خليل ابراهيم بالأمس القريب كانت تفتح له الأبواب حيثما توجه وأينما ذهب . كان يتباهي بقوة جيش وجنود وسلاح ورجال لا يعصون له أمراً . كان يتحدث من منطلق القوة وبالتالي رفع سقف مطالبه التفاوضية في الدوحة . كان يتفاخر بقرب وصوله قصر الرئاسة في الخرطوم بعد أن توسط جنوده أمدرمان ، وفجأة نراه عالقا في انجمينا بعد أن غادر القاهرة غير مرغوب فيه . رأينا هزيمة أتباعه في معقلهم وتشريدهم في جبل مون مقر تجمعهم الرئيسي بعد طردهم من تشاد . رأينا إنسلاخ الفصيل بعد الفصيل من قواته وانضمامهم إلى ركب السلام والمفاوضات بل ووضعهم السلاح والإعتراف بأنه قد غرر بهم . سمعنا قوله بل قرأنا قوله أنه الآن لا حول له ولا قوة وأن موقفه صعب هو ومرافقوه وقد فقدوا حتى هوياتهم . ذكرنا كل ذلك بقصة فيلم الممثل أحمد زكي – رحمه الله – في أحد أفلامه وهو "زوجة رجل مهم " والمنتج في أواخر الثمانينات . الفيلم ربما كان مباشر المضمون حسب القصة وربما كان رمزياً لحكومة متسلطة وشعب مسلوب الارادة . ومختصر قصته كان يعمل عقيد في المباحث وهو مسكون بحب السلطة منذ الصغر، فأصبح يمارسها بوجهها البشع بعد أن أتيحت له من خلال وظيفته وأصبح يتعامل مع الجميع فارضاً سلطته هذه في مكان العمل وفي الحي الذي يسكن فيه والشارع وفي كل مكان بل حتى على زوجته في البيت. وقد كان من خلال الفيلم رجلاً مهماً جداً بحيث يخطب الجميع وده وهو يمارس السلطة ونفوذه القوي ويستمتع بإهانة الآخرين وتلفيق التهم لهم وهو في ذلك مزهواً مفتخراً ويزيد في طغيانه لإشباع ساديته نتيجة خضوع الآخرين له وانقيادهم إليه إما خوفاً أو طمعاً في بعض من سلطته أو منافع أخرى لم يكن من سبيل لتحقيقها بلا سلطة ونفوذ . ولأن دوام الحال من المحال وما بين غمضة عين وإلتفاتتها تخلت عنه السلطة وتم تجريده منها بعد إحالته على المعاش بعد إجراء تحقيقات تم تحميله وزر الفشل في مسبباتها ، ولأنه لم يتصور الخروج من إطار السلطة ليعيش كمواطن عادي، ولا يمكنه أن يتصور أيضاً بأن الأيادي التي كانت ترتفع تحية له والقامات التي كانت تقف إنتباهاً عند مروره والجباه التي كانت تركع عند رؤيته والأعين التي لا تستطيع النظر في عينيه ، الآن تتجاهله ولا تعيره إنتباهاً ولا تنفذ له رغبة . وقد وجد نفسه الآن مجرداً من الجاه والسلطان والهيلمانة وتم قص كل ريش النفوذ والعظمة والكبرياء التي كان يتمتع بها . هل اقتنع بالحال الجديد وعمل بقول الشاعر (إلبس لكل حالة لبوسها ، إما نعيمها وإما بؤسها) لم ولا طبعاً ، ولن يستطيع حتى لو حاول إلى ذلك سبيلا ، وقد بدأ من خلال أحداث الفيلم في التظاهر بمظاهر كذابة ولكن حبل الكذب والتظاهر دائماً قصير وهو يحاول التمسك بالسلطة حتى ولو كان ذلك وهماً من خلال إصراره على أن يعيش مع أوهامه مظهرياُ رافضاً التأقلم مع وضعه الجديد ومواجهة الواقع، فنراه يستمر في محاولاته المستميته لتحقيق توازنه الضائع، وهو لا يجد متنفساً أو مجالاً لإرضاء عقدة تسلطه إلا في منزله ومع زوجته التي كانت بسلبيتها المفرطة بديلاً لعالمه المفقود ليمارس عليها ما افتقده فعلياً .. أدى ذلك لأن تصل الزوجة إلى مرحلة متقدمة من التعاسة والإحباط في حياتها الزوجية، و جعلها ذلك تستنجد بوالدها ليخلصها من هذا الجحيم . ما كان من صاحبنا والذي ما يزال يحتفظ بطبيعته السلطوية عندما شعر بأنه سيفقد زوجته آخر مجالات استعمال سلطته الضائعة لم يكن أمامه غير نهاية محتومة فقد جن جنونه وقتل والد زوجته ثم انتحر. هل صحيح فعلاً ما نراه من وجه شبه ومقارنة هنا ينطبق على خليل أم نحن الواهمون فيما نرى ونبقى نتساءل هل احترق الرجل معنوياً ومات ولحق بركب من لم يمت بالانتخابات مات بعدم مشاركته بالانتخابات ؟ ومن لم يمت بعدم مشاركته بالانتخابات مات بمقولة (تعددت الأسباب والموت واحد والجُعبة حُبلى بالأسباب ) ؟؟ هل سيأتي إلى الطاولة مهزوماً مدحورا؟ أم سيأتي بنفس كراسة الشروط السابقة ؟؟ وإذا كانت هناك تنازلات لماذا لم يتم ذلك منذ البداية بعد العناق ومصافحة البشير في الدوحة ؟ ثم هل ستكون نهايته كما انتهي أحمد زكي في فيلم ( رجل مهم ) أم هل ستكون نهايته كما انتهي في الواقع أيضاً ( رجل مهم) كان يوماً يحكم في بغداد ؟؟؟. عبدالرحمن أحمد المهيدي [email protected] عام 1987، يقدم محمد خان فيلمه الهام (زوجة رجلر