برز في الاونة الاخيرة في الساحة في جنوب السودان مجلس قبلي اطلق علي نفسه اسم " مجلس كبار اعيان جيينق " اي مجلس كبار اعيان قبيلة الدينكا. وبات هذا المجلس يلعب دورآ سياسيا خطيرا من حيث عدم الاكتراث بالتعددية القبلية للمكونات الاجتماعية في البلاد مثل القبائل الاخرى التي تشكل دولة جنوب السودان في الوقت الحالي، وعددها 64 قبيلة ، وكل منها مجموعة عرقية لغوية تنظر الي نفسها ككيان اجتماعي له ثقافة ومقامته في البلاد جنوب السودان. يتكون دينكا اعالي النيل الكبرى من القبائل الاتية: بور , تويج , نيارونق , هول , روت , توي , لواج , نقوك , رووينق , دونقجول , اقير , نيل وابيليانق. ودينكا بحر الغزال الكبرى يتكون من: عالياب , جيج ,اتوت , اقار ,نقوك ,ريك ,تونيج , وملوال جير نجانق , والاخيرون هم من اكثر مناطق الدينكا امنا وبعيدون كل البعد عن الصراعات القبلية والعشائرية ولهم نموذج جيد في التعايش في السلام والامان مع جيرانهم. لقد ادعى هؤلاء بانهم حماة اقوياء وجنود بواسل جاهزون للذود عن مكتسبات قبيلة الدينكا حسب تصورهم المتمثلة في دولة جنوب السودان والسلطة السياسية التي يتربع احد ابناءهم عرشها في جوبا حيث الرئيس الرئيس سلفاكير ميارديت من ابناء الدينكا (ورارب). لكن مواطني جنوب السودان بما في ذلك من قبيلة الدينكا باستثناء المتعلمين والمثقفين والموظفيين في اجهزة الدولة لا يعلمون شئيا عن هذا الكيان ناهيك عن المعرفة بالدور الذي فوض اعيان الكيان انفسهم انفسهم باضطلاع بهم . وبسبب افعال هذا المجلس لاعيان الدينكا , مع اسباب اخرى ,نرى امامنا الدولة في جنوب السودان تنحدر نحو الهلاك والزولان من على الخارطة السياسية والجغرافية في افريقيا وفي العالم اجمع.وهو مصير يبدو ماثلا, سيقع عاجلا ام اجلا اذا لم نتدارك هذا الامر. لقد كتبت من قبل مقالين نشرا في صحيفة ( الموقف ) الغراء العام 2015, وفي وسائل اعلامية اخرى وانتقدت فيهما هذا المجلس الذي يتقمص دور البرلمان القومي في جوبا. وقد اصبح كل عضو في مجلس اعيان الدينكا يتصرف كانه كان جاء منتخب ممثلا للمواطنين في الدائرة التي اتى منها الى هذا المجلس . بالطبع لا اتحدث عن جميع الدوائر في جنوب السودان, وانما عن دوائر الدينكا فقط . وبعد نشري المقالين المذكورين اعلاه وجدت ان مثقفين الدينكا منقسمون ازاء ما كتبته عن مجلس اعيان الدينكا. فهناك من رفض اقوالي , وهو يؤيد هذا المجلس ويقول انه يحمل اسم كل الدينكا في مشارق الارض ومغاربها . وذلك بالرغم من ان الدينكا لم يجلسوا يوما في اجتماع عام لانتخاب اعضاء هذا المجلس كبار اعيان الدينكا. لكن اخرين من الدينكا وغيرهم من ابناء وطني يشاطرونني في الراي واتفقوا معي حول ما كتبته انتقد هذا المجلس واستغراقه في بحور القبلية والجهوية . فرايت بعد استماعي الى الاراء ووجهات النظر التي جاء بها مؤيدو هذا المجلس ان اجري الحوار معهم مرة اخرى حول الافكار التي طرحوها كاسباب جعلتهم يقفون الى جنب هذا الجلس لكبار اعيان الدينكا فيما يلي ملخص الاراء والافكار التي جاء بها مناصرو هذا المجلس. ساترك جانبا الطريقة التي عبروا بها عن راءئهم والافكارهم , وهي اتسمت بعبارات تنم عن كبرياء وعدم حياء. ومع ذلك , هذه هي اراءهم وافكارهم كالاسباب لدعمهم مجلس كبار اعيان الدينكا: اولا : "شعار الدينكا في خطر". قال مشايعو مجلس الاعيان ان الدينكا في خطر , وهي القبيلة التي يراس ابنها سلفاكير ميارديت الدولة في خطر. وقالوا قبيلة الدينكا مستهدفة بواسطة القبائل الاخرى , وان تلك القبائل الاخرى تكره الدينكا. يجب ان نتوقف عند هذا الشعار " الدينكا في خطر" . لانه يذكرنا بالشعار الكبير الذي كان يرفعه حزب المؤتمر الوطني في السودان ايام النضال في مناطق الهامش السوداني ( 1983 – 2011 ) عندئذ كان اعضاء المؤتمر الوطني يقولون اثناء تجوالهم وصولانهم الخارجي بين الدول العربية وفي تجوالهم المحلي بين المكونات الاجتماعية في السودان التي تدعي العروبة كانوا يقولون ( العروبة في خطر ) وتلقوا دعما ماديا ومعنويا من الاقطار العربية حيث لم يدرك قادتها حقيقة النزاع بين المركز والهامش في السودان ذلك قبل انفصال اقليم جنوب السودان . فكان السؤال ذو الجواب المعروف هل حقق شعار " العروبة في خطر " للسودان الوحدة التي كانت تتعلل بها الجبهة الاسلامية القومية في السودان ؟ الجواب معروف حين نرى وضع السودان اليوم من ذلك الشعار الذي رفعته الجماعة الاسلامية العربية. حيث لم يتحقق الشعار الذي كان بدا رنان يدوزن في اذان العروبين المتعصبين في السودان .ضاعت الوحدة التي كانوا يقولون انهم يريدونها . فذات المصير هو مصير شعار " الدينكا في خطر" الذي يرفعه انصار مجلس كبار اعيان الدينكا . فالخطورة التي يقولون انها ستحيق بالدينكا متوهمة ومصطنعة. لقد ظهرت بوضوح لدى المجموعات القبلية الاخرى اشكال من التململ وعدم القبول بالخطوات التي يتبعها مجلس كبار اعيان الدينكا. وهذه المجتمعات الاخرى غير راضية لانها موجودة ايضا في ذات المساحة الجغرافية المعروفة بدولة جنوب السودان. بالرغم من ان الاغلبية من افرادها موزعون في مناطق الاستوائية واعالي النيل وحتى بحرالغزال ذاتها كاقليم اغلبية ساكنية من الدينكا.ولنتذكر ان جنوب السودان فيه اكثر من ستين قبيلة مختلفة او هكذا تنظر الى نفسها او هكذا ينظر اليها الاخرون. وفي تقديري ليس ثمة خطورة على بالدينكا. ولا توجد مؤامرات تحاك الدينكا سوى تلك التي تؤدي اليها بعض ممارسات مجاس كبار اعيان الدينكا وتستهدف بصورة مباشرة او غير مباشرة التكوينات القبلية الاخرى خلاف اثنية الدينكا . فيكمن خطر عظيم في ممارسات هذا مجلس كبار اعيان الدينكا الذي يضيف بممارساته مشكلة ذات خطر. ولا اتوقع ان يهدا بال لقبيلة الدينكا , ولن تنعم القبيلة بهدؤ او استقرار ما لم يتوقف هذا المجلس عن ممارساته , وما لم يتخلى هو مؤيدوه من التصورات الوهمية عن مخاطر تهدد قبيلة الدينكا. لقد حفز هذا المجلس بافعاله القبائل الاخرى لتفكر بذات الطريقة التنافسية على اساس القبيلة في جنوب السودان .فقد قدم المجلس للقبائل الاخرى مادة دسمة لتنشيط افكارهم القبلية المدمرة ايضا داخل مجتمعاتهم وفي الدولة باكملها . يثور السؤال : كيف يمكن ان تكون قبيلة الدينكا في خطر بينما نجد ان الذي يحكم ليست القبيلة ذاتها , وانما احد ابناءها , وهو لم يحصل على ذلك المنصب المرموق عبر مجلس قبيل وانما حاز عليه بانتخاب من الاغلبية الساحقة من ابناء هذا الوطن من جميع القبائل الاربعة والستين ؟ اليس مصدر الخطر على القبائل الاخرى وعلى جنوب السودان هو مجلس كبار اعيان الدينكا ؟ ذلك بتصرفات المجلس وبافعاله القائمة على ادعاء اعضائه انهم , دون قيادات جميع القبائل الاخرى وبتغييبها الاجدر والاقدر لتحديد مصير هذا الوطن ؟ ومتى كان لمجلس قبلي اقصائي تاهيل او امل لقيادة دولة ذات تعددية قبلية ؟ خاصة في مثل الظروف الحالكة التي يمر بها وطننا جنوب السودان في الوقت الراهن ؟. ثانيا : يدفع مثقفو مؤيدو مجلس اعيان الدينكا الذين حاورتهم بان الدينكا كمكون اجتماعي هم الذين حرروا جنوب السودان وعليه يجب حماية سلطة الدينكا المكتسبة حتى لا تسرقها القبائل الاخرى . هذا واحد من بين الاقوال الضعيفة التي سمعتها من بعض انصار هذا المجلس , سمعتهم يقولون بها في مجالسهم الخاصة وهم يقولونها علنا ايضا في بعض الاحيان عندما يتحدثون الى ابناء الدينكا خاصة عندما يكون الحديث بلغة الدينكا . اقول هؤلاء ينسون ان هذا الوطن لنا جميعا , وليس لقبيلة ما فضل على القبائل الاخرى في تحقيق الاستقلال . وان مثل هذا التفكير التفكير سيفضي الى تفكك الدولة والمجتمع . وارد عليهم بالسؤال: كيف ننكر نحن ابناء الدينكا دور القبائل الاخرى التي تزيد عن الستين قبيلة في النضال من اجل التحرر الوطني , في الثورتين الوطنيتين اللتين خضناهما في تاريخ هذا الوطن وهما ثورة 1955 – 1972 و 1983 – 2011 ؟. وقبل الاجابة على هذا السؤال دعونا نسال هذا السؤال اضافيا عن المشاركة في الثورتين المذكورين: شاركت الدينكا فيها كقبيلة ام كافراد مدفعين بقناعاتهم بعدالة قضية شعب جنوب السودان ؟ فاذا كانت الاجابة ان هؤلاء الثوار الذين ينحدرون من قبيلة الدينكا كانوا قد شاركوا في الثورتين كافراد مما احسبهم سيقولون فلماذا يتم اقحام "قبيلة الدينكا" ككل الان في ثورة شاركت فيها كل القبائل الاخرى في جنوب السودان بما فيها الابناء الذين ينمون الى قبيلة الدينكا كافراد ؟ السؤال مهم لانا نعرف ان افرادا ترجع اصولهم الى قبيلة الدينكا خذلوا شعب جنوب السودان وخانوا الثورتين. وحتى نكون منطقيين مع القراء الاعزاء وحتى ندعم راينا بالحجة دعونا نسال انفسنا اسئلة بسيطة في المظهر والشكل لكنها كبيرة جدا في الجوهر: اين كان موقع كل من ب ., د , أ خلال فترة النضال والكفاح المسلح في السودان؟ علما وان معظم اعضاء مجلس اعيان الدينكا كانوا عبارة عن سياسيين رحل (Political nomads) وذلك حسب توصيف الراحل الدكتور منصور خالد لبعض السياسيين الجنوبيين. هل شاركوا بالمال او بالانفس في الثورة ؟ ام كانوا شاركوا عن طريق الاخلاف الذين بعثوا بهم الى الاحراش في اصقاع مناطق السودان الجديد انذاك؟ ام هم كانوا مع العدو في الخرطوم حلفاء معززين دون خلاف مع العدو معهم حتى وقت قريب جدا من الانفصال؟ ارى الذي اذاق شعبنا الويل والثبور وعظائم الامور ثم اصبح اليوم يدعي بانه حامي حمى الدينكا وعراب (الدينكنيلوية) ؟ عجب امر هذه الدولة التي يفترض فيها الناس ان الشعب فقد الذاكرة ولم يعد يتذكر ما فات من اعمال شنيعة تم اقترافها في حقهم من اشخاص بعض منهم اعضاء في مجلس كبار اعيان الدينكا. وحتى اذا افترضنا صحة القول ان ابناء الاثنيات الاخرى يكرهون قبيلة الدينكا , فالسؤال هو لماذا يا ترى يكرهوننا ؟ بالضبط , ماذا فعلنا حتى بات ابناء القبائل الاخرى يشمئزون من الدينكا , ومنهم من يسمى الدينكا حشرات. بالطبع , لا يجوز لابناء القبائل الاخرى ان يعبروا عن كراهية تجاه قبيلة الدينكا او تجاه اية قبيلة اخرى , حتى لو كانت قبيلة عربية ! فقط لانها قبيلة مختلفة , او بسبب ان بعض افرادها فعلوا كذا او كذا ضدنا. لكن السؤال عن اسباب الكراهية مشروع والاجابة مهم. نواصل عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.