عام على الحرب فى السودان.. لا غالب ولا مغلوب    يمضي بخطوات واثقة في البناء..كواسي أبياه يعمل بإجتهاد لبناء منتخبين على مستوى عال    الخطوة التالية    السيارات الكهربائية.. والتنافس القادم!    واشنطن توافق على سحب قواتها من النيجر    اللواء 43مشاة باروما يكرم المتفوقين بشهادة الاساس بالمحلية    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    سوق الابيض يصدر اكثر من عشرين الف طنا من المحاصيل    الأكاديمية خطوة في الطريق الصحيح    شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجمع الفقه الاسلامي السوداني والتكريس لمفهوم الدولة الدينية .. بقلم: سمير محمد علي حمد
نشر في سودانيل يوم 07 - 01 - 2021

تناول كاتب المقال موضوعاً متعلقاً بمجمع الفقه الاسلامي السوداني في مقال سابق [1] مشيراً الى اختصاصاته واهدافه الضبابية والمنصوص عليها في قانونه (كما يمكن الرجوع لاختصاصاته التفصيلية في [2])، والتي تمس كل شئون الدولة والمجتمع ما هو ديني منها وما هو دنيوي، والتي تجعل منه وصياً على كل مؤسسات الدولة وفق رؤية اسلاموية بحتة. ومؤخرا تعددت فتاوى التحريم الصادرة عن هذا المجمع في شئون الدولة المختلفة في امور لا يمكن الاتفاق على حرمتها، جاعلاً من نفسه رقيباً دينياً على سياسات الدولة. بينما ابّان العهد الاسلاموي البائد تعددت فتاوى "التحليل" الصادرة عنه في امور مجمع على حرمتها، مطوِّعاً الدين لتبرير فساد السلطة. ففي ظل وجود مثل هذه المؤسسات التي تطلق العنان لنفسها في الفتوى الدينية وفق رؤى قاصرة وانتقائية وبكامل الحرية ودون كوابح، يصبح حلم تحقيق الدولة المدينة المنشودة في السودان على المحك وربما بعيد المنال. لذا يعود الكاتب مرة اخرى لنفس الموضوع لمزيد من الايضاحات التي يراها حول جدوى هذا المجمع وتأثيره السلبي على التوجه السياسي نحو بناء الدولة المدنية في السودان.
مجمع الفقه الاسلامي السوداني احد مخلفات الحركة الاسلاموية السودانية فقد تم انشاءه في العام 1998م وتم صياغة قانون خاص به يعرف بقانون مجمع الفقه الاسلامي صدر في 24 نوفمبر من العام 1998م، ولم يكن المجتمع السوداني في أي حاجة لا للمجمع ولا لقانونه، لان ما يهم المجتمع السوداني من امر المجمع كانت تقدمه المؤسسات التي سبقته، اما ما يهم من قام بإنشائه فلا حاجة للسودان به. وفي واقع الامر فالمجمع لم يكن الا اداة من ادوات الاسلامويين للوصاية على المجتمع والترسيخ لمفهوم الدولة الدينية وفق الايدلوجيا الاسلاموية. فمنذ استقلال السودان وحتى العام 1982م كانت الفتوى الدينية امر قضائي مستقل عن السلطة التنفيذية والتشريعية وتابع للسلطة القضائية تحت ادارة الهيئة القضائية يقوم بها مفتي الجمهورية. وبعد تحالف الديكتاتور الاسبق جعفر نميري مع الاسلامويين وتحوله المثير من اليسار الى اقصي اليمين بدأ الاسلامويون التمكن في مفاصل الدولة السودانية والعبث بالقوانين لتحويل سَمْتها المدني الى دولة دينية، ومن ضمن ذلك إنشاء مجلس الإفتاء الشرعي بقرار جمهوري في 1982م ليقوم بمهام الفتوى كهيئة مستقلة عن السلطة القضائية، وتبع ذلك ما يعرف ب"قوانين سبتمبر 1983م" التي كانت كارثية على مستقبل السودان، ثم محاكمة الفكر الجمهوري و... الخ. ولاحقا بعد ان سيطر الاسلامويون على السلطة تماماً في 1989م وكبديل لمجلس الإفتاء، قاموا بأنشاء مجمع الفقه الاسلامي في 1998م بقانون واختصاصات واسعة لا تفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي، بل واصبح هذا المجمع اداء في يد السلطة التنفيذية للنظام البائد لتوفير التبرير الديني لممارساته الفاسدة ولم نسمع له بأي مساهمات في صالح المواطن لا في مجال التعليم او الصحة او الامن، فقد كرس كل جهده لخدمة توجهات النظام الاسلاموي البائد وتثبيت اركانه ولو ادي ذلك الي قتل ثلث الشعب او انفصال ثلث الوطن.
فاختصاصات مجمع الفقه الاسلامي والتي اوردها كاتب المقال في مقال سابق [1] والمنصوص عليها في قانونه لسنة 1998م يجعل منه مؤسسة الغرض منها ترسيخ مفهوم الدولة الدينية بامتياز. فالقانون يعطي لهذا المجمع واعضاءه سلطات دينية غير محددة ووصاية على المجتمع والتدخل في كل شئون الدولة سياسية كانت او اقتصادية او غيرها، بان جعله مختص حسب الفقرة (1/ى) من اختصاصات المجمع الواردة في قانونه، بالقيام بكل ما يلزم لتحقيق اهدافه المتمثلة في: " رد الأمة إلى شريعتها وشحذ هممها لعمارة الأرض، وفق قيم الدين وأحكامه "، و " سد الفجوة الفقهية التي نشأت عن تعطيل أحكام الدين في معظم شعب الحياة العامة بسبب غياب الدولة الإسلامية "، و" تنزيل نصوص الدين على واقع الحياة المعاصرة وتفعيل مقاصد الشريعة وأصولها بغرض استنباط الأحكام التي تناسب واقع أهل السودان على وجه الخصوص ."ولا ندري ما هي المعايير التي وضعت عليها هذه الاهداف ولا كيف يمكن قياس تحققها ومن الذي يحدد ذلك؟ ومن الذي يحدد ان احكام الدين معطلة في بعض شعب الحياة؟ وما هي مقاصد الشريعة ومن يحددها؟ فقانون مجمع الفقه يجعل اختصاصاته غير محصورة ولا يحدها الا تحقيق اهدافه ذات الصبغة الدينية وفق المفهوم الاسلاموي والتي تتضمن اهداف ضبابية لا يمكن حصرها ولا قياسها مما يفتح الباب واسعاً لهذا المجمع في ان ينصب من نفسه وصياً في كل شأن الى ان يحقق اهدافه والتي يمكن ان تشمل كل شأن بما فيها سلطة القضاء الشرعي!
فمجمع الفقه الإسلامي ما هو الا احدي ادوات النظام الاسلاموي البائد للترسيخ الكامل لمفهوم الدولة الدينية في السودان وخلط الدين بالسياسة وشئون الدولة الاخرى من تعليم وصحة وثقافة واقتصاد وفق الايدلوجيا الاسلاموية، ولعل الفتاوى والآراء الصادرة عن هذا المجمع ومنسوبيه في قضايا مختلفة منها السياسي والاقتصادي والتعليمي توضح بجلاء الهدف من انشاءه، وفيما يلي جانب منها:
1. في اجتماع رؤساء ومقرري دوائر المجمع الذي انعقد في يوم الثلاثاء 8/5/2001م بمقر المجمع بالخرطوم، صدرت الفتوى الخاصة بحكم العمليات الفدائية والاستشهادية ونصها ما يلي: (الأصل أن كل ما يفعله المجاهد بقصد إغاظة العدو والنيل منه من الإحسان المستحب وأن كل ما يرهب أعداء الله ورسوله والمسلمين مطلوب. فمن كان قاصدا لاثخان في العدو والنيل منه، واغاظته، وإرهابه، مبتغيا وجه الله تعالى ومرضاته، فهجم على عدو كثير أو القى بنفسه فيهم ولو غلب على ظنه أو تيقن أنه مقتول أو ميت، فهذا جهاد وعمل استشهادي مشروع قام عليه الدليل الشرعي وفهمه الصحابة والسلف رضي الله عنهم وعملوا به. وفيه تتحقق مصالح عظيمة له وللأمة منها: 1- أنه طلب للشهادة. 2- أنه يجرئ المسلمين على العدو ويحرضهم. 3- أنه فيه النكاية بالعدو. 4- أنه يضعف نفوس الأعداء فيروا أن هذا صنيع واحد منهم، فكيف جميعهم! والله ولي المتقين وناصر المجاهدين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين) [2].
في راي كاتب المقال ان هذه فتوى سياسية بامتياز ولا علاقة لها بأخلاق الاسلام وسماحته، فتوى تدعو الي العنف القاتل ضد كل من يتم وصفه كعدو وفق المعيار الاسلاموي. وهي من شاكلة الفتاوى التي جعلت السودان يتبوأ موقعه في قائمة الارهاب الامريكية لأكثر من 27 عاماً وجعلت منه بلدا منبوذا ومعزولاَ عن العالم ومنهاراً في اقتصاده. وهذه العقلية التي تصدر مثل هذه الفتاوى هي ما اججت الحروب والصراعات الدموية في السودان ورسخت لثقافة العنف والاغتيال السياسي والتي لم يعرفها السودان طيلة تاريخه السياسي الحديث الا بعد سيطرة الاسلامويين على السلطة فيه.
2. وافق رئيس مجمع الفقه الاسلامي في ديسمبر 2002م الفتوى القاضية بإباحة الربا في القرض المقدم من سلطنة عمان لجمهورية السودان والبالغ قدره 106 ملايين دولار للمساهمة في تمويل سد مروي ذلك بموجب "فقه الضرورة"، رغم ان الدولة في تلك الفترة كانت لها مداخيل بمليارات الدولارات من البترول، فاين الضرورة هنا؟ كذلك في يوليو 2012م وبعد ان تكاثرت القروض علي الحكومة السودانية وبلغت ما يربو على 49 قرضاً لجأت الحكومة السودانية الي مجمع الفقه الاسلامي الذي اباح لها القروض الربوية في اجتماع لمجلس الوزراء بوجود رئيس مجمع الفقه الاسلامي الذي برر ذلك بقوله " أن الفتوى أكدت أن الاقتراض بالربا من الكبائر والموبقات غير أن الدولة إذا وقعت في ضرورة أو حاجة عامة فإنه يجوز لها الاقتراض بالفائدة شريطة استنفاد كل الوسائل في الحصول على مصادر تمويل مقبولة شرعاً"، هذا رغم ان بعض هذه المشاريع الممولة بهذه القروض لم تر النور حتي الان، مثل مشروع مطار الخرطوم الجديد، مما ينفي شرط الضرورة المشار اليه في الفتوى، فاين ذهبت الاموال؟ [1]. فهذه ليست فتاوى بل هو تطويع للدين وتجييره لتبرير فساد السلطة الاسلاموية ومن ثم خداع الراي العام - الذي ظل يتساءل دوما كيف لدولة تتبني نظاما اسلاميا ان تقبل بمثل هذا التعامل الربوي - بفرية انها تمارس هذه المعاملات وفقاً للشريعة الاسلامية بناءً علي هذه الفتاوى المضللة.
3. قضية فتوي "قتل ثلث الثوار" الشهيرة والتي افتي بها احد اعضاء هذا المجمع قبيل سقوط النظام البائد، توضح الى أي مدى تشابكت المصالح بين بعض منسوبي المجمع والسلطة واستخدام قداسة الدين كذباً وافتراءً لتبرير القتل والاستبداد خدمة للسياسة والسياسيين، فليس هنالك ابشع من ذلك. ولعل ما حدث في فض اعتصام القيادة في 30 يونيو 2019م كان ترجمة حرفية لهذه الفتوى الدموية.
4. في 14/6/2020م رأى مجمع الفقه، ان منهج التربية الإسلامية للصف الأول الابتدائي، الذي عرض على هيئة المجمع - حسب زعمه - لا يصلح [3]. وهو تدخل سافر في شأن من البديهي انه لا يخصه، ولعله اختصاصاته والتي لا يحدها الا تحقيق هدفها في " تنزيل نصوص الدين على واقع الحياة المعاصرة وتفعيل مقاصد الشريعة وأصولها بغرض استنباط الأحكام التي تناسب واقع أهل السودان على وجه الخصوص " تجعله يتدخل في هذا الشأن بل واي شأن اخر.
5. في 30 سبتمبر 2020 افتى أعضاء مجمع الفقه الإسلامي بالسودان بالإجماع بتحريم التطبيع مع إسرائيل في كافة المجالات. وقال بيان للمجمع في ختام اجتماع لأعضائه في الخرطوم إن فتوى التحريم للتطبيع هذه جاءت "باعتباره مساندة للظلم ومعاونة على الإثم والعدوان". [4].
وهي فتوي - في راي كاتب المقال – نابعة عن الثوابت السياسية لايدلوجيا الحركة الاسلاموية في السودان وهي استخدام مفضوح للفتوي الدينية لأغراض سياسية لا علاقة لها بالدين، فاكثر من ظلم واعتدى بل وقتل في سبيل السيطرة علي السلطة والثروة والاحتفاظ بهما هم اسلاميو السودان الذين صنعوا هذه المؤسسة المسماة مجمع الفقه الاسلامي. وما يزيد الامر خطورة هو استخدام سلاح التحريم في امر سياسي ظل الاسلامويون يحمّلونه الصبغة الدينية حتى كاد ان يصبح من ثوابت الدين، في حين ان الامر ليس اكثر من شأن سياسي بحت، فهو صراع علي الارض بين شعبين فما شأن السودان في ذلك. فالصراع على الارض بين الشعوب وُجد على هذه البسيطة منذ ان وُجد الانسان عليها، وقد كانت معظم بلدان العالم الحديث تحت الاحتلال من قبل بلدان وشعوب اخرى ولا زال بعضها تحت الاحتلال حتى الان، بل لا زالت اجزاء واسعة (20580 كلم مربع وهي تعادل تقريبا مساحة اسرائيل التي تبلغ 22145 كلم مربع) من بلدنا السودان تحت الاحتلال من دولة علاقة السودان معها في قمة مستويات التطبيع، فلماذا يصبح تطبيع السودان مع محتل يحتل اراضي غير سودانية محرماً بينما تطبيعه مع محتل يحتل اراضي سودانية حلالاً؟!
6. في 29 ديسمبر 2020م افتى مجمع الفقه الإسلامي بحرمة تدريس كتاب التاريخ للصف السادس الابتدائي [5]. وهنا ايضا يتم استخدام سلاح التحريم في موضع غير موضعه وكأن التحريم لعبة للتسلية، فهذا التكرار المخل لاستخدام لفظ التحريم في كل مسألة يري منتسبو هذا المجمع انها تتعارض مع ايدولوجيتهم الاسلاموية، جعلها فاقدة للقيمة، كما جعل المجمع نفسه فاقد للمصداقية. ففتاوى التحريم المتكررة هذه لا يمكن ان تعكس واقعية الفتوى بقدر ما تعكس نهج العقلية الاسلاموية البائسة في التقييم والتي اوردتنا مورد الهلاك طيلة 30 سنة. فللتعليم مؤسساته المختصة قانوناً ولها الحق الحصري في كل ما يتعلق بالمناهج وتطويرها ومتابعة تنفيذها ومراجعتها بواسطة علماء مختصون في مجالات المناهج والتربية ولا يحتاج لفتاوى من مؤسسة لم تفلح منذ انشاءها الا في ترسيخ الفكر الاسلاموي الفاسد في السودان وتقديم التبرير الديني للمعاملات المالية الفاسدة للسلطة الاسلاموية البائدة من خلال اصدار الفتاوى التي تجيز مثل هذه المعاملات (للمزيد يمكن الرجوع للمقال [1]). كما لم نسمع من هذا المجمع او منسوبيه أي نقد تجاه المناهج الدراسية خلال العهد الاسلاموي البائد رغم ما احتوته - حسب ما اشار اليه وفصله الاستاذ جعفر خضر في مقاليه بسودانايل يومي 4 و 6 يناير2021م - من "عبث النظام الاسلاموى من بالمناهج المدرسية وتوظيفها لخدمة أيدولوجيته السلطوية، مما أضر بالمنهج الدراسي، بل أضر بالدين الإسلامي ضررا بليغاً" [6] و[7].
كما ان سكوت مجمع الفقه عن قضايا الفساد والمتعلقة بما عُرف بفقه "السترة" أو "التحلل" الذي استنبطت عنه مادة "التحلل" الواردة في قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه، خلال العهد الاسلاموي البائد هو مساهمة منه في تقنين الفساد في السودان والذي لم يسلم بعض منسوبيه منه. حيث وجهت تهمة غسيل الاموال لرئيس مجمع الفقه الاسلامي السابق والذي قام بتحويل مبلغ بالعملة الاجنبية لا يتناسب مع وضعه كموظف حكومي حيث قام بتحويل مبلغ 680 ألف يورو من داخل السودان الى بنك خارجي في وقت كانت السلطات السودانية تمنع خروج العملات الاجنبية بهذا القدر الى خارج السودان. كما اعترف احد منسوبي المجمع انه كان يتلقى ملايين الدولارات من الرئيس المخلوع ليدير امبراطوريته الاعلامية. فهذه التجاوزات غير القانونية وغير الاخلاقية ممن تبوأوا قمة هذه المؤسسة يجعل منها مؤسسة فاقدة للمصداقية وغير جديرة بإصدار الفتوى، ففاقد الشيء لا يعطيه.
8. ولعل من اغرب ما صدر من منتسبي هذا المجمع ويعكس ضمور العقلية التي تصدر لنا مثل هذه الفتاوى والآراء، الحدث الذي اورده الامين العام السابق لهذا المجمع، في حديث له، فقد قال خلال فعالية بالخرطوم: "ذهبت ذات مرة لإلقاء محاضرة في دار اتحاد الفنانين، وقلت في نفسي هل ادخل الدار برجلي اليمنى أم اليسرى، وبعد أن خيّرت نفسي اخترت الدخول برجلي اليسرى". وقابل الفنانون موقف الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بامتعاض لافت، ما دفعهم لتنفيذ وقفة احتجاجية بدار اتحاد الفنانين بأمدرمان للاحتجاج على ما بدر من الرجل الثاني في المجمع [2]، فاضطر رئيس المجمع زيارة الدار والاعتذار للفنانين عما بدر من عضو المجمع.
كل ذلك يوضح بجلاء ان القدسية الدينية للمجمع اُستغلت كمنصة لتحقيق مصالح دنيوية وسياسية تخدم ايدولوجية التنظيم الاسلاموي ولتبرير الممارسات الفاسدة للسلطة الاسلاموية البائدة ولخدمة مصالح دنيوية لبعض منسوبيه، وعليه لا يمكن تبرئة كل ما يصدره من اراء وفتاوى عن الغرض السياسي او الأيديولوجي والذي يخدم تيار سياسي محدد ضد تيارات اخرى. وهذا الامر يتنافى مع مفهوم الدولة المدنية والتي تساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات ويخضع الجميع فيها للقانون ولا تسمح بوجود وصاية علي الشعب ومؤسساته من أي جهة دينية او سياسية كتلك التي ظل يمارسها مجمع الفقه الإسلامي من خلال تدخله السافر في كلما يري انه يحقق اهدافه في " رد الأمة إلى شريعتها وشحذ هممها لعمارة الأرض، وفق قيم الدين وأحكامه".
ختاماً اكرر ما خلصت اليه في مقال سابق [1] انه لا يتسق تبعية مؤسسة ذات طبيعة ترتبط بالفتوى والقضاء الشرعي، للسلطة التنفيذية في نظام ديمقراطي يتطلع لاستقلال السلطات وترسيخ مبادئ الشفافية. فتبعية مثل هذه المؤسسة للسلطة التنفيذية في النظام البائد جعلها احدى ادواتها في تجيير الدين لخدمتها واستغلاله لتبرير ممارساتها الفاسدة والاستبدادية مما ادي لاستشراء الفساد في كل مفاصل الدولة وارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الانسان. وهذا ما يمكن ان يتكرر مستقبلاً حتى في ظل نظام ديمقراطي متى ما توفرت ظروف ملائمة لذلك.
فمبادئ الدولة المدنية الديمقراطية التي نتطلع اليها تحتم الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وعدم استغلال الدين في السلطة لتحقيق مكاسب سياسية او مادية، ووجود مؤسسة دينية حكومية مقننة بمواصفات واختصاصات مجمع الفقه الاسلامي السوداني سيهدم كل جهود بناء الدولة المدنية في السودان. فان كنا ننشد دولة مدنية غير دينية حقاً فعلينا اولاً تفكيك المؤسسات التي تكرس للدولة الدينية مثل مجمع الفقه الاسلامي والغاء او تعديل قانونه واعادة كل ما يتعلق بأمر الفتوى الى السلطة القضائية، وهو الوضع الطبيعي الذي يعصم الفتوى الدينية عن الانفلات الذي نشهده الآن، ويمنع استغلالها من قبل السلطة التنفيذية كما كان يحدث ابان العهد الاسلاموي البائد، وفي نفس الوقت ايقاف الوصاية الدينية التي يمارسها هذا المجمع على مؤسسات الدولة.
7 يناير 2021م
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
المراجع
[1] المناهج الدراسية ما بين المركز القومي للمناهج والبحث التربوي ومجمع الفقه الاسلامي السوداني .. بقلم: سمير محمد علي، سودنايل 19/06/2020م.
[2] http://ijtihadnet.net/التعريف-بمجمع-الفقه-الاسلامي-السودان/
[3] #مجمع_الفقه_الإسلامي_يدعو_لاستمرار_المناهج_لحين
[4] https://www.facebook.com/aoif.gov.sd/photos/pcb.1751930134962134/1751930094962138/
[5] https://www.facebook.com/aoif.gov.sd/photos/pcb.1832011850287295/1832011600287320/
[6] الهجوم على القراي والسكوت عن جرائم الحركة الإسلامية .. بقلم: جعفر خضر
[7] تعليم الإنقاذ : احتفاء بالقرآن أم تهميش للسنة ؟ .. بقلم: جعفر خضر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.