الإنشقاق بين الإسلاميين في العام الخاتم للقرن العشرين عرف باسم صراع القصر والمنشية، تجمع أنصار السلطة والجاه الذين عملوا من أجل الدنيا حول الدكتاتور في القصر الجمهوري، وأصدروا قرارات الرابع من رمضان التي أبعدت الراحل الدكتور حسن عبد الله الترابي رئيس البرلمان وحوارييه، ومكنت لأنصار الرئيس حينها عمر حسن احمد البشير من مقاليد الحكم الفردي، إنقسم حزب المؤتمر الوطني الحاكم حينذاك إلى حزبين – المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، وأصدر أنصار الترابي الكتاب الأسود المأخوذة قوائمه الإحصائية من داخل أضابير وكواليس مؤسسات الدولة السودانية، وأشارت اصابع الإتهام إلى رموز الإسلاميين من ابناء الغرب الكبير – علي الحاج، بشير آدم رحمة، خليل إبراهيم – بكتابتهم لذلك السفر المكتحلة صفحاته بالسواد، وظلت هذه التهمة تلاحق العناصر المؤسسة لحركة العدل والمساواة السودانية حتى اليوم، بعد مولدها ودخولها حلبة الصراع العسكري في دارفور، وظل رموز الحركة من منسوبي المؤتمر الوطني الأب ينفون هذه التهمة باستمرار، رغم الملمح السياسي الواضح لمنفستو الحركة الذي كتب على خلفية الظلم الجهوي والمناطقي التاريخي الواقع على مجتمعات الهامش السوداني العريض، رغم الإنتماء المعلوم لرموز الحركة الممسكين بمفاصل القرار الإقتصادي والسياسي لجماعة الإسلام السياسي في السودان. ألغافل هو من يظن أن التنظيم الإسلامي الذي حكم السودان ثلاثون عاماً حسوما، سوف يرحل بمجرد زوال رؤوسه الوطنيين (نسبة لحزب المؤتمر الوطني)، فهنالك الشعبيين (نسبة لحزب المؤتمر الشعبي) الذين يعملون جهد ايمانهم كي يعودوا لمركز السلطة التي يعتبرونها ملك خاص وكسب حزبي عملوا عليه منذ منتصف الستينيات، وفي خضم ذلك لديهم مقولة سارت بها ركبانهم هي (بعد ما لبنت ما تدوها الطير)، وألجاهل من يعتقد في ضرورة ابرام مصالحة وطنية تجمع بينه وبين جماعة الإسلام السياسي، والساذج هو ذلك القائل بوجود عقلاء للنظام البائد الذي لا يؤمن كادره السياسي بكينونة الوطن كأرض وسكان، كما تقول أدبياتهم وتوجهاتهم الحضارية المدعاة (دينه لنا وطن)، لقد خبرنا هذا الكادر الإسلامي مذ كنا طلاباً بالجامعات وعرفنا مدى تمسكه بتنظيرات الهوس الديني التي هدمت الوطن وأقامت دولة الفساد والاستبداد، فمثل هذا الكادر الإسلاموي كمثل ذلك الحيوان الأليف الذي لا يتخلى عن كيفية جلوسه رغم غرابتها وامتعاض الناس منها، والمتابع للعداء الذي استحكم فيما بين الاسلامويين – شعبي ووطني - بسبب مغانم الدنيا يرى اجتماع التضاد فيما أسموه مؤتمر الحوار الوطني، ذلك الإلتفاف على الفشل الذي حاق بمشروعهم والذي أعاد الشعبيين للسلطة بعد سيول من الدماء وامطار من الدموع في آخر أيام عهد دويلتهم البائدة. ألدكتور جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساوة السودانية يعي ما يقول ويدرك عاقبة ما يفعل، لذلك زار بيت استاذه الراحل بالمنشية في وضح النهار وكذلك خطب في الناس بمنزل المرحوم نورين استغلالاً للعاطفة الدينية في تحقيق الأغراض السياسة، وبهذا يكون جبريل قد وضع حداً فاصلاً للشكوك التي راودت البعض حول مدى صحة أيلولة الحركة لحضن التنظيم الأم، وفي عالم السياسة لا ينفصل الشأن الاجتماعي عن الفعل السياسي، ودائماً ما يستغل الساسة الفعاليات الاجتماعية في إيصال الرسائل السياسية، فما زالت جماهير الشعب السوداني تقدس الشعار المرفوع (أي كوز ندوسو دوس)، ومازال الغبن والحنق يجول بخاطر ووجدان كل من مات ابنه في زنازين حكومة العرّاب الراحل راعي إنقلاب يونيو المشؤوم، ولو نسى فخامة زعيم العدالة والمساواة أولوية زيارة معسكر أبي شوك السابقة لتقديم العزاء في فقد ابيه الروحي، يكون كسابقيه من الداخلين للخرطوم عبر الإتفاقيات المكتسبة لشرعيتها من معاناة النازحين واللاجئين، لقد كانت الصدمة والدهشة أكبر لدى الشارع الثائر ضد حكم الكيزان والرافض لعودة الاسلامويين من البوابات الخلفية، هذه الردة السياسية والانتكاسة الثورية واحدة من العوامل الخادمة لتقليص جماهيرية هذه الحركة الشهيرة التي ساهمت في إسقاط ذات النظام الإسلاموي الذي كانت هي جزء منه. ألهبوط الناعم كان مشروعاً إنهزامياً قاده زعماء إتفاق سلام جوبا، ومعهم بعض من مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير الفاعلة اليوم، وكان يهدف إلى شراكة انبطاحية مع الدكتاتور بشروط الدكتاور التي لا تتماشى مع البرنامج الوطني للثورتين المسلحة والمدنية ، وإذا لم تتخلص عقول زعماء السلام من موجهات مشروع النعومة والأنبطاح الذي هزمته ثورة الشباب سوف تكون هذه الموجهات خصماً من أرصدتهم، فالثورة الديسمبرية المجيدة منذ اندلاعها قد رصفت طريقاً جديداً لا يأبه برواسب النظام البائد، ويمهد لفاعلين جدد بمفاهيم تتسق مع مباديء الثورة، وهذه المباديء الثورية لا تجامل القادمين من عاصمة الأماتونج عندما يسعون لإعادة تدوير الحرس القديم، فليحذر أبطال جوبا من مغبة التماهي مع رجالات مخابرات الدويلة العميقة الذين يعملون على إفراغ المرحلة الإنتقالية من مهمتها الرئيسية، ألا وهي التحول الديمقراطي الكامل الدسم وإزالة التمكين الإسلاموي والجهوي الذي طال المؤسسات، وليقف صناع السلام ضد الأصوات المطالبة بعودة من كانوا سبباً في مأساة الوطن والمواطن، وليعلم صقور وحمائم السلام أن السودان بعد ديسمبر ما عاد هو ذلك الوطن الذي يتسع لوجود مؤسسات ومفاهيم التنظيم المهووس بالدين والذي فتك بالأوطان وحطّم الإنسان. إسماعيل عبد الله عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. 22- نوفمبر - 2020