لا شئ يحير المرء في السياسة السودانية مثل موقف قيادات الأحزاب السياسية السودانية المهزوم في إنتظار إنفصال الجنوب وما يتردد على لسان البعض من إحتمال تبعات ذلك على إقليم دارفور. هذا الإنتظار والذي تتخلله بعض النشاطات والتي تصب جميعها في النهاية في مصلحة الحكومة أو الحركة الشعبية، أي تصب في إتجاه تسريع حدوث الكارثة، لم يعد مقبولا لدى رجل الشارع كما ويثير الكثير من الشكوك في قيادات هذه الأحزاب التي لم تصبح تعبر عنه في أية صورة. فإذا كان الهم الأول للشعب هو وقوف هذه القيادات وتنشيط العمل داخل أحزابها من أجل مصالحه اليومية كالمأكل والعلاج والتعليم وتوفير فرص العمل فإن قيادات هذه الأحزاب أصبحت أكثر بعدا عن جماهيرها حتى في رؤية هذه الجماهير فيما تعارفوا عليه ببلدهم السودان. لانود الرجوع إلى بدايات إنقلاب الإنقاذ ومسيرتها العرجاء وما ترتب عليها من تقتيل وتشريد وتعذيب بإسم الإسلام وما نتج عن تلك السياسات من فقر وتجويع ومذلة ولكنا سنقصر حديثنا على ما حدث في الفترة الأخيرة حتى بعد أن إرتضى الجميع ولو نظريا اللجوء لتبيان الحقيقة عبر الكلمة وتقدم جماهيرهم لإيقاف عصابة الأنقاذ وشريكها الحركة الشعبية عن السير في تدمير البلاد. لقد فشلوا جميعهم في تنفيذ ما سعوا إليه في مؤتمر جوبا والذي رعته الحركة الشعبية كما فشلوا في الإتفاق على برنامج واحد ولو مرحلي يجنب البلاد شر التمزق في فترة الإنتخابات حتى لو كان ذلك البرنامج هو المقاطعة الجماعية للإنتخابات "المخجوجة". ولم يعد لقيادات هذه الأحزاب دور يتعدى الحديث المتكرر الممجوج عن سعي المؤتمر الوطني وهم صادقون في تمزيق السودان بعد تمزيق نسيجه الإجتماعي وترويع وتجويع أهله في كل أقاليمه. فقد إنعدم الفعل لديهم كما أصبحت أقوالهم لا يعتد بها حتى بين أكثر المتعصبين من عضويتهم ناهيك عن أهل الإنقاذ الذين يبدو أنهم أصبحو يرددون قول الشاعر "فانعم بطول سلامة يا...". قبل أيام حملت الحركة الشعبية لجنوب السودان المؤتمر الوطني أمر وحدة السودان حين أكدت أن الخيار المفضل لها هو سودان ديمقراطي علماني موحد طوعيا بإعتبار أن المشروع الإسلامي لا يحقق وحدة البلاد. اعتبرت الحركة الشعبية «أن الزعم بأن الوحدة ستقوم على المؤسسات والنظم والمبادئ التي أرساها نظام الإنقاذ زعم واهم ولا يمثل الحقيقة لأن النظام الذي أرسته الاتفاقية والقيم التي أعلتها لا وجود لها على أرض الواقع خاصة فيما يتعلق بإعادة بناء الدولة، أو فيما يتعلق باحترام وثيقة الحقوق التي وطدت في الدستور، أو فيما يتعلق بمهنية الخدمة العامة وأجهزة الأمن وإنفاذ القانون والنأي بها عن الانتماءات الحزبية وتغيير سياسات المركز في الخرطوم». وبدلا أن تأخذ قيادات الأحزاب السياسية هذا القول محمل الجد وتوصله إلى نهاياته بهدف إنقاذ البلاد والتأكيد على أن الإسلام لا تتعارض مقاصده مع الديموقراطية وحقوق الإنسان، فإنها تعمدت تجاهل ذلك. فالشريعة الاسلامية تشمل تنظيم علاقة الانسان بربه وتنظيم علاقة الانسان بنفسه وتنظيم علاقة الانسان بأخيه الانسان وبالتالي فهي مقاصد كل مجتمع بشري أيا كان دينه ولونه وثقافته حيث يحترم فيها المبادئ الأساسية للانسان مثل الحرية فى التعبير والمعتقدات والعدالة والمساواة. إن أزمة السودان منذ استقلاله هي أزمة هوية وتنمية كما أنها أزمة سلطة وبناء دولة وطالما أن الحركة الشعبية لوحت إلى القبول بذلك كان على قيادات هذه الأحزاب قبول هذا الأمر والدفع به ليقبل به المؤتمر الوطني راضيا أم كارها في هذا الوقت العصيب والحرج. لأن الخروج من هذه الأزمة يتطلب اتفاقا مبدئيا بين مختلف القوى السياسية الفاعلة بغرض خلق اجماع وطني يضمن وحدة السودان على أسس الديموقراطية وحقوق الانسان. وحتى يتحقق اجماع وطني لابد من العمل على تحقيق تنمية مستدامة ومتوازية تشمل كل أقاليم السودان بغرض اذابة الولآءات الجهوية والقبلية والمذهبية. كذلك فان الوصول الى النظام الديموقراطي في السودان لا يمكن تحقيقه اذا لم نعالج قضية علاقة الدين الاسلامي بالدولة وهذه المعالجة ليس المقصود منها الدين كمعتقد ولكن من حيث انه قوى اجتماعية وثقافية وسياسية وآيديولوجية. فالديموقراطية لا تؤسس على الظلم والتهميش كما أنها لا تستمر الا اذا توفرت لها شروط مادية تحقق للمواطن العادي متطلباته الاقتصادية وتشبع رغباته الثقافية والاجتماعية وتسمح له بالمشاركة السياسية وذلك من خلال قبول الرأي الآخر وتوفر الحرية الفكرية حتى تتفاعل وتتلاقح الأفكار والآراء. بمعنى آخر أن الديمقراطية التي يعيشها الانسان في الغرب هي تراكم تاريخي في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية كما انها ثمرة شرعية للحرية التي بدأها الغرب منذ نهاية القرن السادس عشر بمختلف مفاهيمها ومعانيها كما أنها ثمرة ناضجة للتنمية المستدامة. كرد فقل لما قالت به الحركة الشعبية وإمعانا في السخرية والعزة بالإثم يقول علي عثمان محمد طه "المؤسسات والنظم والمبادئ التي أرساها نظام الإنقاذ ....لن نرفع راية الهزيمة والاستسلام. لا ندري أي مبادئ هذه التي أرساها نظام الإنقاذ والتي لن يحيد عنها؟؟ هل هي التي كانت تنادي "هي لله هي لله أم بأن أمريكا دنا عذابها ... أم نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع" فجميعها لا يوجد منه شئ في الواقع ولم تثمر جميع تلك المبادئ والنظم غير الفساد والإفساد والجوع والعرى والذلة والمسكنة للشعب السوداني وخذي وعار لقياداته التي لم تتعلم أبدا من مسيرة الإنقاذ. فهذا الميرغني يقبل أن يكون رئيسا للجنة دعم الوحدة ولا يجد فرصة إلا ساند فيها نظام الإنقاذ ورئيسه ورموزه دون حياء وهو القائل يوما ما "سلم تسلم" وكأني به يومذاك لم يكن يعي ما يقول وكأنه كما قال الشاعر " كالهر يحكي صولة الأسد". فتحت قيادة الميرغني الجزئية للحزب الإتحادي أصبح هذا الحزب بعيدا عن روح الشارع السوداني وبعيدا عن الدفاع عن وحدة السودان التي ما انفك بعض الملتصقين بالميرغني يقول بها. وحال نقد والحزب الشيوعي لا يختلف كثيرا عن حزب الميرغني فهو كحال المريض الذي لا ينفع معه دواء ولا كي بعد أن كان قد دفع بكل مقوماته للوقوف مع الحركة الشعبية بهدف القضاء على ما كان يسميهم بالرجعية والطائفية حتى وجد نفسه هو الأكثر بعدا عن اللعبة السياسية في السودان. أما حزب الأمة القومي الذي رهن إرادته للإنقاذ منذ توقيع إتفاقية نداء الوطن الكارثة، فإن قيادته ما انفكت تعرض خارج اللعبة السياسية متوهمة بأنها من خلال التنظير فقط ستلعب دورا في إبقاء السودان موحدا حين تنادي ب" إسناد إدارة استفتاء تقرير مصير جنوب السودان إلى جهة محايدة تحت مظلة الأممالمتحدة" وهي بهذا القول لا تختلف عن المؤتمر الوطني الذي سمح لكل شعوب العالم من حوله بالتدخل في قضايا السودان إلا الشعب السوداني بما فيهم قيادة حزب الأمة نفسه أن يكون له رأي فيما يجري في السودان. على الرغم من أن دعوة قيادة الحزب تقوم على مدنية الدولة وحرية الأديان والتعددية الثقافية ولا مركزية الحكم وعدالة المشاركة في السلطة والثروة، والتعبير السياسي والدستوري عن تلك الحقوق وهي دعوة بعيدة عن التعصب وتحترم الآخر ولكنها في الواقع لا تجد الأذن الصاغية لأنها لا تسندها قوة ومن منا لا يعرف أن من ليس له قوة في عالم اليوم لا يمكن أن يسمع صوته مهما كان صائبا وحكيما. لقد كانت قيادة حزب الأمة ترفع شعار الجهاد المدني لفترة ذادت عن 18 عاما ولم يأت شعاره بنتائج ملموسة بل على العكس كان الصمت عاملا مساعدا للإنقاذ وصبيتها ومفسديها أن تتمادى في جر البلاد نحو الهاوية حتى أصبح الحزب نفسه خارج اللعبة السياسية وبالتالي أصبح معولا من المعاول التي مزقت السودان ولن ينفع ما سطر الحزب من بيانات ونظريات. اللهم لطفك وصبرك Abdalla gasmelseed abdalla gasmelseed [[email protected]]