على غير العادة.. عدت ذلك اليوم مبكراً إلى المنزل (يعني حوالي الخامسة والنصف مساء) وتناولت الغداء مع (الأولاد).. ثم خرجنا في مشوار عائلي وبعد العودة تناولت شيئاً من عسل النحل على العشاء و.. وأسمعت زوجتي موشحات في حب الوطن وضرورة التغيير و.. وكلام (كتيييير).. واستمعت لي مشكورة.. حتى إذا فرغت من حديثي نظرت لي قائلة: (تاني ما تاكل العسل ده). حسناً.. فإن كل ما ألم بي في ذلك اليوم وأشقاني هو استماعي لكلمات يوسف الموصلي بلحنها (المجنون).. في الفجرية زارع بيزرع في المزارع أريد زراع بلدنا ونور الشمس ساطع .. سودانا نادانا .. في الفجرية صانع بيصنع في المصانع أريد عمال بلدنا وصوت المكنة طالع .. سودانا نادانا .. انتبهت لوضوح الصورة المرسومة بالكلمات.. وعمق المعنى المربوط بالريف والهمة العالية.. والنداء الحزين.. سودانا نادانا.. وارهقنى اللحن الذي يتم به ترديد الكلمات والذي كان مع كل كلمة يخلع الضمادات بقوة عن جروح هذا الوطن العظيم.. طيب.. حتى هذه اللحظة و الامر عادياً.. إلى أن وصل النص لمرحلة لا يمكن السكوت عليها.. يا الحامين حمانا.. بقوة وأمانة أريتو يسيل عرقنا.. بدل ما تسيل دمانا .. سودانا نادانا .. نحلك يا قضية .. بدون صوت بندقية أخوي خليك معاي.. أخوي ما تكون عليّ .. سودانا نادانا .. بالله عليكم من أين أتى ذلك الموصلي بهذه اللغة.. من علمها له.. من هداه لعذوبتها.. ولذلك الأثر البركاني الذي تبثه في النفس.. الحق يقال.. لم أستطع بعد ذلك أن أفعل شيئاً مما كان في يدي.. أحسست بنفسي صغيراً.. عاجزاً.. أحسست حينها وكأني أنا سبب أزمات هذا البلد.. شعرت برغبتي في فعل عظيم.. خطير.. إيجابي يوازي قوة البركان الذي يغلي في داخلي. كان ما كان وبصعوبة استطعت التحكم في تلك المشاعر الهائجة والتي لولا ذلك التحكم لانقلبت إلى إحباط ويأس حين المقارنة بالواقع.. نعم.. الكلمات الجميلة والمعاني العظيمة في بلدي للاستماع فقط.. كما الخطط الجميلة والأرقام الفخمة والتي يتم طرحها في ديباجة برامج الدورة.. دورة الاتحاد أو الكيان أو غيره.. حتى إذا جاء وقت التنفيذ نصطدم بضعف القلم الذي كتبنا به وجبن المال الذي بين أيدينا. إخوتي .. الكلمات التي بين أيديكم هي ظل الحقيقة أما الحقيقة فهي هناك في اللحن فكيف أنتم فاعلون إن سمعتموه.. عموماً لا أوصيكم بالاستماع إلى ما وصفته لكم فإنه يفضي إلى الجنون.. استمعوا إلى كتاب الله.. فإنه يشحن النفس بذات الطريقة.. ويحفظ توازن النفس البشرية.. ويطمئن قلبك عندما تستمع ل )وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى(40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى (41) ( سورة النجم