قد يستغرب البعض هذا العنوان بما يحمله من مدلولات جمة , ولكن لنتناول الموضوع بشىء من العلمية ووفق الوقائع على الارض , فلقد ظل السودان ولقرون عدة أشبه بالدويلات , وعبر تاريخه الطويل , مجموعة من الممالك حتى قبل الحقبة الاستعمارية الحديثة , وما أكتشاف النيل الا خلال القرن الثامن عشر , حيث قدم مستكشفون هولنديون , ثم تبعهم فى التاريخ الحديث الامبراطورية العثمانية , لتأطر وتجزر أول علاقات ذات أبعاد أقتصادية وسياسية وأستراتيجية وفق علومنا الحديثة بين هذه البقعة من العالم والعالم الحديث , وكانت الثورة المهدية أول حركة وحدوية لجمع ذلك الشتات , وهو مانبه العالم الحديث وعلى رأسه أوربا القديمة لاهمية هذه البقعة , ومن وقتها بدأت الدراسات المؤسسية لطبيعة تكوين مجتمعاته , وحينما توصلوا الى أنه الموقع الافريقى الوحيد الذى يجمع غرب القارة الافريقية بشرقها , وخاصة درب الاربعين وأفواج الحجيج بعد انتشار الاسلام بتلك البقاع النائية , سعوا جاهدين لتأمين الجبهة الجنوبية , لقطع خطوط التواصل بالشق الجنوب أفريقى , فكانت سياسة المناطق المغلقة , وأصدمت تلك السياسة بالحراك القوى بالشمال أفريقى بقيادة جمال عبد الناصر ودعمه لحركات التحرر الافريقى ومناهضة سياسات التمييز العنصرى بجنوب أفريقيا , مثل روديسيا سابقا (زمبابوى حاليا ) وجنوب أفريقيا , كذلك الحركات التحررية بالكونغو , ونزكر باترس لومببا , ولعب السودان بعد أستقلاله السياسى دورا كبيرا فى دعم حركات التحرر الافريقى بجانب مصر والجزائر , ونزكر مرحلة عيدى أمين بيوغندا , وما شهدته تنزانيا وأقليم زنجبار , كل ذلك أعطى بعدا جديدا للعناصر الاستراتيجية بالمنطقة برمتها بصفته حلقة وصل مركزية , وليقاف هذا المدّ , كان لابد من تسخير عنصر تنوعه لخلخلة نسيجه الاجتماعى , بما يحول هذا البلد من عنصر قوة وترابط بالقارة الافريقية , الى عنصر زعزعة لاستقرارها وتهديدا لامنها وسلمها , وساعد فى ذلك توجهات النخب السياسية بالبلاد , حيث ظلت البلاد فى صراع وعدم أستقرار سياسى منذ الاستقلال السياسى , وبدلا من أن يؤثر على ماحوله , أصبحت دول جواره مصدرا أساسيا لعدم أستقراره , مما أهدر كثيرا من موارده , وأصبح مسرحا لاجندات كافة القوى الاقليمية والدولية , وتحولت مكوناته السابقة التى كانت تشكل مصدر قوته , أصبحت مهددا حقيقيا لتفتيت وحده وأضعافه ,وأصبح من بين أكثر الدول شمولا بقرارات مجلس الامن , وأنتشرت به ماتسمى بالقوات الاممية والافريقية , وصيغت الاتفاقيات المتعددة واللانهائية وبرعاية شبه منفردة لماجرى تسميته بالقطب الواحد , وهو نفس القطب الذى بدخول عناصره منذ القرن الثامن عشر قد شرع فى انجاز مهماته . وفى خضم كل ذلك وفى ظل الراعى شبه المنفرد الا وهى الولاياتالمتحدةالامريكية , ماهى القراءاة لاستراتيجتها بالبلاد ؟ ان أولى أشتراطات تأمين تلك الاستراتيجية هو تحييد بل وأضعاف معظم ان لم يكن كافة القوى السياسية الشمالية ليتسر تمرير الاستراتيجية المعنية بسهولة ويسر , ودون منقصات , وهو ماترجمته أتفاقية مشاكوس وماتبعتها أتفاقية نيفاشا , حيث جرى ابعاد كافة القوى الشمالية الاخرى من المشاركة , وكأن الامر لايعنيها , وفى شكل أشبه بأحلام اليقظة , ظن قادة القوى الشمالية السياسية المبعديين من حلبة الصراع , أن الانتخابات التى تضمنتها أدبيات نيفاشا , سوف تكفل لهم حظا من الحركة لتضمينهم ضمن اللاعبين حتى ولو فى الاحتياطى ومو أضعف الايمان , ولكن يبدو أن لذلك الكرسى عبق سحرى , من يجربه أو يرشف منه رشفة , يكرس كل حياته سعيا لرشفة أخرى ناهيك عن حدّ الارتواء , وهرولوا , وملاءوا الساحات والمنابر , والخطب المجلجلة , فماذا كانت النتيجة , فبعضهم يتحدث عن تزوير غير مسبوق , والبعض الاخر عن استغلال المال العام , والبعض أنه لم تتح لهم الفلرصة الكافية لشحز همم قواعدهم ...الخ الخ , ولكن الذى يهمنى النتيجة , فهل خرجت عن ماهو مرسوم ؟ وهل تستطيع أن تخل بالاستراتيجية العليا للاخطبوط الاعظم ؟ ويستفزنى الامر حينما تتحدث النخب السياسية عن القواعد , فعن أى قواعد يتحدثون ؟ وهل كانت يوما لاعبا أساسيا فى سجال الاستراتيجيات العليا ؟ ليس السودان فحسب , بل بأى دولة أخرى , قد تخوننى الزاكرة , فليشر أحدهم بنموزج واحد حتى نعتد به , ويؤكد أننا مخطئون . الذى قادنى لكتابة هذه الاسطر , هو قدوم السيد / قريشن موفد الاخطبوط الاعظم للسودان على البلاد . فهو وادارته يتحدثون بجملة من المتناقضات وهو شئ مبرر , فمتى كانت الادارة الامريكية عبر تاريخها صاحبة مواثيق وعهود , وصاحبة سياسات واجراءات تتسم بالمصداقية , حتى يعول عليها فى ترسيخ ونشر مايتشدقون به ليل نهار من أنهم رعاة الديمقراطية وحقوق الانسان , وأشتراطات الحكم الرشيد ...الخ من الادبيات التى يفزلكونها ليل نهار , وتتلقفها النخب وترددها كالببغاء فى كل محفل أو منشط سياسى أو ثقافى , فالغرب هو الغرب بكل ماتحمل هذه الكلمة عبر تاريخها من انتهاك لحقوق الانسان , وهيمنة لمقدرات الشعوب واستعبادها وازلالها , وصاحبة أكبر أرث تاريخى أسود .لكل ذلك جاء مستر غريشن للبلاد , ليتم خارطة طريقه وفق الادبيات المحدثة , وأصبح يدغدغ مشاعر الجميع بأبتسامته الساحرة , وظن البعض من المتيمين أو الموهومين أن الامر سينتهى بفصل الجنوب عن الشمال , ولكن هيهات , فالبوابة الغربية أسدل عليها ذلكم الثوب الشفاف , وأبقى على الباب مواربا الى حين انقضاء استحقاق الجنوب , ومن ثم يشرع فى السيناريو التالى ,فهل هى فيدرالية أم كونفدرالية أم انفصال لاقليم دارفور , ليس مهم المفردات , فقاموس العم سام متخم بها , واذا دعت الضرورة لابأس من تقديم مفردة محدثة , فقريحة فلاسفة أستراتيجيته العليا لاتنضب , وعناصر الفعل تملك بزمام الامور , فأغلاق البوابة الغربية أمر لايقبل الحوار , على الامد البعيد , وحتى لاتدخل البلاد فى هرج ومرج , فطرح نموزج الولاياتالمتحدة السودانية يتكفل بالامر , ويلبى طموحات الجميع بلا أستثناء , وهنا يستحضرنى طرح العقيد القذافى (الولاياتالمتحدة الافريقية ) وهل السودان غير ذلك ؟ وارجو أن لايتفاجأ الجميع بهذا الطرح , ومن حيث الموازين الديمغرافية , فسكان الشمال المتبقى فهم خلال العقود القادمة , وبحسب احصاءات معدلات الخصوبة , والهجرة وخلافه سوف يكونون الاقل من حيث عدد السكان , وهو ماسوف يقابل بشكل أو باخر بزحف مبرمج أو غير مبرمج من أهل شمال الوادى حيث ارتفاع معدلات الخصوبة , هذا بجانب زحف الملل الاخرى وتحت ستار المقتضيات الاقتصادية لشعوب المنطقة , ونواتج الاحتباس الحرارى ...الخ , يصبح أجمالا الحديث عن الهوية السودانية مثل الحديث عن الهوية الامريكية , ووفق أصول الديمقراطية , يأتى زمان لينتخب أوباما سودانى رئيسا للبلاد على القياس طبعا , ويكون شعاره التغيير , ألم تنجح بصاحبة الاستراتيجية , فلماذا لا تطبق بالسودان ؟ عاطف عبد المجيد محمد عضو منظمة الشبكة الدولية للمعلومات والعمل لاولوية حق الغذاء-هايدلبرغ-المانيا عضو الجمعية الدولية لعلوم البساتين- بروكسل- بلجيكا الخرطوم بحرى – السودان تلفون: 0024956441 بريد الكترونى :[email protected]