياسية وتغطى على شعاراتنا الثورية؟ ما سره وما سحره؟ لكل واحد في داخله تفسير ، ولكل واحد في وجدانه إجابة ، ولكن ما لا يختلف عليه إثنان هو أن أكتوبر64 كان شهراً فارقاً في تاريخ السودان ، ليس من ناحية رفض وإنهاء الظلم والإستبداد فقط بل من ناحية الوعي السياسي الذي بذرته ثورة أكتوبر في عقول السودانيين ، حتى أصبحت تلك الثورة مدرستنا وجامعتنا التي ما زلنا نتعلم منها ونسترشد بدروسها ونستقي من فيضها ، وكما قال الأستاذ عبد الله علي إبراهيم (( ثورة أكتوبر فحولة سياسية في قرارة وجدان السودانيين برغم قيل نثرها وقاله. تركت فينا عقيدة غامضة ملحة بأن للظلم آخر)) ، في أكتوبر وبشكل موازي للحماس الوطني الثوري في نفوس الشعب إشتعل مصباح الإبداع الشعري فكانت الأناشيد التي ما زلنا نتغنى بها ونرددها بكل العشق والطرب ، والحقيقة أن قصائد أكتوبر المغناة هي التي وثقت للثورة وأرخت لها دون النثر الذي لم يُكتب منه إلاّ القدر اليسير رغم المجال الواسع الذي وفرته أحداث الثورة ، ولولا أناشيد وأغاني أكتوبر لما عرف أجيال ما بعد أكتوبر شيئاً عن ثورة الإقليم الأولى والتي ضاع حقها في الأولية والريادة مع هرجلة ما سُمي بثورات الربيع العربي ، فقصيدة مثل أصبح الصبح - الفيتوري/وردي - تحول إلي نشيد وطني حفظته الأجيال عن ظهر قلب .
في كل أكتوبر من كل عام تمتلئ الصحف و الأسافير والفضائيات بأحاديث شيقة و استشهادات شعرية من شعر أكتوبر المجيد ، يحتفي السودانيون به ويحتفلون في كل بقاع الأرض ، فثورة أكتوبر ليست مجرد حدث محدود بزمان ومكان ما، بل هو روح توّاقة للحرية و الكرامة و الفداء صاحبت السودانيين منذ القدم ، أكتوير هو رمز الثورية ، وثورته هي الجدة الشرعية لثورة ديسمبر ، ولم يكن أكتوبر هو الشهر السوداني الوحيد الذي حمل جنين الثورة في أحشاءه وأنتظر خلف الصبر والأحزان ، مترقباً طلول صبح الإنتصار ليشعل التاريخ ، فأبريل كذلك .. عاش خلف الصبر والأحزان .. صامداً ، منتظراُ ذلك الصبح السوداني الجليل الذي يطل في سماء الوطن ككوكب منير يحيل ليل الظلم والإستبداد إلي نهار العدل والحرية ، وأحزان السودان كبيرة ، ومآسيه كثيرة ، وصبر أهله طويل ، ولكن من حسن حظه أن جنين الثورة يتخلق مرة أخرى في أحشاء شهر آخر ، فكان ديسمبر المجيد ، الذي حمل يرقة الثورة من صباح الثلاتين من يونيو 1989 ، وأنتظر في ليل مظلم حالك طويل ، وصبر متصل جميل ، تطور معه جنين الثورة إلي نطفة أعلنت عن أولى حركات تكونها في سبتمبر 2013 ، حاول المجرمون قتلها في مهدها ، ولكنها لم تمت ، فهي تستمد جيناتها العنيدة من أكتوبر ومناعتها القوية من أبريل ، قاومت حتى تطورت إلي علقة في الدمازين ، ثم إلي مضغة في سنار، ثم إكتسى عظامها لحماً في عطبرة ، ثم صرخت صرخة الحياة في العاصمة المثلثة في الخامس والعشرين من ديسمبر ، خرجت من رحم بسالة الكنداكات وصمود الثوار ، هدرت كالسيل على طرقات الوطن ، تدفقت أنهارها في المدن والقرى ، في السهول والبوادي ، تخلصت من كل الزبد والغثاء ، تشبعت بما ينفع الناس ، ثم تجمعت كلها في أرض الإعتصام في السادس من أبريل ، إلتقى الجيل (الراكب راس) هناك ، وكان هو جيل البطولات وجيل التضحيات ، نصبوا خيامهم ، بنوا (صبتهم) وأصدروا بيانهم الأول ممهوراً برمزية تاريخ اليوم (رص العساكر رص الليلة تسقط بس) ، إعتقد الطغاة والفاسدون وأتباعهم أن هؤلاء ليسوا إلاّ شلة صعاليق عواطلية ومواهيم ضلوا طريق (الصعلقة) ووصلوا بالخطأ فدخلوا عرين الأسد ، تعالت أصوات الإسلام السياسي البغيض وشيوخ السلطان والمنتفعين والإنتهازيين ومرضى القلوب والضمائرفي مهاجمة الثوار ووصفهم بكل ما في القاموس من كلمة سالبة ، فنصب الشباب منصات المخاطبات وأحاديث الوعي التي أذهل بها هؤلاء (الصعاليق) كل من كان محبطاً فيهم ، فاجأونا جميعاً بوعي وشجاعة وأصرار على الإنتصار ، أثبتوا لنا بعد أن يئسنا أنهم أشد بأساً في حب الوطن أكثر منا ، وأنهم أكثر وعياً وإداراكاً لمفهوم الوطن ، وأن صورة وطن العدل والمساواة واضحة في عدسات أعينهم وضوح السمش ، قدموا الشهيد بعد الشهيد ، إنهمر دموع الشعب السوداني أنهاراً حين هتفوا (فوق فوق سودانا فوق) على ضوء الفلاشات التي أحالت ليل الخرطوم إلي نهار وأرض الخرطوم إلي سماء سطع فيها نجوم العزة والكرامة ، إستمرت المواكب والمسيرات التي تبدأ من أحياء العاصمة المثلثة لتدخل ميدان الإعتصام عابرة نقاط التفتيش (بذوق) من المفتش والمفَتش ، تسبقها أصوات الهتافات والشعارات التي ترددها القلوب (ثوار أحرار حنكمل المشوار) ، تلتقي المواكب هناك وتتداخل وتمتزج كما يلتقى الأبيض والأزرق ويمتزجان ، وكما يسير النيل إلي غايته يسير الهتاف إلي غايته (حرية سلام وعدالة ومدنية قرار الشعب),
أصبحت الثورة وشعاراتها كاالماء والهواء ، يرتوي بها الناس من ظمأ ويستنشقونها من ضيق نفَس ، إقتحمت عالم الأطفال قبل الكبار ، وأصبح ميدان الإعتصام هو المزار اليومي للعائلات حيث يلقي الجميع عصا التسيار ، وعندما بلغ حماس الثورة أقصاه وعندما دق جرس حصة الوطن في جمهورية أعالى النفق نادى منادي النضال من فوق مئذنة الإصرار أن حانت ساعة النصر ، فجاء الأحرار والحرائر من كل فج عميق راجلين وعلى كل دابة من حديد ، وإكتملت دائرة الخناق على الطغاة ودوى صوت الهتاف شاقاً سمع من يضعون أصابعهم في آذانهم حذر السقوط ، (تسقط بس) ، فكان الإنتصار الأول في الحادي عشر من أبريل ، تلاه الإنتصار الثاني بعد يوم واحد فقط. ثم تتالى سقوط أقنعة الزيف والضلال في أرجاء الوطن ، وهتف الثوار: (سقطت تب).
هناك ، في أرض الإعتصام ، وتحت شمس الخرطوم الحارقة وعلى بعد خطوات من سليل الفراديس نبتت السنبلة التي إنتصرت على أسراب الجراد ، إرتوت بدماء الشهداء الطاهرة، رضعت من ثدي التاريخ إكسير الحياة وأذّنت الكنداكات في أذنيها بزغرودة الحرية والسلام والعدالة ، عمدها النيل الخالد بطقوسه القديمة ، باركتها روح آمون وألبستها جدتها الكنداكة ريناس تاج الملك وباج لها أبادماك بسره العظيم ، جاء في سبوعها المهدي ومهيرة بت عبود وعبدالفضيل الماظ وعبدالقادر ود حبوبة ، نبتت هناك ولن تموت ، أصلها ثابت في قلوب الشعب وفروعها ممتدة في سماء الوطن. هناك في أرض الإعتصام ، تكوّن نموذج السودان المدني الديمقراطي المتعافي المنشود ، حين تلاشت كل الفوارق المزيفة من عنصرية وجهوية وقبلية وعقدية ، حين تلاقت كل الثقافات السودانية في تنوعها الموحد ووحدتها المتنوعة ، حين جمعت الصينية السودانية الواحدة بين التركيج والكول والأقاشي والسلات ، بين الكسرة واللقمة والقراصة ، هناك تجسدت صورة التسامح الديني حين إحتمت صلاة محمد من حرارة الشمس بظل عيسى ، عليهما السلام ، فكان الجمال و البهاء الذي إسترعى إنتباه الإعلام العالمي المقروء والمشاهد والمسموع ، وفي إشراقة سودانية فريدة شهد العالم لفتة لا تتكرر، ذلك الماعون النبيل (كان عندك خت ما عندك شيل) ، ذلك الماعون الذي لخص كل فلسفات الإقتصاد الأرضية وحكمة الزكاة السماوية ، إستمرت إشراقات الثورة في مليونياتها المتعددة ومواكبها المتنوعة التي أذهلت العالم بسلميتها الكاملة ، ونقاءها الثوري الذي تمثل في مواكب الكنداكات في التوب الأبيض ، لون الضمائر الوطنية الحية التي لم تتدنس بإدران الكيزان السوداء ولم تصب بجرثومة الفساد الخبيثة ، والذي تمثل مرة أخرى في مواكب الشهداء حين تآخى الثوارمع شهداءهم معلنين بنوتهم لأمهات الشهداء (دم الشهيد دمي وأم الشهيد أمي) ، هذه هي الثورة التي أبدعت تلك اللوحات الحية التي شاهدها العالم بعين الإنبهار والذهول والإعجاب ، تلك اللوحات التي زينت الصفحات الأولى من الصحف الكبرى بكل اللغات ، هذه هي الثورة الكونية التي سوف يطرق صداها أسماع الدهر حيناً ليس بالقليل ، الثورة التي شمّرت ساعدها وشدّت عودها شهراً بعد شهر حتى أكملت شهرها التاسع في أغسطس ، وكان الإنتصار الثالث بتكوين الحكومة المدنية في سبتمبر.
هذه هي الثورة الإستثنائية التي إنجزها الشعب السوداني الصبور ، رغم وابل الرصاص وجلد السيطان وضرب الهراوات وإنتهاك الحرمات والدهس بالتاتشرات ، هذه هي الثورة السياسية الإجتماعية الثقافية التي تسلحت بالوعى الوطني والشجاعة الشبابية التي وضعت نقاط المستقبل على حروف الحاضروالماضي ، هذه هي الثورة المجيدة التي أوصلتنا إلي أبواب الإنتحابات ومداخل الديمقراطية ، فهل دخلناها بسلام لنحيا فيها آمنين؟، هل دفعنا إستحقاقات ثورة الشعب التي مدت لنا حبال النجاة من بئر الكيزان المعطلة ؟، هل ندخل جميعاً في العباءة السودانية الواحدة التي نسجتها خيوط الثورة الأنيقة ؟ الثورة التي لاوت أيادي الأخطبوط المتوحش وأقتلعت حقها المشروع عنوة وإقتدارا فتكونت الحكومة المدنية ؟، وكان أمل الثوار أن تستيقظ الحكومة الجديدة كل صباح وتفتح عينيها على لوحة الثورة وترخي أذنيها لهتافاتها (الشعب يريد سودان جديد) ، ولكن ، وآه من لكن هذه ، جاءت الحكومة لتلبس ثوب السمسار وتبحث عن زرق اليوم باليوم ، كنا نعلم أم بحر السودان هائج ، وأن أمواجه متلاطمة ، وأن تماسيحه شرسة ، ولم يحلم السودانيون أن (يروق) كل ذلك بين ليلة وضحاها ، ولا بين عام وآخر ، ولم يتوقعوا أن يهدأ البحر ، وأن تنخفض الأموات ، وأن يتحول التماسيح إلي مخلوقات أليفة ، هكذا من عند أنفسهم ، ولكنهم توقعوا أن تأخذ الحكومة بيد الثورة المجيدة التي أوصلتهم إلي كراسي الحُكم ، ولأنها ثورة ، ولأنهم ثوار ، فقد إعتقدوا أن تكون الحكومة ثورية ، تأخذ شرعيتها من الشارع الثائر ، من الشارع الذي ما زال يؤكد على توريته ، ومازال يؤكد على تأييده للحكومة ، وما زال يبعث برسائل الشرعية الواضحة ، وما مواكب الأمس (21 أكتوبر) إلاّ
(Wake Up Call ) ، فهل تستيقظ الحكومة وتفهم هذه الرسالة وتصحح المسار وتحسم القضايا وتنجز المهام ، وتعبر بهذه المرحلة إلي ما يصبو إليه الثوار ، وهل تتعلم أحزابنا السياسية ودينصوراتها شيئاً من حصص الثورة اليومية ؟ هل إستوعبت درساً جديداً من دروس الثورة المستمرة ، هل تتطور وتستلهم رؤى مختلفة جديدة مستمدة من روح الثورة وخاضعة للوعي المفاهيمي الذي تخطى ما هو سائد داخل الأحزاب ؟، هل تتحرر هذه الأحزاب من قيودها القديمة وتلحق بقطار الحركة الجماهيرية الذي سافر بعيداً لمحطات اخرى متفدمة؟ هل يتحقق السودان الجديد في حياة من قطعوا الميل الأول في طريقه الطويل؟ ، أم يرحلوا من هذه الدنيا الفانية وفي نفوسهم شئ من (ثورة)؟ .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.