أعادني عنوان لكمال الجزولي "أنوصد البواب أم نواربها" لمقال عن مسألة الانفصال إلى حكاية رواها الصحفي بقادي الذي غطى وقائع ترحيل النوبة عام 1963. قال بقادي إنه شاهد إمرأة ستترك منزلها بلا عودة حائرة أمام بابه أتوصده كما فعلت طول عمرها متى خرجت أم تتركه مفتوحاً طالما لن تعود إليه. كيف تدير لها ظهرها: موصداً، موارباً، أو ماذا؟ إن السودانيين الآن كلهم في ارتباك المرأة النوبية الواقفة أمام بابها لآخر مرة. فمع أن شبح الانفصال خيم على العلاقات الجنوبية االشمالية منذ عهد سياسة الجنوب (1930) وخلال فترة الأنيانيا إلا أنه كان عيارا ًيدوش ولا يقتل واعتقدنا الانفصال مجرد اضغاث يكفي أن نصحو فتنقشع. واستنمنا لذلك حتى جاءت القاضية. ووقفنا وقفة النوبية الحائرة عند مداخل الوطن. المؤتمر الوطني وحده الذي لم يطرف له خاطر قبايل الانفصال . إنه ملم بكل ما ينبغي عمله بعد الانفصال وعلينا السمع والطاعة. سيوصد الأبواب للشمال بالضبة والمفتاح. سيسحب الجنسية من اسم جنوبي سجل اسمه في سجل الاستفتاء ولن يعطيه حقنة في المستشفي. وسيجرعنا الشريعة غصصاً جزاء وفاقا. ومن آخر العالمين بباطن ما سيحصل لنا في الشمال د. مندور المهدي. فما أن انفض مؤتمر الحركة الشعبية في الشمال الذي عرض عزمها على مواصلة شغلها السياسي حتى انبرى لها مندور. قال إن المؤتمر الوطني لن يسمح لها بالعمل في الشمال كحزب سياسي لحرصه ألا تتكرر تجربة الحركة الفاشلة الي أدت لانفصال الجنوب. وكلام مندور خاطيء من حيث ثقفته. أولاً: المؤتمر الوطني ليس هو الجهة التي ترخص للأحزاب. فلهذه الرخصة شروطها ونصابها وعلائمها تعرض على لجنة الأحزاب وتقضي بمنح الرخصة أو حجبها. ثم متى ما تضرر حزب من لجنة الأحزاب لجأ للقضاء للفصل. وقد رأينا كيف أن الحركة الشعبية لم تعترف بتغيير لام أكول الديمقراطي الذي رخصت له لجنة الأحزاب. واعترضت عليه لائحياً لاستناده على مليشيا خاصة به. ثم عرض الحزب أمره على القضاء فأجازه. وخاض الانتخابات واجتمع منذ نحو شهر بالرئيس سلفا كواحد من أحزاب الجنوب للتفاكر في أوضاع الجنوب بعد الانفصال. ولا يعني هذا أن نمنع المؤتمر الوطني من الدعوة المسببة للحجر على قيام الحركة الشعبية في شمال الانفصال. ولكن عليه أن يتبع الدستور لتلك الغاية. ثانياً: ليس من الرجاحة بالطبع أن يَفسَل مندور مع حزب للحركة الشعبية في الشمال دعا إليه عبد العزيز الحلو ومالك عقار. ولا أدري كيف فات على مندور أن الرجلين من مناطق المشورة الشعبية التي انتظرنا منها بارقة تمسك بالشمال وجاءت اخيراً من قائدين من العيار الثقيل من تلك المناطق ممن يرغب كل سياسي أن يكونا ضمن خصومه. ولا أدري كيف سيجذب المؤتمر الوطني مناطق المشورة إلى سودان الشمال إن سبقها للقرار بحرمانها من حزب حاكم في جنوب كردفان والنيل الأزرق بعد انفصال لا دخل لها به. هذا إسراف وقصر نظر لا مثيل له. ثالثاً: سبب مندور الموضوعي لتحريم الحركة في الشمال هو فشل مشروعها للسودان الجديد. وفي هذا مصداق للمثل الإنجليزي: قال الكنتوش لكفتيرة الشاي يا سوداء. . قال لنا التجاني الماحي يوماً بعد وفاة ولد له هزته: "أقرا الآن كتاباً عنوانه الجلد في موت الولد". ونقرأ معشر السودانيين قبيل الانفصال وبعده في كتاب عنوانه الجلد في موت البلد. كيف تريد الكارثة الزاحفة أن تجد بوابات الوطن: مغلقة أم مواربة؟