حسب تقرير الأممالمتحدة الصادر اليوم بعنوان "الأمن الذي نحتاجه: إعادة توازن الإنفاق العسكري من أجل مستقبل مستدام وسلمي"، في عام 2024، بلغ الإنفاق العسكري العالمي 2.7 تريليون دولار – أي ما يقارب ثلاثة ألف مليار دولار أو ما يقارب ثلاثة ألف ألف مليون دولار. ويُظهر الرسم البياني أدناه أن الإنفاق العسكري العالمي يتزايد باطراد في جميع مناطق العالم، بما في ذلك أفريقيا. في الوقت نفسه، يعاني السودان من مثقفين وناشطين يدعون علنًا إلى تصفية الجيش السوداني أو إضعافه وحتى حله. أنا شخصيًا أكره الإنفاق العسكري، أحلم بعالم خالٍ من الجيوش حيث ينفق كل المال علي التنمية والخدمات الاجتماعية والتعليم والصحة. ولكن تحقيق سلام حقيقي في هذا العالم يوجب على جميع دول العالم أن تجلس معًا وتتفق على خفض إنفاقها العسكري وتقليص حجم جيوشها بالتزامن وبإيقاع متفق عليه. غير أن ما يحدث في السودان يختلف عن هذا التصور؛ فالدعوة إلى إضعاف الجيش أو حله في وقت تزيد فيه الدول الأخرى من إنفاقها العسكري وتعزيز قواتها – كما يبيّن الرسم البياني الوارد في تقرير الأممالمتحدة – ليست دعوة للسلام، بل هي دعوة إلى تقويض الدولة السودانية وهدم كيانها الثقافي والمجتمعي. وليس في هذا استنارة ولا سلمية بل هي رغبة واعية أو لا-واعية في وأد كيان ثقافي وشعب وهذا عكس السلمية – بل جريمة لتصفية شعب. في أوقات السلم أو حتي في أوقات الحرب، من الممكن الدعوة إلي ضبط الإنفاق العسكري وترشيده حتى لا يلتهم أكثر مما يجب من موارد الموازنة ولكن هذا نقاش يختلف نوعيا عن الدعوة لتصفية أو إضعاف الجيش والدولة. للأسف نحن نعيش في عالم محكوم لدرجة بعيدة بقانون الغاب وللاسف مفروض علينا أن نعيش فيه كما هو لا كما تتمناه نصوصنا النبيلة. هذا يذكرني بأفكار أصدقائي الأناركيين، الذين أتفق مع نقدهم للدولة ودعوتهم إلى تجاوزها في المدى البعيد. لكني أرى أن تفكيك الدولة يجب أن يكون عملية جماعية ومتزامنة تقوم بها معظم دول العالم في نفس التوقيت، عندما تتهيأ الظروف التاريخية والموضوعية لذلك. أما الدعوة إلى تفكيك الدولة السودانية بشكل منفرد بينما تعمل الشعوب الأخرى على تعزيز دولها ومصادر قوتها، فهي لا تمتّ إلى المشروع الأناركي الجاد بصلة، بل تتحول إلى دعوةٍ للانتحار الوطني، تُهدّد وجود الشعب السوداني وهوّيته ومستقبله. السياق التاريخي والجيوسياسي وطبيعة معطيات المرحلة عناصر حاسمة في فهم هذه الإشكاليات وتقييمها. إغفالُ هذه العناصر يحوِّل النصوص الفكرية – مهما بلغت درجةُ امتيازها – إلى مُسلماتٍ ثابتة، صالحة لكل زمانٍ ومكان، وهذا ما يخرجها من حيِّز التاريخ البشري النسبي لتصبح نصوص ميتافيزيقيَّة، أشبهَ بِمقدَّسات علمانية صالحة لكل زمان ومكان – أي لا-تاريخية . معتصم اقرع إنضم لقناة النيلين على واتساب مواضيع مهمة ركوب الخيل لا يناسب الجميع؟ أيهما أصعب تربية الأولاد أم البنات؟ جسر الأسنان هل تعقيم اليدين مفيد؟ الكركم والالتهابات أفضل زيوت ترطيب البشرة